خالد أبو شقرا

نعمة: سيستخدمون شروط صندوق النقد لتمرير مصالحهم... وصفقاتهم

19 نيسان 2022

02 : 00

أديب نعمة




صُبغت البرامج الاقتصادية للاحزاب والجمعيات المرشحة على الانتخابات النيابية بألوان الانهيار القاتمة الموحدة. فلا فرق بين يساري أو يميني، ولا بين اشتراكي أو رأسمالي إلا بالعمل على الخروج من الأزمة. الطروحات أتت متشابهة لدرجة «انصهرت» معها الفوارق، وأصبح من المستحيل التمييز بين فئة وأخرى إنطلاقاً من طروحاتها الاقتصادية. الأحزاب التقليدية التي أوصلت سياساتها إلى الإنهيار، زاحمت القوى المعارضة وجمعيات الانتفاضة الناشئة على شعارات حماية الدولة. ومن كانت له اليد الطولى بالتهريب واستنفاد الدعم، وبناء قطاع مالي خارج الدولة، وإدخال آلاف الاطنان من السلع والمازوت عبر المعابر غير الشرعية من دون رسوم جمركية... سيبقى «يحمي ويبني»، ويؤمن بحسب برامجه الانتخابية الاقتصادية الاستقلالية المادية والنفطية والانتاجية للدولة. أحزاب وجهات رأسمالية أصبحت تزايد على الاشتراكية بفرض الضرائب ورفع السرية المصرفية وفرض قانون تقييد الودائع. فيما الاحزاب والجمعيات الاشتراكية تطالب بتدخل صندوق النقد الدولي، والحد من تدخل القطاع العام في إدارة المؤسسات، وتخصيص الادارات المصابة بفشل تاريخي تحت حكم الموظفين وخلافات أعضاء مجالس إدارة الصناديق والمصالح المستقلة.

على الرغم من أهمية الشأن الاقتصادي في ظل واحدة من أعتى الأزمات التي صنفها البنك الدولي «من ضمن الاشد عالمياً منذ منتصف القرن التاسع عشر»، فان «البرامج والتعبئة الانتخابية، والصراع على المقاعد البرلمانية لا تتم الآن على أساس المطالب الاقتصادية والاجتماعية، إنما على خطاب يمثل استمرارية لما سبق، ولا سيما عند أحزاب السلطة التقليدية»، يقول الباحث المستشار في التنمية ومكافحة الفقر أديب نعمة. فـ»الكل عاد إلى جذوره، وتحديداً في فريق المنظومة الحاكمة، مستخدماً مطالب صندوق النقد الدولي كحجة لتمرير ما يفيد مصالحهم من إجراءات ويؤدي إلى استمرار الوضع على ما كان عليه». إنطلاقاً من هذا الواقع لا يعود للحديث عن خطط التنمية الزراعية أو الصناعية مكان في النتائج الحقيقية. والجميع سيعود بعد الانتخابات ليسير بالصفقة الموجودة بين أيديهم»، بحسب نعمة، و»التي بدأت عناوينها تظهر بهدم الاهراءات كمقدمة لتلزيم أجنبي طويل للمرفأ وبقية المرافق الحيوية لدول أو شركات أجنبية. وعليه فان كل الحملات والشعارات تصبح تضييعاً للوقت، بانتظار التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود وتحصيل بعض النقد الصعب من النفط والغاز، تستكمل بوضع أصول الدولة بصندوق سيادي تحت إدارتهم وهذا ما يمثل قمة الخبث».

الانطلاق من مشاكل الأزمة لوضع الفئات المشاركة في السباق الانتخابي والتوجهات الاقتصادية هو «أمر طبيعي»، برأي نعمة. «إذ لا يمكن لاحد إغفال مشكلة مركبة وبهذا الحجم تتضمن: أزمة نقدية تتعلق بالسيولة وسعر الصرف، وأزمة مصرفية، وأخرى اقتصادية اجتماعية تتمثل في فقدان السيولة بالدولار والليرة على حد سواء، وتراكم الدين وارتفاع هائل في الاسعار والتدهور الشامل في مستوى عيش اللبنانيين والتعطل المؤسساتي. إلا ان المشكلة الكبيرة في المقابل أن توصيف المشكلة وتكرار الحلول ليسا كافيين. فلا توجد على جداول الاعمال خطط فعلية لمعالجة هذه التحديات بشكل صحيح. وما يجري تداوله لا يزيد عن كونه كلاماً عاماً، لا نعرف ما المقصود بالمضمون، أو كيفية تحويله إلى التنفيذ». وبرأيه فان «ما يوضع من تصورات وبرامج ومقترحات ما هو إلا رد فعل على توجهات محددة قام بها طرف معين. ففي الفترة الماضية مثلاً، تحولت عناوين المواجهة إلى التصدي للخطة التي اقترحتها حكومة حسان دياب و»لازارد». واليوم هناك السير ببعض الاقتراحات التي تطرح تحت عنوان مطالب صندوق النقد الدولي.

وبحسب نعمة، هناك أمران أساسيان سيقودان المرحلة المقبلة:

- الانهيار الشامل، الذي يتعمق ويأخذ أشكالاً جديدة.

- ضغط صندوق النقد الدولي لتحقيق بعض المطالب التي تضمن عودة الاقتصاد للعمل بالحد الأدنى وفق قواعد السوق.

إنطلاقاً من هنا، يصبح الثقل للقدرة على تحويل الشعارات المطروحة في الترشح إلى خطط فعلية على أرض الواقع بعد الوصول إلى الندوة البرلمانية. وفي هذه المرحلة ستبرز تناقضات هائلة وخلافات على التطبيق، ذلك أن «الشيطان دائماً ما يكمن في التفاصيل». ويسأل نعمة: «هل ستتلاءم مشاريع مثل رفع السرية المصرفية أو تخفيفها، و»الكابيتال كونترول»، و»كيفية التصرف بحقوق السحب الخاصة، ولأي أغراض، وكيفية معالجة مشكلة التعليم وإن كنا سنذهب باتجاه تعليم رسمي قوي مدعوم من الدولة تتحمل مسؤوليته وتدعمه بكل طاقاتها، أو الاستمرار بتوزيع الاموال على المدارس الخاصة...إلخ، مع القوانين التي ستقر؟ ماذا يقصد بحماية حقوق المودعين؟ هل يعني ارجاع الحقوق لمن يملك أقل من 5000 دولار مثلاً؟ وهل تحل أزمة بهذا الحجم بهذا الشكل؟ وكيف يمكن لأحد، مثلاً، ولا سيما من أحزاب السلطة أن يجمع بنفس البرنامج بين حماية حقوق المودعين والتأكيد على اقرار «الكابيتال كونترول» الذي يمنع الدعاوى بحق المصارف؟ هل سيملك النواب المستقبليون القدرة على فرض اعادة هيكلة القطاع المصرفي في ظل هذا الصراع التحاصصي والتقاسمي الطائفي.

أسئلة كثيرة، شائكة ومعقدة ينقسم جوابها عند «من بقي رأسه بين كتفيه» من المرشحين على لوائح معارضة السلطة إلى شقين: الأول، هو أن صعوبة تحقيق خروقات كبيرة وسريعة في أمراض العضال الاقتصادية لن تحول دون التصدي لأي طروحات تحمل عبء الازمة للمواطنين، كما تنوي السلطة الفعلية القيام به سواء فزنا بالسباق أم لم نفز. والثاني، أنه حان الوقت لتجريب نهج آخر من التفكير عن السلطة المستمرة منذ عقود والتي أوصلت البلد إلى اعمق وأكبر انهيار على صعيد العالم.


MISS 3