زيزي إسطفان

شبان وشابات يقترعون للمرة الأولى خارج "مونة الأهل"

خائبون... ضائعون... متحمّسون فمن سينتخبون؟

27 نيسان 2022

02 : 00

صوتك لمين
شباب شاركوا بالثورة وحلموا بالتغيير الآتي، خريجون بدأوا خطواتهم الاولى في الحياة المهنية، وآخرون هاجروا للعمل او الدراسة في الخارج بعد أن قرفوا من وضع البلد أو بقوا فيه مرغمين عاطلين عن العمل؛ شباب ملتزمون حزبياً وعقائدياً ودينياً وشباب يهوون المراقص والحانات حسبما وصفهم أحدهم...حالمون، مناضلون، لامبالون، مسيّرون وتائهون كلهم أضيفت أسماؤهم الى لوائح الشطب وسينتخبون للمرة الأولى في أيار 2022، فهل يكونون رأس حربة في التغيير أم يعودون مستسلمين الى جذورهم الطائفية والحزبية؟





225000 ناخب جديد في لبنان كما في الاغتراب أضيفت أسماؤهم الى لوائح الشطب بحسب الدولية للمعلومات من عدد إجمالي الناخبين الذي بلغ3976507 وفق المديرية العامة للأحوال الشخصية وقد وصل عدد الذين سيبلغون 21 عاماً في أيار 8050 ناخباً. الأعداد ليست قليلة لكن الحماسة تختلف بين الناخبين الجدد وكذلك الخيارات والتأثيرات وحتى المعرفة بالعملية الانتخابية بين مطلع عارف ومن يجهل آلياتها جهلاً تاماً.

في خمسينات وستينات القرن الماضي وصولاً الى الانتخابات الأخيرة قبل الحرب كان الشباب الذين ينتخبون للمرة الأولى يخضعون لسلطة الوالد أو كبير العائلة الذي يقرر لمن يقترعون ويحضر لهم اللوائح المعدة سلفاً، وفي المقابل كان الشباب المنتمون الى الأحزاب والتنظيمات اليمينية كما اليسارية لا سيما في الجامعات ينخرطون في العملية الانتخابية بكل جوارحهم ساعين الى انتخاب أحزابهم .

اليوم اختلفت الأمور والشباب اللبناني غارق في اليأس والإحباط أمام أفق مسدود وحلم بالتغيير أجهض باكراً، تائه لا يعرف من ينتخب،هل يختار بحكم العادة الذين أوصلوه الى هذه الحال ام ينحو نحو قوى التغيير رغم كونه لا يعرف وجوههم وخلفياتهم؟



خيبة البحث عن التغييريين

سارة التي ستبلغ الثانية والعشرين من عمرها في نيسان والتي تنتخب في المتن تود المشاركة في الانتخابات لكنها لا تعرف لمن ستعطي صوتها فهي بحكم عدم اهتمامها بالسياسة لا تعرف أي من المرشحين على اللوائح ولا اللوائح المرشحة أو مرجعياتها، تود التغيير لكنها لم تسمع سابقاً بأي اسم من اسماء التغييريين، تميل الى انتخاب لائحة الكتائب لأنها تعرف سامي الجميل ومقتنعة بطروحاته لكنها لا تعرف سواه على اللائحة. وفي النهاية قد تعود للاقتراع للائحة القوات لا عن قناعة مطلقة بل تماشياُ مع اتجاهات عائلتها قائلة «أقله أعرف شيئاً عنهم» .

باتريك الذي يقترع هو الآخر في المتن لا تهمه السياسة بقدر ما يهمه الأشخاص، سيقترع لالياس بو صعب فقط لا للائحة التيار، فللرجل خدمات كثيرة في المنطقة وهو كشخص يمكن الوثوق به وقد أثبت جدارته حين كان رئيس بلدية الشوير ومن ثم وزيراً للتربية. ويقول باتريك «رغم كوني سأنتخب إلا أنني لا أؤمن بأن هذه الانتخابات ستحدث أي تغيير ففي هذا البلد التغيير غير ممكن لا بسبب السياسيين فحسب بل بسبب الناس الذين سيعودون الى ارتكاب الخطأ نفسه وانتخاب الأحزاب ذاتها».

في القرى الصغيرة الأمر أسهل منه في المدن، هنا لكل حزب تقليدي مركزه والشباب يجتمعون في «القسم» أو « المركز» الذي يستقطبهم منذ الصغر كما يجتمعون في النادي او الملعب وفي فترة الانتخابات تتحول الأقسام الى خلايا نحل تسعى لاستقطاب المترددين من الشباب. «في الضيعة يقول رولان وهو شاب من إحدى بلدات الكورة نحن كتائب، قوات، عونيون، قوميون ومردة، القرية صغيرة والعائلات معروفة ولا مجال معها للخلل، ولكن يبقى هناك بعض الشباب الذين يودون الخروج من عباءة أهلهم وإثبات استقلاليتهم، هؤلاء يسعى الرفيق الأقرب للتأثير عليهم خاصة إذا كان ناشطاً حزبياً. فأنا أسعى مثلاً لحث رفيقتي وشقيقتها على الانتخاب للائحة تيار المردة لأنها تمثل الشمال أكثر من سواها»

كلارا صبية من منطقة المريجة التي باتت اليوم جزءاً من الضاحية الجنوبية، لا تعرف قرية أهلها ولم يتبق لها فيها أي رابط. لكنها يوم الانتخابات مضطرة للذهاب الى الضاحية لتنتخب وهذا ما يسبب لها قلقاً وتوتراً . تقول «لو أقرّ الميغاسنتر لكان الأمر أسهل بكثير وقد أصرف النظر عن الانتخاب لأنني «عتلانة هم» النزلة الى الضاحية...». أما صديقتها التي تنتخب في حارة حريك فستنزل مع أهلها وستشارك في انتخاب لائحة «الجنرال» نكاية بالجميع...



هل تُترجم الشعارات؟



شباب الاغتراب حماسة ووعي

في باريس جوليا الناشطة السياسية التي عملت مع «بيروت مدينتي» ومن ثم مع لائحة «كلنا وطني» رغم صغر سنها تسجلت للاقتراع ومتحمسة للوائح التغيير ولا سيما لائحة لوطني التي تضم في غالبيتها نساء وناشطين اجتماعيين و بيئيين. «لست فقط متحمسة لهذه اللائحة بل إنني أقوم بحملة انتخابية ناشطة هنا في باريس لدفع اللبنانيين الذين ينتخبون في بيروت الأولى لاختيارها وإلا فالعودة الى كل الذين أمضينا سنتين نهتف ضدهم وتلقينا الغازات المسيلة للدموع والحجارة بسببهم ومن ثم عند الاستحقاق عدنا كالغنم لننتخبهم ذاتهم».

الحال مختلفة مع رفيقة لها تدرس في منطقة ليل الفرنسية، فهي رغم كونها تسجلت أونلاين للاقتراع إلا أنها تتردد في الذهاب الى مركز الاقتراع المخصص للبنانيين cave des celestines لأنه بعيد عن مكان سكنها. والمشكلة ذاتها يعاني منها الكثير من الطلاب في ألمانيا كما يقول ريان الذي يجد أصدقاؤه صعوبة وكلفة في الوصول الى مراكز الاقتراع رغم حماستهم للانتخاب لا سيما وأنه قد تم تغييرعناوين بعضها مؤخراً وتوزيعها بحسب الدوائر الانتخابية اللبنانية، فصديقه الذي يشاركه السكن وهو من عالية سينتخب في مركز مختلف عنه هو الذي ينتخب في دائرة بعبدا.

يوسف الذي ينتخب للمرة الأولى رغم تخطيه الخامسة والعشرين، نفوسه في منطقة إقليم الخروب لكنه تسجل كمغترب في ألمانيا، ليس ناخباً أعمى بل متابعاً جيداً للحركة السياسية في لبنان بتفاصيلها، يجزم أنه سينتخب التغييرين عن قناعة ويعطي تفاصيل عنهم وعن إنجازاتهم ويقول «من المخجل لنا كشباب واع مثقف انتخاب المنظومة القديمة ذاتها في حين أن الأسماء المطروحة بعضها ممتاز». شقيقه فؤاد الأصغر سناً أقل اطلاعاً لكنه متحمس للنفس التغييري، يطرح الأسئلة ويستفهم عن التغييريين حتى يعرف في اي اتجاه يصوت. ولا يذهب أي من الشابين وفق اتجاهات الأهل. الشقيقان من تلك الفئة المستنيرة من الشباب التي تدرك أن صوتها الحر الواعي له قيمته ولا بد أن يحدث تأثيراً ولو ضئيلاً و»ما يبدأ اليوم سوف ينمو ويستمر ويقلب المعادلات إذا آمن الشباب بقدرتهم على التغيير وانخرطوا في العمل السياسي والاجتماعي كما يقول يوسف. لا يمكننا ان نبكي وننوح ونحن نتفرج من بعيد او نعيد الأخطاء ذاتها حبّاً بزعماء طوائفنا الفاسدين». أما ريم ( 22 عاما) المقيمة في برلين فقد تسجلت للمشاركة في الإنتخابات لكنها غير متحمّسة بشكل كاف، ولم تحدد لمن ستصوّت في «بيروت الأولى». فمعرفة المرشحين واتجاهاتهم وبرامجهم تحتاج إلى جهد بحثي كما تقول. وقد تحسم أمرها في الأيام المقبلة بعد التعرّف على اتجاهات اللوائح والمرشّحين.

إحباط ولامبالاة

فابيان الشابة البيروتية المسجلة في المصيطبة في دائرة بيروت الثانية ولدت ونشأت خارج المنطقة ولا يربطها شيء بها كما أن السياسة لا تعني لها شيئاً مطلقاً، تنتقد خيار والدتها التي لا تزال متمسكة بالتيار العوني لكنها لا تعرف شيئاً عن سواه ليست مهتمة بالانتخابات وتفضل قضاء نهار الأحد في اي مكان آخر.

مروان الذي يعمل في دبي منذ بضعة أشهر ولم يتسجل للانتخاب هناك يقولها صراحة «من يؤمّن لي بطاقة للنزول الى لبنان سأعطيه صوتي. صرخنا كثيراً في الثورة ونزلنا على الأرض وماذا ربحنا؟ وظيفة لم نجد في بلدنا، لو كنت متأكداً أن صوتي سيؤثر لاشتريت بطاقة سفر وانتخبت من أؤمن بهم لكن طالما أن الأمور لن تتغير فلأستفد أقله على الصعيد الشخصي...».

محزن هذا التفكير لكن خيبة الشباب تكاد تلمس باليد والحماسة الانتخابية عند الكثيرين لها طعم النكاية لا القناعة لا سيما عند الملتزمين بالأحزاب، فالشباب هم مرآة للمجتمع اللبناني عاشوا معه حالة الغثيان من وضعه لكنهم حين حزت المحزوزية عاد جزء كبير منهم الى جذوره الحزبية والمناطقية وحتى العشائرية.

العملية الانتخابية



شباب البرلمان

شباب البرلمان تجربة رائدة أطلقها مركز رشاد للحوكمة الثقافي، أديان لبنان وهو عبارة عن برلمان مؤلف من 64 نائباً مع رئيس وهيئة مجلس تم انتخابهم من قبل المقترعين المسجلين الذين بلغ عددهم 24000 مقترع ويعمل هذا البرلمان على تحديد أولوية الشباب من مختلف الخلفيات الدينية والثقافية والحزبية. ويقول السيد فادي بدران مدير هذا المشروع الذي انطلق منذ ثلاث سنوات أن الشباب يملكون وعياً سياسياً لكنهم أيضاً مرآة للمجتمع بكل تناقضاته ويعيشون مثله اليوم ضياعاً تاماً. لكن ضمن «شباب البرلمان» تم العمل على بلورة الوعي السياسي عند المشاركين بحيث استطاعوا تحديد لائحة اولويات عند الشباب أبرزها خفض سن الاقتراع، التصدي للتعصب، إلغاء السرية المصرفية وغيرها....وقد أعدوا مشاريع قوانين عدة تمت دراستها مع المختصين بحيث باتت جاهزة ويمكن لأي مرشح فعلي الى الانتخابات تبنيها .

«الشباب عندهم الوعي السياسي الكافي» يقول بدران «لكنهم يحتاجون الى محفّز للمشاركة في الانتخابات اي أن نفسر لهم ما هو الهدف والنتيجة من الانتخابات وخطر إهمال الواجب الانتخابي، هم بحاجة الى منظور واضح يمكنهم من فهم أهمية الانتخابات وما يمكن أن ينتج عنها. ونحن من خلال مشروعنا نسعى لجعل الشباب يلتقون بالمرشحين لتعريفهم بهم وتسهيل التواصل في ما بينهم. لكن لا بد من الاعتراف بوجود عراقيل في وجه حماسة الشباب للمشاركة في الانتخابات أبرزها الوضع الاقتصادي فالتنقل على سبيل المثال بات مكلفاً جداً وهذا ما يكبح الشباب من المشاركة بنشاطات سياسية او انتخابية ويمنعهم من أن يكونوا ناشطين على الأرض».


MISS 3