ريتا ابراهيم فريد

"للموت"... عودة الى الذات نحو معايير مختلفة للخير والشرّ

3 أيار 2022

12 : 37

يستدرجنا "للموت" كي نعود قليلاً الى ذواتنا، كي نطيل النظر في دواخلنا، كي نتعمّق أكثر بالبحث عن شخصيّاته في تفاصيلنا الصغيرة. عمل ضخم بات نقطة فاصلة في تاريخ الدراما اللبنانية والعربية.

نصّ الكاتبة نادين جابر ممتعٌ حدّ النشوة، وعميق حدّ الغرق، ومشوّق حدّ الخوف.

حقيقية هي نادين، في كلّ حرفٍ كتبته. اقتحمت بواقعيّتها أعماقنا. عرّتنا من قشور الزيف ومظاهر التلطّي خلف الأقنعة. نادين جابر التي صعدت بالدراما نحو نقطة مرتفعة، وغرست بصماتها في أعلى قمّة، سلّطت الضوء على الحقيقة كما هي، بكلّ وجعها وقسوتها، وأعادت خلط الأوراق حول مفاهيم الأحكام المسبقة.

الى جانب كل النجاح الذي لاقاه العمل. الى جانب احترافية المخرج فيليب أسمر الذي بات اسمه مرادفاً للإبداع. الى جانب كل الإشادات بالنجوم، وكل التهاني، وكل الضجة التي أحدثها، لا بدّ على التطرّق الى أداء خارق حفر عميقاً في نفوسنا، لثنائية خارقة.

ماغي ودانييلا، أو سحر وريم.

ماغي بو غصن، التي باتت اليوم حالة خاصة. حالة لا تشبه إلا نفسها.

ماغي التي تخطّت حدود الموهبة، ذهبت بعيداً في تقمّص الشخصية. مقنعة في أدائها حدّ الإبداع. هي كالحقيقة المطلقة، لا تحتاج الى برهان.

نجحت ماغي بالتحكّم بانفعالات المشاهدين، ووضعتها تحت سيطرتها.

فهي تحبس أنفاسهم بلحظة. وتريحهم بلحظة. تضحكهم. تبكيهم. تصدمهم.

تقلّب انفاعالاتهم مثل "الشاورما" التي علّقت عليها "عمر". ثمّ تحرّرهم حسب توقيت تحدّده بنفسها.

تتنقّل بسلاسة داخل شخصية سحر، في كل تقلّباتها وتناقضاتها.

معذورة هي مهما أخطأت. ففيها طيبة تغفر لها كلّ زلّاتها.

حنونة هي مهما قست. فحتى في قسوتها، عادلة.

كثيرون تمنّوا أن يحظوا بصديقة مثل سحر.




سحر الجبّارة التي تمتلك في داخلها قدرة هائلة على الحب. هي مثل الأمّ التي تغضب وتقسو على أطفالها. لكنها تلين بلحظة وتسارع لحمايتهم ما إن تستشعر أنهم بخطر.

نعود الى الواقع. سحر غير موجودة. إنها ماغي بو غصن.

ماغي الطيبة الحنونة التي لا يمكن لأحد ألا يحبها. ماغي المتواضعة العفوية الحساسة، لا يمكن لأحد أن يكون حنوناً مثلها.

تفاجئنا ماغي في كل لحظة، وتؤكّد على أنّها عصيّة عن الهزيمة، حتى تكاد تتعب من تسجيل انتصارتها.

دانييلا، بدورها، حلّقت بسرعة قياسية نحو النجوم. وفرضت حضورها في الصفّ الأول، حيث التميّز الحقيقي، وذروة الإبداع.

دانييلا تتحدّث بعينيها. ولا تحتاج للقيام بأيّ جهد يبرهن على صدق انفعالاتها.

قلّة من يتقنون فنّ العيون. فكيف بعينين خضراوين ساحرتين كعينيّ دانييلا رحمة.

هي ريم أو وجدان، الطفلة الضعيفة الخائفة التي ترتمي بين أحضان سحر عند أي مشكلة، وتستمدّ قوّتها منها. وهي في الوقت نفسه الأمّ الناضجة التي تسارع لحماية ابنتها لميس، حتى لو كلّفها الأمر خسارة حبّ حياتها.

هي التي تخطىء مرات ومرات، ثم ترتمي راكعةً تحت قدمي سحر، وتقبّل يديها كي تسامحها.

هي دانييلا رحمة، التي أتقنت تجسيد ئنائية القوة والضعف باحترافية بالغة، وببصمة خاصة لا تشبه فيها إلا نفسها.

قبل مسلسل "للموت" لن يكون كما بعده.

ماغي ودانييلا، ثنائي دفعنا الى مراجعةٍ جديةٍ لقناعاتنا، ونقدٍ حقيقي لتصرّفاتنا.

ثنائي أطلق مفهوماً مختلفاً لمعايير الخير والشرّ.

لم ولن تمرّ شخصيّتا "ريم" و"سحر" مرور الكرام. شخصيّتان طبعتا عميقاً في نفوس كل من شاهد مسلسل "للموت". فهما تشبهان كلّ شخص منا في ناحية من شخصيته، بهزيمتها وانتصاراتها، بضعفها وجبروتها.

ثنائي شكّل حالة مفصلية في تاريخ الدراما اللبنانية، بات من الصعب نسيانه.

ثنائي سيبقى في ذاكرة الدراما... للموت.