مجيد مطر

في أثمان المقاطعة

5 أيار 2022

02 : 00

كثيرةٌ هي مشاكل الرئيس سعد الحريري، إنما مأساته الكبرى، تكمن في فريقِ مستشاريه، الذين اثبتوا صعوبة في اجتراح الأفكار السياسية التي تليق بحجم، وحضور تيار المستقبل في السياسة اللبنانية.

وما صدور الردود المتسرعة من بعض قياديي التيار، على كلام مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، الذي حذّر فيه من خطورة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات، معتبرا أنه وصفة سحرية لوصول الفاسدين والسيئين، وأن المشاركة في الانتخابات تشكل فرصة للتغيير نحو الأفضل، الا دليل على فقدان البوصلة السياسية والسير قدماً نحو شاخصة الأخطاء المتكررة، التي أصبحت لافتة ومحيرة، وكأنهم والاخطاء صنوان لا يفترقان.

فقد خلط احد قيادي تيار المستقبل، في معرض رده غير المباشر على كلام سماحة المفتي، بين وظيفة السلطتين التشريعية والتنفيذية، بقوله إن المشاركة في الانتخابات، تعني إعطاء الشرعية لـ»حزب الله»، هذا كلام لا يتوافق مع واقع ودور المؤسسات الدستورية، وفيه قلب لمنطق الاشياء. أما الحقيقة، فتقول إن المشاركة في السلطة التشريعية لا تعطي شرعية لأحد، بل كل واحد يأخذ شرعيته وحجمه عبر نتائج التصويت. فوظيفة الانتخابات الاصلية، تظهر باعتبارها وسيلة للفرز السياسي، وتحديد الاحجام التمثيلية، وإبراز البرامج الانتخابية، فمن اين جاء ذلك القيادي بمقولة أن المشاركة في الانتخابات تعني إعطاء شرعية لهذا الطرف وحجبها عن ذاك؟

وبمناسبة الحديث عن إعطاء الشرعية، فقد شكّل سعي سعد الحريري، رغم كل النصائح التي وجهت اليه، بعدم قبول التكليف بتشكيل الحكومة في ظل أكثرية لا يملكها، ورئيس جمهورية اصبح مجرباً بالنسبة اليه، النموذج الحي عن إعطاء الشرعية غير المبررة، لأكثرية معادية له، والتي شكلت غطاءً سياسياً جرّده من دوره، ووضعَه في موقع الخصم لكل حلفائه الطبيعيين في الداخل والخارج. وقد جاء تفشيله بتشكيل الحكومة، القشة التي قصمت ظهر البعير. وعليه إن العبرة في إعطاء الشرعية تكمن بالمشاركة في الحكومة، وليس في مجلس النواب. هنا يمكن القول بسهولة، إن إعطاء الشرعية او الغطاء السياسي مسألة اعقد من المشاركة في الانتخابات او مقاطعتها.

السؤال الموجه الى الرئيس سعد الحريري، هل يستطيع أن يقدم لنا تصوراً علمياً عن كلفة المقاطعة طائفياً ووطنياً، خصوصاً وأن هذه التجربة قد اختبرت في العام 1992، وهي لا تزال ماثلة للعيان بأكلافها الثقيلة؟ وهل يستطيع بعزوفه فرض وقائع ومعطيات جديدة على الأرض؟ وأي رسم للتوازنات هو قادر على أن يحققه؟ وأين دوره في الحفاظ على اتفاق الطائف وتطبيقه؟

تقضي الصراحة بالقول: إن الرئيس سعد الحريري، قد بلغ حالة من الانسداد السياسي، دفعه للعزوف عن المشاركة في الحياة العامة، وبدلاً من أن يقوم بعملية نقد جرئ وواقعي لتجربته السياسية في السلطة، وفي مجمل ما قام به طيلة فترة ظهوره على مسرح الاحداث، بعد استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري الى اليوم، اخذ ينتهج سلوكا خاطئاً وسلبياً من كل من يحاول أن يشارك في الانتخابات، إحساساً منهم بخطورة المقاطعة، وبغية القدرة على تحسين الوضع التفاوضي مستقبلاً، أولاً على مستوى طائفته، وثانياً على المستوى الوطني، وذلك بمعزل عن لعبة الأكثرية والأقلية.

وكان عليه أن ينطلق في نقد تجربته من حقيقة انه وتياره بالتبعية، يدفعان ثمن الفشل المبكر للتسوية الرئاسية التي قدّم لها الكثير من دون ضمانات جدية، فقد نصحه الكثيرون بأن يكتفي بانتخاب الرئيس ميشال عون اذا التزم بذلك، انما لا يعطي تنازلاً في مسألة قانون الانتخاب الحالي، الذي شكّل نكسةً مستمرةً الى وقتنا الراهن، وهو أولى ضحاياها.

فسعد الحريري فشل في كسب أرضيةٍ متماسكةٍ، على مستوى طائفته بعد تقديمه كل تلك التنازلات شبه المجانية، وهناك فرق بين الليونة في التعاطي السياسي، وبين الرعونة في انتهاج أي سياسة ومن دون افق، وهو وحده يتحمل نتائج تحالفاته المستجدة بعد انخراطه في تلك التسوية التي نلمس نتائجها السلبية على المستويات كافة، والتي اربكت القوى الحليفة له، فتفرّق شملهم، واصبحوا اثراً بعد عين.

القراءة المتفائلة الوحيدة للمقاطعة الخاصة بسعد الحريري، هي أن ينكب تياره على إعادة تنظيم صفوفه، على قاعدة عدم التخلي عن واجباته الوطنية، وإن كان الزمن، زمن انسداد التسويات، إنما هذا لا يستدعي الاستنكاف عن العمل السياسي، والسير نحو الدعوة الخاطئة لعدم المشاركة في الانتخابات.

إن تجربة الشهيد رفيق الحريري تشكّلُ مخزوناً وطنياً، ومثالاً في الحس الوطني العالي. فعندما شعر بأن سلطة ذلك الزمن تحاول وضع قانون انتخابي لمحاصرته، قال كلمة واحدة: «أياً يكن قانون الانتخاب، سأترشح في الدائرة الأصعب وسأفوز».

المقاطعة الانتخابية، اكلافها السياسية كثيرة، وهي اكثر من أن تحصى، إنما اكلافها الوجدانية، تظهر من خلال مناقضة الجملة التاريخية لرفيق الحريري : «ما في حدا اكبر من بلده». والمقاطعة بهذا المعنى تقول، إن هناك من يحاول أن يظهر أنه اكبر من بلده!!. ولات حين تردد.

MISS 3