إيفون أنور صعيبي

الشارع خارج السيطرة والمعالجات "غيمة" و... "ما بتمرق"

25 تشرين الأول 2019

00 : 50

خرج الشارع عن السيطرة، وخرج معه الوضع الاقتصادي الذي يبدو أنه متّجه نحو انهيار لا تُحمد عواقبه الوخيمة.

صحيح أن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري كان قد أشار مطلع الأسبوع الجاري إلى استعداده للإسراع في بعض تدابير التقشّف بغية خفض العجز، وصحيح أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعَدنا بالإصلاحات وبمحاسبة الفاسدين، إلّا أنّ هذه الإجراءات بحسب المراقبين غير كافية ولا تمثّل خطة توحيد مالي واقعية ومستدامة. كذلك فإن الخطة الاقتصادية هذه والتي اتفقت الحكومة على تنفيذها، تفتقر إلى التفاصيل الكافية لتخطّي نتائج هذه الفترة وهي الى ذلك لا تشمل الإصلاحات الهيكلية اللازمة لإعادة تصويب بوصلة البلاد المالية والنقدية إلى المسار الصحيح.

بموازاة ذلك، فشلت السلطة في تقديم خطة شاملة ومفصّلة لقطاع الكهرباء الذي احتلّ الأولوية، لناحية إدراج مشــاريع الكهرباء ضمن جدول زمني للتنفيذ وقبل البتّ بتعيين أعضاء الهيئة الناظمة للقطاع. واكتفت الحكومة بالبتّ بموضوع الهيئة لما بعد تعديل القانون 462 في مجلس الوزراء، ومن ثمّ في المجلس النيابي، وذلك يعني ان الحكومة مجتمعة قد جرّدت الهيئة من صلاحياتها القانونية قبل ولادتها.

يتجاوز الاقتصاد اللبناني الحلول السهلة، وسوف يتطلّب الخروج من الأزمة ألماً وتضحيات وتنازلات يبدو أن السلطة المتعجرفة غير راضية بتقديمها، حتى الآن. لكن وعلى رغم قساوة الواقع، فإن البديل قد لا يقلّ صعوبة، وستكون هناك حاجة إلى تفويض سياسي جديد وواضح يقوم على التوافق السياسي والقيادة الاقتصادية للخبراء. في هذا الاطار، يُتوقع من جميع أصحاب المصلحة تحمّل نصيبهم من العبء للوصول الى الاستقرار الاقتصادي المرجوّ.

يشعر المتابعون للاوضاع بالقلق من الفشل في معالجة المشكلات الحالية بشكل فوري وشامل. تحقّق هذا السيناريو يؤدي الى ارتفاع معدلات البطالة وازدياد نسب التضخم، إضافة الى المزيد من الاضطرابات الاجتماعية والنزاعات الأهلية وتدهور حاد في خدمات الصحة العامة وغيرها من الموارد الأساسية... علاوة على ذلك، ستستمر الطبقة الحاكمة بالتعويل على اموال مصرف لبنان وودائع البنوك التجارية لتمويل الإنفاق الحكومي وهذه المرة بطريقة غير مدروسة وبانعكاسات خطيرة، لا سيما وأنه من غير الواضح لنا ما إذا كان "التحويل" المالي لـ "المركزي" يمكن اعتباره إيرادات لمحاسبة الميزانية.

تشمل التحديات عبء الدين العام المتزايد، وتزايد العجز في الحسابَين المالي والجاري، مترافقاً مع تراجع ثقة الاستثمار، وزيادة الجمود السياسي الذي ينعكس على المالية اضافة الى النقص في ضخّ السيولة الخارجية.

على مدى العامين الماضيين، كثُرت التحذيرات الجديّة حيال خطورة الوضع المالي الذي لم يعد يُحتمل، وقُدّمت توصيات محددة لصانعي السياسات لمعالجة التدهور الاقتصادي والسياسي. لكن وعلى رغم أن خطورة الوضع كانت واضحة لمعظم قادة السياسة، كانت الاستجابة غير كافية لمنع البلاد من الانزلاق إلى أزمة شاملة.يتطلّب البلد مجموعة أوسع من الخطوات العاجلة الآنيّة الطامعة بامتصاص غضب الشارع الذي قال كلمته، "لبنان ليس مفلساً، بل إنه منهوب" وذلك إن أراد حكامه استعادة الثقة... بعيداً من أي "ترقيع".


MISS 3