كارين عبد النور

"المجتمع المدني" يواجه بصفوف غير متراصّة... والسلطة تضحك في سرّها

"كلّنا إرادة" و"نحو الوطن": طموحات وإخفاقات

6 أيار 2022

02 : 01

هدف واحد، جمع "«كلّنا إرادة"» و"»نحو الوطن"» لتحضير وتظهير بدائل عن الطبقة السياسية الحالية
ثورة 17 تشرين، التي طال انتظارها، لم تكن حاسمة في أدائها وخياراتها ونتائجها. أقلّه حتى الآن. لكنها تجرّأت على الانتفاضة على نظام مهترئ وضعضعة تماسك المنظومة نسبياً. فتحرير الدولة من براثن الفساد والتبعية في إطار مشروع تغييري ليس تفصيلاً مملاً. كثيرون اعتقدوا، ولا يزالون، أن التغيير إنما ينطلق عملياً من صناديق الاقتراع. وعليه، أبصرت منصاتٌ النور وفعّلت منظّمات نشاطها واضعة نصب أعينها تحقيق ذلك الهدف. فهل كان، أو سيكون لها، ما أرادت؟





هدف واحد، أقلّه ظاهرياً، جمع «كلّنا إرادة» و»نحو الوطن» ، ألا وهو التعاون مع القوى التغييرية لتحضير وتظهير بدائل عن الطبقة السياسية الحالية. واعتبار الاستحقاق الانتخابي فرصة جدّية للتغيير كان نقطة الانطلاق. ما هي أهداف كلّ منهما وكيف سارت التحضيرات للانتخابات؟ ما هي مصادر التمويل وما العراقيل التي واجهت سير الأعمال؟ هل صحيح أنهما ساهمتا – بحسب البعض وبطريقة غير مباشرة - في «تفلّت» سوق الترشيحات ما أدّى إلى تقدّم عدد ضخم من المرشحين وعرقلة مساعي توحيد لوائح القوى التغييرية؟ ثم ماذا عن اتهامهما بالسعي للتفرّد في تركيب اللوائح من دون أخذ الحيثيات المناطقية بالاعتبار وما أسباب التباعد بينهما؟ وأين ذهبت المساهمات والتبرّعات لا سيما بعد التراجع عن دعم بعض المرشحين؟ غيض من فيض الأسئلة التي يتداولها الرأي العام. فكيف كانت الإجابات؟



ديانا منعم



مستمرون بعد الانتخابات

بداية مع «كلّنا إرادة» التي كان لـ»نداء الوطن» حديث مع مديرتها التنفيذية، ديانا منعم. إذ هي شدّدت في المستهل على أن «كلّنا إرادة» منظمة، وليست منصة، تأسست عام 2016 للعمل على قضايا متنوعة من ضمنها سيادة القانون والحوكمة الرشيدة، استقلالية القضاء، الاقتصاد والمالية العامة كما قطاعي الطاقة والنفط. وأضافت منعم أن الفكرة انطلقت مع عدد من اللبنانيين المقيمين والمغتربين قرروا تأسيس مجموعة ضغط تهدف إلى بناء دولة مدنية وبلد سيّد وعادل. إذاً، عمل المنظمة ليس محصوراً بالانتخابات النيابية وحسب، فـ»نحن لم نُخلق قبيل الانتخابات ولن نموت بعدها»، كما تقول. أما في ما يختص بالاستحقاق الانتخابي، فتعمل «كلّنا إرادة» بالتعاون مع مجموعات شريكة لها، بعيداً عن أي ضغوط سياسية، لتحقيق القناعات التي تؤمن بها والتي تشاركها بها بعض أطياف المجتمع المدني والقوى التغييرية بعد ثورة تشرين، وأبرزها: الاعتراف الواضح بمشكلة نقص السيادة، وبأن النظام الاقتصادي الحالي قد انهار كلياً. من هنا، بحسب منعم، ثمة ضرورة لتأسيس اقتصاد أكثر عدالة واستعادة مدنية الدولة، بحيث يكون دستور ما بعد الطائف هو المدخل لذلك.

نسأل عن اتهام المنظمة بالتدخّل في تشكيل اللوائح، فتجيب: «تشكيل اللوائح ليس من ضمن مهامنا رغم توجيه منصات أخرى اتهامات لنا حول رغبتنا في ترشيح أشخاص معيّنين، تشكيل لوائح وتعيين مندوبين. هذا العمل يقع في صميم مهام الأحزاب السياسية ونحن، بدورنا، ندرك جيداً كيفية التمييز بين النشاط الحزبي وعمل المنظمة». وتابعت مذكّرة بالبيان الذي نشرته المنظمة مؤخراً أوضحت فيه اقتصار الشراكة مع الأحزاب والمجموعات المعارضة للنظام الحالي على عناصر ثلاثة: تأمين التواصل بين الناخبين في لبنان وبلدان الاغتراب؛ الدعم الإعلامي والإعلاني تسهيلاً لإيصال الأصوات المعارضة؛ القيام ببعض الأعمال اللوجستية من أجل تأمين الظروف المؤاتية لتوفير الدعم ورفع مستوى الجهوزية.

ماذا عن مصادر التمويل؟ تشير منعم هنا إلى أن التبرعات، منذ العام 2016، محصورة باللبنانيين المقيمين والمغتربين فقط، وأن أي تمويل من أي شخصية معنوية أو أفراد غير لبنانيين هو أمر مرفوض. ولفتت في سياق الحديث إلى تراجع نسبة المساهمات في الآونة الأخيرة كنتيجة مباشرة لعدم توحّد قوى المعارضة، ما قلّل من منسوب الحماسة لدى المساهمين: «لو كانت المشهدية أقوى لكان هناك قدرة أعلى على إقناع هؤلاء بالاستمرار في مساهماتهم. لكن رغم ذلك، كانت «كلّنا إرادة» وستبقى متمسكة ومستمرة بالتزاماتها المرتبطة بالمعركة الانتخابية».

منعم تعوّل على خروقات ما يمكن أن تحصل من شأنها فتح باب المجلس النيابي أمام كتل جديدة لا طائفية تقول لزعماء الطوائف: «نحن موجودون ولدينا أشياء حقيقية نقولها ونقدّمها للشعب». وختمت قائلة: «دورنا لن ينتهي مع مرور الاستحقاق الانتخابي. فعدم إكمال المسيرة ليس خياراً، لأن المعارك الأساسية ستخوضها المعارضة بعد الانتخابات وأهمها المعركة الاقتصادية، معركة تحقيق العدالة في جريمتي مرفأي بيروت وطرابلس كذلك معركة الاستمرار بالمطالبة بالدولة المدنية».



رندلى بيضون



دعم لوائح

ننتقل إلى «نحو الوطن»، ومن أهدافها المعلنة التغيير السياسي والتجدد الاجتماعي والاقتصادي، كما تمكين وصول قادة سياسيين مستقلين، جدد وتغييريين، لإدارة البلاد. عند تأسيسها في العام 2020، ضمّت المنصة عدداً من الشخصيات الناشطة أصلاً في الحقلين السياسي والقانوني، منهم: المحامية الدولية رندلى بيضون، رجل الأعمال علي عبداللطيف، وغيرهما من اللبنانيين الناجحين في الاغتراب مثل بول روفايل ووليد شماع ومي نصرالله.

المنصة تعاونت في البدايات مع «كلّنا إرادة» في مسعى لتوحيد الجهود. وقد نتج عن ذلك اقتراح لاتفاقية دمج في تشرين الأول من العام 2021، ممثلاً للكيانين بالتساوي. لكن عملية الدمج تلك لم تكتمل بسبب خلاف جذري بين الطرفين.

للوقوف عند أسباب الشقاق وتداعياته، تواصلت «نداء الوطن» مع بيضون التي قالت: «الخلاف مع «كلّنا إرادة» تمحور حول أحقّية اعتبار الأحزاب التقليدية المعارضة ضمن القوى التغييرية من عدمه. بالنسبة لنا، لا مكان للتقليديين ضمن صفوف التغييريين، إذ هم في نهاية المطاف أحزاب لهم تاريخ طويل ولديهم مناصروهم وماكيناتهم وتمويلهم، فلِمَ مساعدتهم بالأساس؟». هل المقصود تحديداً حزب الكتائب اللبنانية، نسأل؟ تردّ بيضون: «نقصد كل الأحزاب التقليدية وبعضها يريد أن ينتشلنا من حالة التبعية الإيرانية ليخضعنا للتبعية الأميركية، وهذا أمر نرفضه فنحن نريد سيادة مطلقة. علينا أن نضع حدّاً لهذه الدوامة وأن نعطي إمكانية بناء دولة مدنية، مستقلّة وسيادية فرصة حقيقية».

تقليدي أوتغييري؟ هذا هو ظاهر الخلاف. فتماشياً مع قناعاتها وأهدافها، رفضت «نحو الوطن» السير في الاندماج مع «كلّنا إرادة» ما أدّى إلى انتقال عدد من أعضاء اللجنة التوجيهية من الأولى إلى الثانية، أي إلى حيث بدا أن التزامهم كان أقرب. لكن رغم ذلك، استمرت «نحو الوطن» ولا تزال، بحسب بيضون، سعياً لإيصال طبقة جديدة تغييرية نظيفة إلى الحكم.

ماذا عن دينامية العمل على أرض الواقع؟ تخبرنا بيضون: «لا نعمل على دعم شخص ما على حساب شخص آخر، لا سيما وأن القانون الانتخابي الحالي يعلي شأن الصوت التفضيلي ويؤدي إلى المنافسة بين أعضاء اللائحة الواحدة. لذا، نصب تركيزنا على دعم اللوائح لا الأشخاص». أما عن النفقات الأساسية، فهي تتلخص في تأمين مصاريف التنقلات والمندوبين وتسديد تكاليف الدورات التدريبية للمندوبين وغيرهم ودعم لوائح قوى التغيير الأساسية في الدوائر كافة. لناحية المبلغ المخصص لنشر الإعلانات على الطرقات، فقد حُوّل ما تم تحصيله بالكامل إلى الماكينات الانتخابية.

هل ساهمت سياسة تسهيل التمويل التي مارستها المنصات في ارتفاع عدد المرشحين وتشتّت اللوائح؟: «إنه اتهام لا أساس له من الصحة، لأننا، كما ذكرت، نقوم بدعم اللوائح التغييرية الأساسية فقط الناتجة عن ائتلافات مناطقية في كل دائرة، وليس كل من تساوره رغبة في أن «يفتح على حسابو». نحن كنا أول من طالب بتوحيد اللوائح»، توضح بيضون.

نسألها أخيراً عن مصير «نحو الوطن» وما إذا كان سينتهي دورها مع انتهاء الاستحقاق الانتخابي. تسارع في الإجابة: «نتكلم عن هذا الموضوع بعد الانتخابات».



أسئلة تحتاج إلى إجابات

جيّد. لكن عدداً لا بأس به من المتابعين يتحدّث بريبة عن غموض وشكوك تحوم حول عمل بعض من يدّعي رفع راية الثورة والتغيير. الطفرة على صعيد ترشّح الشخصيات القيادية يعزوها هؤلاء إلى التسهيلات التي قدّمتها المنصات بعد أن تعهّدت بمساعدة من يتحصّلون على المواصفات للترشح ويفتقرون إلى القدرة المادية لتحقيق ذلك. ثمة من يذهب أبعد من ذلك ليقول إن بعض تلك الجهات هي قريبة من السلطة، بأسوأ الأحوال، أو تخدم مآربها في تفتيت نبض التغيير بصورة غير مباشرة في أحسنها. ويعطون أدلة على ذلك: فبعد رفع المنصات شعار توحيد اللوائح في الدوائر، وهو ما كان مستحيلاً تحقّقه مع تضخّم عدد المرشحين، أعلنت عدم قدرتها على مواصلة الدعم. النتيجة: تخبّط المرشحين ضمن اللائحة الواحدة، وانقسامهم بين مقتدرين وغير مقتدرين. هذا في وقت تتمتع لوائح السلطة بتمويل سخي بدورها، وقد اعتادت على ذلك. فماذا لو طالب المساهمون، مثلاً، بتفاصيل حول كيفية – ونجاعة - صرف المساهمات؟

على أي حال، نطرح السؤال على أحد أعضاء مركز 17 للدراسات والبحوث، وهو الآخر وليد ثورة 17 تشرين. فقد اعتبر أن المعركة لا يجب أن تدور رحاها يوم الانتخاب وحسب وإنما في السعي الدؤوب لتعديل القانون الانتخابي المسكون سلطوياً. وتساءل عن كيفية إنشاء منصات لتوحيد اللوائح في وقت أن الرؤية والأهداف ليست موحدة بين المعنيين أصلاً. وأضاف مستغرباً كيف أن أنظار المجتمع الثوري التي كانت متّجهة بداية نحو تغيير النظام السياسي برمّته ما لبثت أن تقزّمت لتتحوّل إلى شأن انتخابي حصراً. والمآخذ تطول: من مصاريف تشغيلية ضخمة إلى انتقال البعض بخفة من ضفة إلى أخرى، بعضها ليس بعيداً بالمطلق عن الـ«إستبلشمنت» إياه وامتداداته... أجداداً وآباءً وأحفاداً.

فهل بات تثبيت الحيثيات والمشاركة بأي ثمن في الانتخابات غاية بحد ذاتها، كما يتخوّف كثيرون؟ وأين التغيير الجذري المنشود من كل ذلك في وجه سلطة لها باع طويلة في اللعب على التناقضات واستغلالها لمرامٍ لا تخفى على أحد؟ الانتخابات، إن حصلت، قد تجيب عن بعض تلك الأسئلة. فهل تكون تأدية المنصات، إن تداركت في ما تبقى من وقت الإرباكات والعثرات، على قدر الحد الأدنى من آمال التغيير؟ إن غداً لناظره لقريب.


MISS 3