نوال نصر

الجماعات الإسلامية في طرابلس وثورة "مارسيل خليفة"

قبضت الأجهزة على "ساحة النور" والصدام شبه حتميّ!

25 تشرين الأول 2019

23 : 56

ساحة النور تنتفض

شكلت "مشهدية" طرابلس الفيحاء في أيام الثورة الفتية علامة مضيئة، وأطلقوا على ساحة الفرح واللقاء والنور فيها لقب "عروس الساحات". أذهلت العينين وأشبعت السمع. وكلّ من شاهد الـ "دي جي" يُنسق موسيقاه ومستمعاً إلى أغانيه المختارة، والجمهور المتظاهر يموج كما البحر، تمتم: كم هي جميلة طرابلس. لكن، هل استمتع إسلاميو طرابلس بجمالِ هذه الثورة؟ وماذا عن ذاكرة طرابلس في هذه اللحظة مع بيت الحريري الأب والإبن؟

"الجماعة الإسلامية" تراقب. وهي تُمسك، عبر محاميها محمد صبلوح، بملف الموقوفين الإسلاميين في المدينة، الذي رُفع شعاراً بارزاً بين المتظاهرين. و"حزب التحرير" يحاول أن يعيد مسلكية المتظاهرين الى إطار "طاعة الله" بلا غناء وإذا أصروا فبغناء الثورة وحدها! وهيئة المسلمين التي تدعم التظاهرات تتابع حيثيات المشهد الجديد بعين المراقب. فهل دخلنا مرحلة جديدة؟ هل طرابلس اليوم عادت الى نفسها أم ما عادت تُشبه نفسها؟

الإسلاميون في طرابلس يجزمون أن المدينة "إسلامية" الهوا والهوى بنسبة تزيد عن 70 في المئة. وهم من يُمسكون الأرض اليوم ويُنظمون كل تفاصيل المشهد المستجدّ. طرابلس عادت اليوم، على ذمة مرجع في هيئة المسلمين، الى طرابلس أيام زمان، الجامعة، بعدما أظهرتها بعض الأجهزة على أنها مدينة أشباح داعشية متطرفة. وشارك السياسيون والزعماء في تعزيز الصورة البشعة للمدينة بين باب التبانة وجبل محسن. انتهى هذا الدور، وطرابلس استعادت صورتها الجميلة. وماذا بعد؟ المتظاهرون في المدينة من كلِ الأطياف والملل وهناك خيمة لحراك أهالي الموقوفين، والمتظاهرون يؤدون كلّ فروض الصلاة خلال وجودهم وهو الوجه الذي لم يظهر، كما علق أحد أعضاء هيئة المسلمين، في العلن.

"الجماعة الإسلامية" توافق على كلام هيئة المسلمين. والمحامي محمد صبلوح يتحدث عن طرابلس التي تُركت في فقرٍ مدقع لسنين كثيرة. والإرهاب كما تعلمون ينمو في البيئات الفقيرة. و"حزب الله" استفاد جداً من هذه النقطة واستجلب شباناً ليس لديهم ما يخسروه مقابل 500 دولار أميركي شهرياً ليحاربوا في سوريا. طرابلس التي كانت دائماً الأضعف لن تقبل بعد اليوم بذلك ولن تنصاع مجدداً الى كلام السيّد حسن (أمين عام "حزب الله") الذي قال في حينه: من يريد أن يُجنب لبنان الفتن؟ فلنقاتل في سوريا.

طرابلس لن تقبل أن تعود الى الوراء، لكن، هل مسلمو طرابلس مطمئنون الى غد الحراك؟ تجزم "الجماعة الإسلامية" أن الأجهزة بدأت منذ يومين التحكم بالمنصة التي تحوط ساحة النور، بعد أن هددوا الشباب، إذا استمروا، بفتح ملفات. وفي هذا الإطار يعلق المحامي صبلوح: إستلمت الأجهزة المنصة ووضعت ما تشاء من أغنيات ولم تسمح سوى لمن شاءت بالصعود إليها. ويستطرد: تابعوا تظاهرة ساحة النور وسترون اختلافاً جوهرياً في طبيعة الشعارات المرفوعة. وأزالت الأجهزة الصوتيات بحجة تصدع البناء حيث كانت مركزة.

صحيح أن طرابلس نادت "كلّن يعني كلّن" لكن، يستمر سعد الحريري في قلوب كثير من الطرابلسيين الذين يرون أنه أخطأ في مكان ما، لا بل في أكثر من مكان، على الأقل باستسهاله التعامل مع هموم وحاجيات جماعته وجمهوره ومحبيه ومن آمنوا بقدرته على أن يلعب دور الزعيم! وهناك، في طرابلس، يُكثرون اليوم من الوصف: سعد الحريري إبنُ أبيه لكنه ليس سرّه، لا يُشبه الابن أباه كثيراً، الرئيس الشهيد كان أكثر دهاء. أما مشاعر الشيخ سعد فأقوى. وهذه المشاعر جعلت السنّة وطرابلس ولبنان يمشون بين الألغام.

نعود الى ساحة النور. نعود الى مشهدية الساحة الراقية بحراكها لكن لا نلبث أن نصطدم بكلامِ المسؤول الإعلامي في "حزب التحرير" محمد إبراهيم وقوله: أعدنا ضبط الساحة بعد أن رأينا من يرقصون فيها ويغنون ومن يحملون الصبايا على الأكتاف من دون مراعاة أخلاقيات طرابلس. ويستطرد: "الحزب الشيوعي" هو الذي اغتنم لحظات الحراك الأولى ووضع أغنيات لا تشبه المدينة، واستعان بمارسيل خليفة. "بدّن يغنوا؟ فليذهبوا الى ملاه ليلية".

نفهم من كلّ هذا أن المشهد الطرابلسي تقلص وسيتقلص بعد. تدخلت الأجهزة ويتدخل المتطرفون الاسلاميون.

هل علينا أن نسأل مواطني طرابلس: مدينتكم الى أين أم لبنان الى أين؟ تحكي مصادر إسلامية طرابلسية عن الخوف العارم من ولادة شارع في مقابل شارع. فالمتظاهرون لن يتراجعوا و"حزب الله" لن يتراجع لأنه مدرك، بحسب مرجع إسلامي، أنه إذا قبل بسقوط الحكومة، سيُكمل المتظاهرون على العهد، وهذا العهد هو عهده. لذا ستذهب الأمور في شكل شبه حتمي، خصوصاً بعد كلام السيد نصرالله مساء أمس، الى الصدام.

هل دخلت طرابلس، كما لبنان، في صميم المجهول؟ يُحكى هناك عن أن الأمر هو للجيش وحده. الجيش هو من سيحسم في النهاية كلّ الموضوع.


MISS 3