بشارة شربل

"الثورة" و"الثورة الرجعية"

28 تشرين الأول 2019

23 : 17

لم يعُد في جعبة "الثورة المضادة" الرجعية إلا سلاحان: التخوين والعنف، وكلاهما يعبِّر عن فقدان الحجة والبوصلة والصواب.

فالثورة الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين الأول هي، باعتراف القريب والبعيد وكل صاحب رأي سديد، ثورة إصلاحية إستثنائية في تاريخ شعب لبنان، ميزتها الأساسية أنها كسرت حاجز الخوف وقطعت مع الحرب الأهلية وعقليتها، التي استمرت من خلال سلطة سياسية آثرت تقاسم البلاد أسلاباً ومغانم، وشجعت على الانقسام واستخدمت المذهبية والطائفية والحزبية لتحقيق المصالح الفئوية الضيقة، وانتهت الى كارثة اقتصادية بفعل الهدر والفساد.

أي كلام عن تمويل مشبوه للحراك مثير للإشمئزاز. وسيكون فاقعاً عدم ترك هذا الاحتمال الضئيل. لكن أغلبية المتظاهرين الساحقة تدفع من جيبها ثمن المنقوشة وأجرة السرفيس للانضمام الى الساحات، ولا تملك ثمن العَلَم الذي ترغب بالتلويح فيه.

هو "خطأ مقصود" يريد خصوم الثورة الرجعيون أن يرتكبوه بإصرار، لأنه يبيح كل الارتكابات ويبرر استخدام القوة في الشارع وترهيب الإعلام. وهو إذ يجد هوى لدى جمهورهم المؤدلج بامتياز، فمؤسف أن يعيد انتاج عصبيات تكاد تنهار على وقع روح الانتفاضة التقدمية العابرة للطوائف، والتي تريد مصلحة كل اللبنانيين الى أي شريحة اجتماعية أو طائفية انتموا، وترفع مطلباً وجدانياً يتعلق بإسقاط النظام ومطلباً واقعياً هو استقالة سعد الحريري وتشكيل حكومة مستقلة من الأكفاء.

انه "الخطأ المقصود" الذي يروّجون له عبر خطاب مرتبك، فيقرّون بأحقية المطالب ويشكّكون بالمطالبين، ويؤكدون الوقوف مع الناس فيما يمارسون التحريض عليهم بأرخص الأساليب.

ليس في ما يحصل مع ثورة تشرين ما لم يحصل مع ثورات كثيرة على مرّ التاريخ. كلها تعرضت للتخوين، ورُكِّبت لجميعها نظريات المؤامرة لإحباط الثوار وتيئيسهم وصولاً الى قمعهم وقتل احلامهم، لكنها انتصرت حتى ولو مرّت بانتكاسات.

"الثورة المضادة" في لبنان اليوم تقف حتماً ضد "حتمية التاريخ". فتلك الشبيبة الثائرة في الطرقات، بثقافة وفهم ووعي، وبكثافة حضور الفتيات الرائعات، هي شبيبة القرن الحادي والعشرين التي تعمل لمستقبل لبنان، ومستقبل الحياة في لبنان. أما المخوِّنون فرجعيّون وظالمون "في غِيِّهم يَعْمَهون".


MISS 3