نوال نصر

"حراك شعب" في المفهومَين القانوني والدستوري

لا لإسقاط النظام... نعم لإسقاط الحكّام

29 تشرين الأول 2019

02 : 00

يجد من يمرّ في ساحة رياض الصلح، ويتمهّل بالقرب من تمثال رجل الإستقلال الشاهد على تفاصيل حراك، خيمة تضم أربعة أو خمسة طلاب قانون، يحملون في أيديهم كتباً دستورية ويُفسّرون موادها لكل من يسأل من المتظاهرين. والسؤال الأكثر طرحاً: ماذا يعني إسقاط النظام؟

حملنا هنا السؤال الى رجليّ القانون والدستور القاضي غالب غانم والدكتور أنطوان مسرّة وأضفنا إليه السؤال التالي: ماذا تعني ثورة شعب طالت (13 يوماً) في المفهومين القانوني والدستوري؟

القاضي غالب غانم دقيق في اختيار مرادفاته يقول: أرى، كرجل قانون، صعوبة حصول فراغ في السلطات لكن ليس هذا معناه أن ما هو قائم على الصعيد الحكومي يظلّ قائماً. ويستطرد: يجب أن تُتخذ تجاه هذا الوضع الذي يترافق مع التظاهرات أقصى درجات الجديّة والمعالجة الدستورية. لكن، ما يفترض التنبه له هو أنه ليس بمجرد نزول الناس الى الشارع يسقط النظام. مقولة "نريد إسقاط النظام" لها بعد وجداني، في وجدان شعب، لكن يفترض بنا، في حال حدوث أي تغيير يقتضي معالجة ضرورية، العودة الى الكتاب الذي اسمه الدستور. هذا من الناحيتين الدستورية والشعبية أما في الإطار السياسي فلا دخل لنا به، والكلام للقاضي غانم، الذي يضيف: أرى أن الحلّ في السياسة لن يكون إلا بحصولِ شيء جوهريٍّ وجذريّ.

ننتقل الى العضو السابق في المجلس الدستوري اللبناني الدكتور أنطوان مسرة لسؤاله عن رؤيته لمسار هذا الحراك، في يومه الثالث عشر، دستوريا وقانونيا؟ يجيب: ما يلفتني هو تعاطي هذه الطبقة الحاكمة مع هذه الثورة العارمة باستخفاف. وهذه الحكومة، كما تعلمون، تستمدّ ثقتها من الشعب الذي هو مصدر السلطات. ويستطرد: فقد الشعب ثقته بهذه الطبقة الحاكمة لكن الخطورة الكبرى تكمن في أن تستخدم هذه السلطة الخداع مع الشعب معلنة أن الحكومة استقالت، وتبقي عليها حكومة تصريف أعمال، وهو، بحسب مسرّة، ما لا يريده سعد الحريري نفسه.

عبارة "فليسقط النظام" مطاطة وخطيرة في رأي مسرّة ويقول: كثيرون يرددون هذه العبارة من دون أن يفهموا معناها. وليتهم يستبدلونها بعبارة "فلتسقط الطبقة الحاكمة". ويرى في عبارة إسقاط النظام رهاناً متجدداً من بعض الخبراء في التعطيل لإيقاعنا في لعبة خطيرة. ويستطرد: النظام أساساً في لبنان غير مطبّق كي يُصار الى إسقاطه. الطبقة الحاكمة لم تطبقه فكيف نُسقط ما لم يُطبق؟ لدينا دستور بالنصّ والروح لكن جرى التلاعب في نصوصه الدستورية منذ الأساس، بدليل أنهم جعلوا من الحكومات برلمانات مصغّرة في سبيل السيطرة عليها ونالوا من الميثاقية. وألاعيبهم اليوم استنفدت وسقطت.

فليتوقف المتظاهرون عن المناداة بإسقاط النظام أو إسقاط الطبقة السياسية وليطالبوا بديلا بإسقاط الطبقة الحاكمة.

نعود الى القاضي غالب غانم لسؤاله عن رأيه في كل هذا؟ يجيب: فلنتمسك بالدستور دائما الذي يُمكننا عدم الإنتظار أربع سنوات لتغيير المجلس النيابي. الدستور اللبناني يُقدّم دائماً حلولاً. والحلول لا تُقطف في الشارع بل عبر الدستور. ويستطرد: لدينا في لبنان نظام برلماني حرّ يؤمن العدالة الإجتماعية التي ورد الكلام عنها في مقدّم الدستور. الدستور في لبنان هو صحن كبير أو كتاب كبير يُقدّم كل الآليات في أيّة ظروف. فلنستعن به في هذه الأوقات الصعبة. أما القول بإسقاط النظام الذي جرى التوافق عليه في 1920 و1925 و1990 في المطلق فيحتاج الى إطار يُحدده. فهل تريدون بديلاً دولة ديكتاتورية؟ طبعا لا. هل تريدون دولة متطرفة يمينية او يسارية؟ طبعا لا. اللبنانيون يريدون نظاماً يحاكي الحريات والتطلعات التي ينشدونها.

ما رأي أنطوان مسرّة؟

الخبير الدستوري يعود ليتلمس الأرض متوقفاً عند طريقة التعامل الإستعلائية والإنكار من قِبل السلطة ويقول: هذا الإستهتار الذي يطلّون به، مع ابتسامة ساخرة، على شعبٍ يشعر بالغدر لم يسبق أن مارسته سلطة في العالم من قبل. إنها تمارس "المخادعة" مستخدمة الكلام البراق لإيهام الناس بمستقبل أفضل. والمخادعة من صفات الشيطان والشيطان يوهم الناس بالأشياء الجميلة البراقة. لكن الشيطان يُهزم دائماً في النهاية.

يبقى أن ما يخشاه رجال القانون والدستور هو أن يطرح بعض المنظرين البعيدين عن الواقع قضايا قانونية غير حقيقية في سبيل الإلهاء.