جاد حداد

الخرف... نحو انحسار أم تصاعد؟

23 أيار 2022

02 : 00

قد تبدو البيانات الطبية حول الخرف مربكة، لكن في ما يلي تفسير بسيط لآخر المستجدات...

في المعركة المستمرة ضد الخرف، يصعب أن نتأكد من أننا سنربح الحرب أو نخسرها. تنذر عناوين الأبحاث أحياناً بتراجع معدلات الخرف، لكن تحذر أنباء أخرى من تصاعد الإصابات بوتيرة متسارعة. ما هي استنتاجات الدراسات وكيف تنعكس على المخاطر المطروحة؟

معدلات متراجعة


تكشف دراسة أجراها باحثون من جامعة "هارفارد" ونشرها موقع مجلة "علم الأعصاب" في 1 تموز 2020، أن حالات الخرف بدأت تتراجع بوتيرة ثابتة منذ فترة الثمانينات.

حلّل العلماء سبع دراسات واسعة وطويلة الأمد كانت قد راقبت أكثر من 49 ألف شخص في عمر الخامسة والستين وما فوق في الولايات المتحدة وأوروبا. أشارت تقديرات الباحثين إلى تراجع معدل الإصابات الجديدة بنسبة 13% كل عشر سنوات، بين العامين 1988 و2015. إذا تابعت هذه المعدلات انخفاضها، يتوقع العلماء أن يتراجع عدد المصابين بالخرف في الولايات المتحدة وأوروبا بمعدل 15 مليون شخص بحلول العام 2040 مقارنةً بالتقديرات المتوقعة.

قد يرتبط هذا التراجع بتحسّن أسلوب حياة الناس وتطور علاجات تصلب الشرايين (تراكم رواسب خطيرة في الشرايين) في آخر أربعين سنة. تقول المشرفة الرئيسة على الدراسة، لوري شيبنيك، خبيرة في الإحصاء الحيوي وأستاذة مساعِدة في كلية "تي إتش تشان" للصحة العامة في جامعة "هارفارد": "نحن نعالج ارتفاع الكولسترول وضغط الدم في عمر أبكر اليوم، كما أننا نُشجّع الناس على تغيير أسلوب حياتهم الصحي. ويبدو أن جميع الخطوات التي تسمح بتخفيف تصلب شرايين القلب تسهم أيضاً في تراجع الشرايين المتصلبة في الدماغ".

مرض أكثر شيوعاً

رغم تراجع معدلات الخرف في الولايات المتحدة وأوروبا، تتوقع دراسة أخرى نشرتها مجلة "ذا لانسيت" للصحة العامة، في 6 كانون الثاني 2022، أن يرتفع إجمالي المصابين بالخرف بدرجة كبيرة حول العالم خلال المرحلة المقبلة.

استعمل العلماء نزعات متوقعة في بعض عوامل الخطر المُسببة للخرف (العمر، البدانة، ارتفاع سكر الدم، التدخين، مستوى التعليم الذي يؤثر على الدماغ) لتخمين حالات الخرف المستقبلية في 195 بلداً ومنطقة، فاستنتجوا أن عدد من يتعايشون مع الخرف، في عمر الأربعين وما فوق، قد يرتفع بثلاثة أضعاف خلال العقود الثلاثة المقبلة، لا سيما في دول أفريقيا والشرق الأوسط. يتعلق السبب بزيادة العدد السكاني على مستوى العالم بحلول تلك المرحلة، لا سيما فئة الأشخاص فوق عمر الأربعين، وتوسّع العادات غير الصحية في أسلوب الحياة (قلة الحركة، تدهور نوعية الحمية الغذائية).

أين الحقيقة؟


من جهة، يبدو أن معدلات الخرف بدأت تتراجع بوتيرة ثابتة. ومن جهة أخرى، توشك إصابات الخرف على الارتفاع بدرجة قياسية على مستوى العالم. كيف يمكن أن يكون هذان الاستنتاجان حقيقيَّين؟ عملياً، هما يعكسان نوعَين مختلفين من النزعات.

تذكر الدراسة الواردة في مجلة "علم الأعصاب" أن معدلات الإصابة بالخرف بدأت تتراجع. توضح شيبنيك: "يشير معدل الإصابة إلى الحالات الجديدة المتوقعة سنوياً، من أصل كل 100 ألف شخص من السكان. يبدو أن معدل الإصابات يتراجع لدى كل 100 ألف شخص، ما يعني انخفاض الأعداد التي تصاب بالمرض على ما يبدو. نتيجةً لذلك، بدأ خطر الإصابة بالخرف ينحسر". أما الدراسة الواردة في مجلة "ذا لانسيت"، فهي لا تقيس خطر الإصابة بالمرض بل تقدّر بكل بساطة عدد الحالات الإجمالية في عالمٍ يشهد نمواً سكانياً متسارعاً.

يبرز أيضاً اختلافان آخران: ركّزت الدراسة الأولى على الولايات المتحدة وأوروبا وراجعت الحالات السابقة قبل أن تستنتج تراجع المعدلات المسجّلة، بينما شملت الدراسة الثانية مناطق العالم أجمع وتوقعت عدد الحالات المرتقبة مستقبلاً.

ما معنى هذه النتائج؟


التقدم في السن يزيد خطر الإصابة بالخرف. لتقليص نسبة الخطر، تقضي أفضل طريقة باختيار أسلوب حياة صحي.

يشير تقرير مجلة "ذا لانسيت" في 8 آب 2020 إلى احتمال تجنب 40% من حالات الخرف أو تأخيرها عبر استهداف 12 عامل خطر قابل للتغيير:

• تراجع مستوى التعليم.

• ارتفاع ضغط الدم.

• ضعف السمع.

• التدخين.

• البدانة في منتصف العمر.

• الاكتئاب.

• قلة الحركة الجسدية.

• مرض السكري.

• العزلة الاجتماعية.

• فرط استهلاك الكحول.

• إصابات الرأس.

• تلوث الهواء.

إذا بدا لك تعديل هذه العوامل كلها مخيفاً وبالغ الصعوبة، تذكر دراسات أخرى أن معالجة عدد منها تكفي لتقليص مخاطر الخرف.

حاول أن تُحسّن أسلوب حياتك الصحي تدريجاً. اختر خطوة أو اثنتين من القائمة التالية وركّز على تطبيقها بشكلٍ يومي:

• مارس المشي السريع طوال 30 دقيقة.

• تعلّم مهارة جديدة.

• حسّن حميتك الغذائية.

• حاول أن تنام لسبع ساعات على الأقل.

• خفف استهلاك الكحول.

• خصص الوقت لزيارة الأصدقاء (شخصياً أو عبر الهاتف).

• حسّن توازنك (لتجنب حوادث السقوط وتقليص مخاطر إصابات الرأس).

• سيطر على ضغطك النفسي عبر ممارسة نوع من التأمل مثل اليوغا، أو التاي تشي، أو الاسترخاء الهني.

• أقلع عن التدخين.

أخيراً، تعاون مع طبيبك لمعالجة أي مشاكل صحية كامنة قد تزيد خطر إصابتك بالخرف، لا سيما أمراض القلب، وارتفاع الضغط وسكر الدم، والكولسترول، والبدانة، والاكتئاب، وضعف السمع. هذه العوامل كلها مرتبطة بالخرف، بما في ذلك آخر عاملَين.

في النهاية، تستنتج شيبنيك: "قد نتمكن من ترسيخ الاتجاه التنازلي لمعدلات الخرف عبر تحسين طريقة التحكم بأسلوب الحياة. إذا زادت أعداد من يجيدون تحقيق هذا الهدف، أتوقع أن نشهد على تغيير بارز".

حـــــلـــــول عـــــمـــــلـــــيـــــة


MISS 3