لمحاسبة كل المسؤولين عن الأزمة والإنهيار المالي

شاوول: يجب ألّا ندعهم يفلتون من العقاب

02 : 00

يؤكد الخبير المالي والمصرفي هنري شاوول في حديث مع «نداء الوطن» ان فرص تطبيق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي شبه معدومة، لأن المنظومة الحاكمة لا تريد اجراء الاصلاحات المطلوبة. ويشير، بإلحاح الحريص على سيادة مبادئ القانون والعدالة، الى ضرورة تشكيل قوى ضغط فاعلة تحول دون افلات المسؤولين عن الازمة من العقاب. الى ذلك، يتوقع شاوول المضي قدماً في الليلرة التي يريدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتي ستورث كوارث مالية ونقدية اضافية. وفي ما يلي نص الحوار:

ما تقييمك لورقة التفاهم مع صندوق النقد الدولي؟

هناك جملة ملاحظات بعضها متعلق بالكابيتال كونترول وبعضها الآخر متعلق بالشق الاقتصادي غير المشغول كما يجب بالاضافة الى نقاط أخرى. ذلك التفاهم يتقاطع بنسبة 95% مع الخطة التي وضعت في 2020 وكنت في فريق معديها، علماً بأن الاتفاق المبدئي الجديد ذهب أبعد من خطة 2020 في قضية الحوكمة لا سيما طلب تعديل السرية المصرفية.

ماذا جاء في الاتفاق عن قانون الكابيتال كونترول؟

هذا البند وارد في آخر سطور الاتفاق وفي سياق توحيد اسعار الصرف لحماية ما تبقى من دولارات في مصرف لبنان لاستعمالها كأصل استراتيجي في خدمة الاقتصاد. ولا يمكن توحيد سعر الصرف الا بعد تنفيذ جملة شروط مسبقة مثل اعادة هيكلة المصارف. علماً انه في بلد اقتصاده حر وحدوده غير مضبوطة وفيه تعويل كبير على ريادات الاعمال يصعب تطبيق الكابيتال كونترول. لكننا مضطرون لاعتماده اقتصادياً ومالياً اذا كان الهدف هو الحصول على قرض من صندوق النقد. الا ان المشكلة هي في المادة 12 من مشروع القانون. البعض يقول انها حماية للمصارف، مقابل آخرين يعتبرونها حماية للمودعين من فوز أثرياء (قادرين على دفع أتعاب محاماة باهظة) بقضايا تحكم لهم باسترداد اموالهم مقابل آخرين لا يستطيعون ذلك. اقترح حلاً على الدولة باقرار قانون خاص لحماية ما تبقى من دولارات في مصرف لبنان. وليس على الدولة الدخول طرفاً في العلاقة التعاقدية بين المصارف ومودعيها. من الافضل ترك القضايا تأخذ مجراها حتى لو وصل الأمر الى الحجز على موجودات وثروات أصحاب البنوك. اذا، لا اعتراض جوهرياً على الاتفاق لتبقى العبرة في التطبيق. لكننا لا نعرف ما هي الخطة الشاملة. وما يتم تداوله عبارة عن خطة تذكر ان النمو الاقتصادي هو 2 الى 3% ، وسعر صرف الدولار عند 20 الف ليرة على مدى 5 سنوات. كما ان اعادة هيكلة المصارف تنتظر التدقيق في كل بنك على حدة. إذاً لماذا الاستعجال في اقرار كابيتال كونترول من خارج السياق الذي ورد به في الاتفاق المبدئي اي توحيد اسعار الصرف؟

ما هي فرص تطبيق الاتفاق مع الصندوق؟

يقول الفرنسيون المعنيون بالملف اللبناني انه ليس امام لبنان الا صندوق النقد أو برنامج الغذاء العالمي. ويتوقعون ان لا شيء جوهرياً سيحصل قبل 2023 بسبب جملة الاستحقاقات النيابية والحكومية والرئاسية.

فرص تطبيق هذا الاتفاق حالياً هي اقرب الى «الصفر». الطبقة السياسية الحاكمة لا تطبق هكذا نوع من الاصلاحات الجذرية. كل ما يفعلونه هو شراء الوقت كما فعلوا مع المبادرة الفرنسية التي قبلوها الى حين ثم انقلبوا عليها بعد تعويم انفسهم.

هل صحيح ان مصرف لبنان مستمر في مسار مختلف عن الحكومة؟

هذا ما تبين في الكتاب الموجه مؤخراً من مصرف لبنان الى جمعية المصارف. في الكتاب ليلرة في مصرف لبنان أولاً، ويقول للبنوك: لم يعد لدي مشكلة في ميزانيتي، اعترف بالدين، او اعترف بان لديكم شهادات ايداع في البنك المركزي، لكن لدي خيار أن اسدد هذا الدين بالليرة اللبنانية من دون تحديد السعر. في مقابل ذلك باتت المصارف امام وضعية صعبة جدا ان لم نقل مستحيلة الفهم. ففي ميزانياتها (جانب المطلوبات) 100 مليار دولار ودائع للناس. كيف ستخرج من هذا المأزق؟

ان دور البنك المركزي يقوم على تأمين الاستقرار وسلامة القطاع المصرفي، اما في الكتاب المذكور فقال للمصارف والمودعين «كسروا رؤوس بعضكم البعض». علماً بأن لليلرة مشكلات لها أول وليس لها آخر في الاقتصاد وسعر الصرف. نحن امام اعلان غير مباشر لافلاس مصرف لبنان بالاضافة الى افلاس المصارف. انها سابقة في تاريخ البنوك المركزية العالمية إذ لم يحصل وبشخطة قلم قلب معادلة بهذا الشكل الذي قام به مصرف لبنان.




إلى متى سيبقى الفساد أساس الحكم في لبنان؟



ما هو انعكاس ذلك على الخطة التي التزموا بها مع الصندوق؟

كتاب مصرف لبنان المذكورعبارة عن نسف لتقييم الوضع. فلبنان وفقاً لورقة التفاهم المبدئي يعترف بالخسائر ويحاول المعالجة بالشطب وهيكلة المصارف بالاضافة الى العناوين الأخرى. كيف يمكن توفيق هذا مع ذاك، في حين مصرف لبنان يؤكد مرة أخرى انه يختار مساراً آخر غير الذي تريد الحكومة السير به؟ هو في الطرق الجبلية الوعرة والحكومة في الاوتوستراد . انه منسجم مع ما كان يريد وهذا ما يطبقه على ارض الواقع، انه الخط الاصعب للمواطن والأهون للسياسيين. الليلرة تشتري لهم وقتاً علما بانها ستخلق تضخماً هائلاً وتنسف سعر الليرة على نحو هستيري. لكنهم لا يعبأون بذلك لأن المسؤولية غير واضحة ولا محاسبة لأحد.

هل ستمر مشاريع القوانين المطلوبة في البرلمان الجديد؟

لا اعتقد ان مشاريع القوانين المطلوبة ستقر في البرلمان. لأن ما يحصل من ممارسات عملياً في الواقع هو خلاف ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد. اذا ارادوا اللحاق بما قاله مصرف لبنان في كتابه الى جمعية المصارف يمكن ان نتوقع اقرار قانون يرمي الى رد الودائع لأصحابها ولو بالليرة اللبنانية. واذا كان الأمر كذلك، فلا توقف عند سقف الـ 100 الف دولار لكل حساب مودع كما جاء في ورقة التفاهم مع الصندوق. فالليلرة السائدة منذ نحو سنتين يمكن ان تستمر لسنوات طويلة قادمة، هذا هو مستقبل لبنان وفقاً لما يريده مصرف لبنان والمنظومة الحاكمة. وهذا يشبه ما حصل في الارجنتين وأورث أزمات متتالية لم تنته فصولها بعد منذ أكثر من 20 سنة. والسير بهذا المخطط يعفي الطبقة السياسية من اجراء الاصلاحات التي عليها واجب القيام بها سواء كان هناك اتفاق مع صندوق النقد أم لا.

ألا ترى ضرورة لاستخدام أصول الدولة لتعويض المودعين؟

انا من الرافضين لاستخدام أصول أو موارد الدولة لتعويض المودعين. أصول وموارد ربما تذهب في معظمها الى كبار المودعين. ولا ننسى ان الشمول المالي كان قبل الأزمة يشير الى وجود 50 الى 55% من الناس هم اصحاب حسابات مصرفية، اقفل نصف هذه الحسابات خلال سنتين ونصف تقريباً. نحن نتحدث اليوم عن نسبة 35% فقط من اللبنانيين والمقيمين لديهم حسابات مصرفية، مقابل 65% لا علاقة لهم بأزمة الودائع. لماذا نبيع موارد الدولة واصولها للدخول كطرف بين المودع والبنك وهي علاقة تعاقدية بين طرفين محددين؟ في المقابل انا مع استخدام الموارد لانعاش الاقتصاد. للدولة دور كبير لتلعبه، وهذا ما كنا لحظناه في خطة 2020 .كما ان نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي تناول ذلك ايضا. لدى الصندوق مشكلة في الربط بين أصول الدولة ومواردها من جهة وبين الودائع من جهة أخرى. ويعارض رهن تلك الاصول ومستقبل لبنان فقط لهدف واحد هو ارضاء المودعين. كما ان انشاء صندوق سيادي تعين المنظومة نفسها لادارته أمر مرفوض. هذه المنظومة غير قادرة على توفير الكهرباء فكيف ستدير هذا الصندوق الاستراتيجي والضخم. كما لا ننسى ان لدينا مواطنين غير مودعين ويشكلون 60 الى 70% من الشعب اللبناني، وهؤلاء يدفعون يومياً أخطاء المنظومة السياسية والمصرفية والمالية، ونطلب من هؤلاء التنازل عن أملاك عامة او دفع ضرائب ورسوم اضافية وتحمل انهيار سعر الصرف ... لهؤلاء يجب ان نقول اين تتجه البلاد واين هي خطة التعافي والنمو المنشود وكيف نوفر لهم فرص العمل.

ماذا عن شبه انعدام المحاسبة؟

لم نعد نستطيع الاستمرار في نظام الافلات من العقاب. بات لدينا في المجتمع كما في البرلمان الجديد شريحة مقتنعة بذلك وترفض الحلول التسووية كأن شيئاً لم يكن. سبق لاحظنا عندما حاول البرلمان تمرير الكابيتال كونترول كيف انتفضت تلك الشرائح وعطلت التمرير. اعتقد انه بات صعباً جداً تمرير شيء تحت الطاولة. علينا ان نسمع اصوات كل المضحين والذين يدفعون اثماناً باهظة سواء من ودائعهم او معيشتهم. علينا ايقاف الحصانة التي يتمتع بها المسؤولون عن هذه الأزمة. والشروع في سلوك طرق المساءلة وصولً حتى المحاكمة.

اذا لم يكن لدينا مشروع لاعادة الاموال المنهوبة، واذا لم ننجح في اجراء تدقيق جنائي يشمل كل صفقات وعمليات الدولة من 1993 الى اليوم، واذا لم نجر تدقيقاً جنائياً في المصارف لمعرفة كيف تراكمت ثروات وودائع البعض والتي فيها ما يجب شطبه فعلا ... اذا لم يحصل كل ذلك كيف سنطلب من المودعين اصحاب الحقوق الحقيقية والمشروعة التضحية بجزء من مالهم؟ لا بد من الشطب في نهاية المطاف، لكن فليكن ذلك مقابل محاسبة. كيف يمكن لنائب رئيس الوزراء ان يتحدث الى حملة اليوروبوندز من دون ذكر كلمة واحدة عن المحاسبة. لا يمكن القبول بفكرة عفّى الله عما مضى.

لا تصدّقوا من يدّعي طلب تغيير سلامة!

يؤكد هنري شاوول انه وحتى اليوم «حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حاجة للمنظومة والعكس صحيح. وذلك على الرغم من الشبهات التي تحوم حوله والقضايا التي تلاحقه في الداخل والخارج». ويضيف: «كل كلام عن تغييره ليس الا للاستهلاك السياسي من جانب الفريق الذي يدعي انه يريد تغييره. ولا ننسى ان رئيس لجنة المال والموازنة، وبالتعاون مع سلامة، ضرب الخطة السابقة وهو من نفس الفريق السياسي الذي يدعي ضرورة تغيير سلامة وملاحقته».

المودعون يُحرجون المنظومة... وسيستمرون

عن امكان قيام المنظومة بمحاولة تكييف شروط صندوق النقد بطريقة تسووية ما، يقول هنري شاوول: «سيحاولون اجراء تكييف ما. لكن كيف سيتقبل المجتمع ذلك التدوير للزوايا وعلى حسابه؟ كما لا ننسى كيف ان المودعين عندما بدأوا التحرك مؤخراً استطاعوا احراج المنظومة. ويجب اكمال هذا المسار. لا يمكن الخروج من الدمار المالي او الخسائر التي تساوي أكثر من 4 مرات الناتج المحلي الاجمالي كما لو اننا نخرج من مرض خفيف طارئ. ولا يمكن القبول بان الجميع استفاد وعفّى الله عما مضى لان السؤال الحقيقي هو من استفاد أكثر، وكيف؟».

الفرنسيون ضد حماية المصارف

عن قضية حماية المصارف من الدعاوى المرفوعة ضدها كشف هنري شاوول سراً إذ قال: «بالعودة الى الاتفاق مع الصندوق لا نجد اي بند خاص بحماية المصارف، وفيها ما يفرض التدقيق بالجرائم المالية لاسترداد الاموال المنهوبة» . واضاف: «سأكشف سراً عن ان الفرنسيين المعنيين بمتابعة التطبيق عبروا عن رفضهم لما يجري من محاولات لحماية المصارف خصوصاً في مشروع قانون الكابيتال كونترول».

MISS 3