نقص القمح يُهدّد بأزمة غذاء... قاتلة

روسيا تشن حرب تجويع على العالم بأسره

02 : 00

الحرب تؤثّر في الحصاد وفي تصدير الإنتاج

بلغ سعر القمح في الاسواق العالمية قمة جديدة الاسبوع الماضي، بالنظر الى سلسلة كوارث كبحت العرض امام الطلب المتزايد.

وكانت الاسعار بدأت بالارتفاع منذ ما قبل الحرب الروسية على اوكرانيا. فالمحاصيل الاميركية أظهرت ضعفاً العام الماضي، علما بان صادرات الولايات المتحدة تستحوذ 10 في المائة من سوق القمح عالمياً. كما ان الانتاج الهندي متراجع هذه السنة. الا ان الاخطر هو ما بدأ يظهر مع بدء الحرب الروسية على اوكرانيا. وتفاقم الامر مع اعلان الهند وقف صادراتها وتوقع موسم جاف في فرنسا.

القمح الروسي والأوكراني ثلث الإنتاج العالمي

يذكر ان اوكرانيا وروسيا تشكلان لوحدهما ثلث التدفقات الدولية من هذه المادة الغذائية الحيوية على مدار العام الواحد، واكثر من 60 في المائة لفترة موسم تموز- تشرين الاول. ومن تداعيات الحرب ان القمح الروسي تراجع تدفقه نحو الاسواق الدولية. كما ان انتاج اوكرانيا يعاني من تلك الحرب وتداعياتها، مثل ان ثلث المساحات الاوكرانية المزروعة قمحاً هي في مناطق الشرق التي باتت القوات الروسية تسيطر عليها او هي مسارح للعمليات العسكرية بين الروس والاوكرانيين. وتشير التوقعات الى ان اوكرانيا قد تنتج 21 مليون طن قمحاً هذه السنة، اي بانخفاض نسبته 35 في المائة مقارنة بالعام 2021. ورغم الحصاد، فان المنتجين لن يستطيعوا التصدير، لأن 95 في المائة من تلك الصادرات تمر عبر موانئ وخطوط بحرية. لكن الروس ومنذ الايام الاولى للحرب اقفلوا البحر الاسود تقريباً، وحاصروا الموانئ الاوكرانية وقصفوا بقوة المدن الشاطئية مثل ماريوبول واوديسا، وفخخوا المنافذ الى المعابر البحرية.

20 مليون طن محبوسة

اما النقل البري فلا يستطيع التعويض لان طاقته ربع الحاجة فقط. ففي الوقت الذي تُحبس في اوكرانيا 20 مليون طن من القمح، تتزايد الضغوط لايجاد حل. وفي الاشهر القليلة المقبلة، سيجد الحصاد الاوكراني الجديد انه غير قابل للتخزين. فهذه المادة تعتبر عنوانا للمعيشة بالنسبة لمئات ملايين من الناس حول العالم وفقا للامم المتحدة. في حرب القمح هذه، التي تريد موسكو الاستفادة منها، يبدو ان حلولاً تلوح في الأفق علما بأنها ليست مقنعة كلها حتى الآن.

عادة يمر المصدرون الأوكرانيون عبر المرافئ الضخمة على البحر الاسود وبحر أزوف. قبل الحرب، 3000 حمولة من القمح والحبوب كانت تمر يومياً في المرافئ الاوكرانية خصوصا أوديسا وماريوبول، ومنهما تعبر الى انحاء مختلفة من العالم. لكن الحضور البحري الروسي العدواني والألغام المزروعة في كل مكان تقريبا، من الروس والاوكرانيين على السواء، تجعل خروج الحمولات حالياً مستحيلا باتجاه مضيق البوسفور.

ماذا عن النقل البري عبر بيلاروسيا؟

الجمعة الماضية، أراد الامين العام للامم المتحد أنطونيو غوتيريش اخراج أرنب من قبعته. إذ وفقا للصحاقة الاميركية، فان غوتيريش يريد عبور حمولات آلاف الأطنان عبر بيلاروسيا باتجاه ليتوانيا. في المقابل، تحصل بيلاروسيا على اعفاءات من العقوبات التي فرضت عليها ويسمح لها بتصدير مواد مثل السماد والبوتاسيوم.

وبالنظر الى المواصفات السوفياتية القديمة، فان خطوط سكك الحديد البيلاروسية تشبه الاوكرانية ما يجعل المسألة سهلة. لكن ذلك يعني التغاضي عن الحلف القاتل الذي جمع بيلاروسيا وروسيا في هذه الحرب المدمرة. وهذا ما يدفع مراقبين ومقررين دوليين الى الدهشة والرفض.

الضغط للتصدير عبر اوديسا

الحل المذكور اعلاه ليس الوحيد المناقش بين الاوكرانيين والغربيين. ماذا عن الضغط للتصدير عبر ميناء اوديسا؟

تكبدت اوكرانيا في قواها البحرية ضربة شبه قاضية منذ ايام ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014. في المقابل، وعلى الرغم من تلقي روسيا ضربة قوية وغرق الطراد موسكفا في نيسان الماضي يبقى لديها قوة بحرية ضاربة، ما يجعل المتحمسين لارسال قوة دولية لمواكبة الحمولات الاوكرانية امراً صعباً. فأي التحام بين الطرفين يمكن ان يشعل شرارة اكبر، وتطورات غير قابلة للاحتواء.

عبر رومانيا وبولندا

يبقى خيار تصدير القمح عبر رومانيا وبولندا. لكن وبالنظر الى الكميات الضخمة المطلوبة يرى الخبراء ان هذا الحل لا يحل المشكلة الكبيرة. فبعد اسابيع قليلة تصبح خطوط سكك الحديد الرومانية والبولندية متخمة بنقل حمولات الانتاج المحلي. وسيستغرق الامر عدة سنوات لبناء عنابر تخزن فيها المحاصيل الموسمية.

أي الأطفال نطعم وأي الأطفال «نقتل»؟

في اجتماعات للامم المتحدة الاسبوع الماضي مخصصة لمسألة القمح والغذاء قال مسؤول أممي: «الوقت يمر ويضغط على الجميع، لم يعد هناك الكثير من المال، ارتفاعات الاسعار متتالية وتحاصر الجميع. ينقصنا مليارات الدولارات، وبات أمامنا الآن تحدٍّ مؤلم في الاختيار بين من نلبي ومن لا نلبي. بكلام آخر، اي الاطفال سنساعدهم واي الاطفال سنتركهم يموتون جوعاً. فحصار الموانئ الاوكرانية سيقتل ملايين الناس. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فان برنامج الغذاء العالمي، اصبح مضطراً لخفض المساعدات الى اليمن الى النصف».





روسيا تتهم الأمم المتحدة

فهل يمكن اتهام روسيا بانها تريد تجويع العالم عبر حربها على اوكرانيا؟ في حملة ممنهجة وموجهة يهاجم الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية المسؤولين الاممين متهماً اياهم بالتلاعب والتضليل عبر توجيه نظر المجتمع الدولي الى ناحية دون اخرى. بالنسبة لموسكو، العقوبات ضد روسيا هي المسؤول الوحيد عن الكارثة.

القمح الروسي يريد البقاء في الصدارة

ويذكر ان روسيا منتج عالمي كبير للقمح والحبوب، وتصديرها معظمه باتجاه دول في الشرق الاوسط وافريقيا. داخليا، فرضت موسكو ضرائب عالية على استهلاك الحبوب ما رفع الاسعار عموماً. لكن الخبراء يتوقعون ان تصدّر روسيا نحو 35 مليون طن لتستفيد من الفراغ الذي تركه الاوكرانيون في الاسواق التي لم تعد تستقبل محاصيل اوكرانية. وتتوقع موسكو للسنة المقبلة محصولاً كبيراً، ما دفع خبراء الى القول ان روسيا ستحتل موقعاً تاريخياً في اهمية صادراتها من هذه المواد.

سرقة القمح الاوكراني

لكن اللافت ان ما يتحدث عنه الروس يضم محاصيل اوكرانية من اراض سيطرت عليها القوات الروسية منذ بداية الحرب. ووفقا لمتابعات موثقة على وسائل التواصل الاجتماعي فان حمولات انطلقت من شبه جزيرة القرم يفترض انها مسروقة من الاوكرانيين.

فهل يمكن القول ان حرب القمح تمر ايضاً عبر سرقة الروس للموارد الاوكرانية؟ يذكر ان بواخر روسية حاولت مؤخراً الرسو في موانئ على البحر المتوسط قبل ان تضطر الى التوجه الى مرفأ اللاذقية في سوريا معقل الرئيس السوري بشار الاسد.

موسكو تلقي المسؤولية على الغرب

على اي حال، تتالت في الايام والاسابيع الماضية التصريحات الروسية الخاصة بالشح الغذائي العالمي. مع اتهامات بانه كان يجب منح موسكو ضمانات امنية بدلاً من فرض عقوبات عليها. لو فعلوا ذلك، برأي الروس، لما كان هناك اي نقص في امدادات القمح. ويضيف هؤلاء ان الغرب المهووس بالهيمنة، نسي ان العولمة هي مسألة ترابط دولي لا اقصاء فيها كما يفعل الغرب. ويركز الروس على اتهام الولايات المتحدة بالتسبب بالازمة الغذائية العالمية لخدمة استراتيجيتهم السياسية والامنية.

تزيد روسيا الآن صادراتها من الحبوب الى دول في جنوب شرق آسيا والشرق الاوسط وافريقيا، وتقترح موسكو اقامة مخازن غذائية في الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وماليزيا وسنغافورة.

وتنقل الصحافة حول العالم عن قرب تداعيات ازمة القمح الذي ارتفعت اسعاره 60 في المائة منذ بداية العام ولا سيما منذ بدء الحرب الروسية على اوكرانيا. اما الصحافة الروسية فتركز على مسؤولية الغرب عن هذه الازمة وامكان حصول مجاعات لا سيما في افريقيا. وتشير مقالات في صحافة موسكو الى ان القطع الفجائي للعلاقات التجارية المبنية منذ فترة طويلة مع روسيا انتج اضطرابات في سلاسل التوريد. وتضرب مثلاً الهند التي منعت تصدير قمحها بقرار فاقم الضغط على اسعار المواد الغذائية في وقت يتفاقم فيه الشح في الاسواق العالمية. هذا الاجراء الهندي يؤثر اولا في دول آسيوية تشتري القمح الهندي. لكنه ايضا يضرب حسابات اميركا واوروبا في التعويل على الهند لتعويض النقص من الصادرات الاوكرانية والروسية.

وتفرح الصحافة الروسية في الحديث عن هذ المأساة العالمية. وتركز على ان دولا كثيرة منتجة للقمح ستوقف او تخفف صادراتها في وقت تثبت فيه روسيا موقعها المتقدم عالمياً في هذا المجال مع صادرات يمكن ان تزيد بقوة لتستحوذ 20% من الحصة السوقية العالمية. ما يعني أن صعوبة التخلي عن القمح الروسي تساوي صعوبة التخلي عن الغاز والبترول الروسيين.



البنك الدولي يخصص 12 مليار دولار

في الأثناء، سيخصص البنك الدولي خلال 15 شهراً قادمة نحو12 مليار دولار لمكافحة شبح المجاعة او نقص الغذاء. قسم كبير من هذه المبالغ سيخصص لافريقيا والشرق الاوسط واوروبا الشرقية وآسيا الوسطى. الصومال وباكستان ومصر ولبنان هي اكثر الدول المعتمدة على القمح من روسيا واوكرانيا. أما بنغلاديش فتعتمد بجزء كبير من استهلاكها على الهند.

MISS 3