إدوارد فيشمان

أفضل طريقة لمعاقبة قطاع الطاقة الروسي

24 أيار 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 05

بدأت العقوبات الغربية تستهدف أهم قطاع في روسيا: صادرات الطاقة. خلال الأسابيع القليلة الماضية، انشغل الاتحاد الأوروبي، الذي يشتري أكبر كميات من النفط الروسي، بتحضير خطة لحظر الواردات بحلول نهاية هذه السنة، مع أن اعتراضات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أبطأت هذه العملية. لكن يجب أن تكون عقوبات الطاقة مُصمّمة بحذر لاستهداف روسيا أكثر من الدول الغربية كي تعطي المفعول المنشود. يُفترض ألا تهدف في المقام الأول إلى تخفيض كمية النفط والغاز المستوردة من روسيا، ما يرفع أسعار الطاقة العالمية ويُهدد الدعم المحلي، بل يجب أن تُركّز على تخفيض كميات الدولار واليورو التي تتدفق إلى روسيا. في المرحلة المقبلة، يجب أن يصبّ الاتحاد الأوروبي جهوده الجماعية إذاً لتصميم مقاربة أكثر طموحاً، فيتعاون مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين لفرض نظام عالمي، تزامناً مع التلويح بعقوبات ثانوية، لتحديد سقف واضح لسعر النفط الروسي وتخفيض عائدات الكرملين.

كانت الجولات السابقة من العقوبات ضد موسكو قد خفّضت حجم الاستثمارات والتقنيات المُعدّة لقطاع الطاقة الروسي، فاستهدفت مصافي التكرير المحلية ومشاريع البنية التحتية الخاصة بالغاز الطبيعي المسال. كذلك، حظرت كندا وبريطانيا والولايات المتحدة واردات النفط الروسي، لكن بقيت تداعيات هذه الخطوة محدودة لأن هذه الدول الثلاث هي من أصغر مستهلكي إمدادات النفط والغاز الروسية. حتى الفترة الأخيرة، رفض الاتحاد الأوروبي، الذي يشتري أكبر كميات من مصادر الطاقة الروسية، فرض العقوبات على صادرات الطاقة، حتى أنه صمّم عقوباته المالية بطريقة تسمح باستمرار تدفق الوقود الروسي.

لكن بدأت العلاقات الروسية الأوروبية تتصدع اليوم في قطاع الطاقة. تزامناً مع تكثيف النقاش حول التخلي التدريجي عن واردات النفط الروسي، أعلن الاتحاد الأوروبي أيضاً عن تخطيطه لوقف واردات الغاز الطبيعي الروسي بالكامل خلال السنوات المقبلة. تشتري أوروبا أكثر من نصف صادرات روسيا الإجمالية من النفط الخام والمنتجات المُكررة مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات. في الوقت نفسه، تموّل الضرائب المفروضة على هذه الصادرات راهناً حوالى ربع ميزانية موسكو. لهذا السبب، تشكّل مساعي الاتحاد الأوروبي لوقف شراء النفط الروسي تحولاً جذرياً وإيجابياً في إطار الرد العالمي على الغزو الروسي لأوكرانيا.

لكن تطرح الخطط الأوروبية تحديات على واشنطن أيضاً. حتى الآن، رفضت الولايات المتحدة فرض أقسى العقوبات على قطاع الطاقة الروسي، بما في ذلك عقوبات ثانوية كانت قد فُرِضت على إيران للحد من مبيعات النفط إلى دول ثالثة. ربما تتردد إدارة بايدن في اتخاذ هذه الخطوة لأنها تفضّل أن يعالج الاتحاد الأوروبي بنفسه المسائل التي تؤثر على أمن الطاقة في أوروبا، أو ربما تشعر بالقلق من تحليق أسعار البنزين وزيادة التضخم نتيجة تراجع إمدادات النفط العالمية. لكن بعد تأكيد معظم الأوروبيين اليوم على التزامهم الجدّي بوقف واردات الطاقة الروسية، يجب أن يضع الأميركيون وحلفاؤهم استراتيجية مُنسّقة ويحددوا أفضل طريقة لتخفيض عائدات الطاقة الروسية من دون أن يتضرر الاقتصاد العالمي عن غير قصد.

قد يؤدي تخفيض سعر النفط الروسي، تزامناً مع السماح لموسكو ببيع كميات كبيرة من إمداداتها في الخارج، إلى تراجع عائدات الحكومة الروسية من دون زيادة أسعار النفط العالمية. سيكون تخفيض الأسعار استهدافاً مباشراً لموسكو، فتتراجع العملة الصعبة التي تتدفق إلى خزائن الكرملين سريعاً. حتى أن تحديد سقف الأسعار قد يشجّع الجميع على الامتثال، بما في ذلك الصين والهند وروسيا بحد ذاتها، شرط تصميم هذه المقاربة بالشكل المناسب.

للحد من أسعار النفط الروسي، يجب أن تتكاتف الدول الحليفة لتحديد الشروط بنفسها. الأمر أشبه بتطبيق مقاربة معاكسة لما تفعله منظمة "أوبك": بدل السيطرة على العرض لتحديد الأسعار، يستطيع الحلفاء أن يستفيدوا من سيطرتهم على الطلب لتحقيق الهدف نفسه. تشتق قوة "أوبك" من قدرة أعضائها على إنتاج حوالى 40% من نفط العالم. تسجّل أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وأعضاء آخرون في التحالف المؤيد للعقوبات حصة أكبر من مبيعات النفط الإيراني (بين 60 و70%). كذلك، يؤثر أعضاء هذه المجموعة على صادرات النفط الروسية المنقولة بالسفن، بدءاً من الموانئ والشحن وصولاً إلى التأمين البحري. تمنحهم نقاط الوصل هذه أوراق ضغط إضافية، إلى جانب قدرتهم الشرائية.

لكن هل سيوافق عملاء آخرون على تحديد سقفٍ للأسعار؟ إلى جانب التحالف المؤيّد للعقوبات، تشتري الصين أكبر كمية من النفط الروسي، وهي تستهلك حوالى 15% من الصادرات الروسية عن طريق خطوط الأنابيب. تاريخياً، لم تكن الهند من أبرز الجهات التي تشتري النفط الروسي، لكنها زادت مشترياتها بنسبة تفوق الضعف في الأشهر الأخيرة للاستفادة من الأسعار المُخفّضة. كذلك، تبيع روسيا النفط إلى دول كثيرة أخرى، مثل لبنان وتونس، لكن تبقى هذه البلدان من العملاء الصغار ويمكنها أن تشتري النفط من مصادر بديلة.

لإقناع تلك الدول الأخرى بالانضمام إلى الحملة نفسها، يستطيع الأميركيون والأوروبيون وحلفاؤهم في شرق آسيا أن يجبروها على الامتثال عبر إعاقة شحنات النفط الروسي التي تخالف سقف الأسعار المتّفق عليه. في المقابل، قد تعفي الولايات المتحدة وأطراف أخرى شحنات النفط التي تلتزم بسقف الأسعار. هذا النظام يزيد المخاطر على البنوك والشركات العالمية حين تتعامل مع تلك الكيانات الشائكة، إلا إذا التزمت الصفقات بسقف الأسعار.

في غضون ذلك، تستطيع الدول الحليفة أن تلوّح بفرض عقوبات ثانوية ضد الشركات غير الروسية حين تتورط بصفقات ممنوعة لبيع النفط. إذا اشترت أي شركة صينية أو هندية شحنة من النفط الروسي مقابل سعر يفوق السقف المحدد مثلاً، تستطيع الدول الغربية أن تُهدد بفرض عقوبات ضد شركة الشحن التي تنقل النفط، وشركة التأمين التي تكفل البضائع، وأي ميناء يقدّم الخدمات للناقلات، والبنوك التي تتولى عمليات الدفع. كذلك، تستطيع الحكومات نفسها أن تمنع بالقانون الشركات الأميركية والأوروبية من تقديم أي شكلٍ من هذه الخدمات، ما يُصعّب استمرار المبيعات. وبسبب المخاطر التي تحملها تلك العمليات، قد تضطر روسيا لبيع إمداداتها بكلفة أقل من الأسعار المُخفّضة راهناً، ما يسمح بتفعيل سقف الأسعار المعمول به.

لجأت الولايات المتحدة إلى نظام مماثل لكبح صادرات النفط الإيراني، فخفّضت مبيعات طهران بأكثر من 60% واحتجزت عائدات بقيمة عشرات مليارات الدولارات في حسابات مجمّدة. سيكون إقرار سقف محدد لأسعار النفط الروسي أكثر تعقيداً لأن روسيا تبقى من أكبر موردي النفط وتستفيد من روابط مالية وتجارة دولية أكثر تطوراً. لكن لن يرتكز الامتثال على التهديد بالعقوبات حصراً، بل يمكن اللجوء إلى حوافز إيجابية أيضاً، فيستفيد عملاء النفط الروسي مثلاً لأن الالتزام بسقف الأسعار قد يُخفّض كلفة وارداتهم. في المقابل، يترافق رفض ذلك السقف مع مخاطر مالية كبرى ولا يعطي أي منافع اقتصادية. وفي ظل تضييق الخناق على أسواق الطاقة العالمية بدرجة غير مسبوقة منذ سنوات، من غير المبرر أن يوافق عملاء النفط الروسي على عمليات لا تضمن لهم أي أرباح.

في الوقت الراهن، يقتصر عدد مستوردي النفط الروسي الكبار خارج التحالف المؤيد للعقوبات على ثلاث دول: الصين، والهند، وتركيا. تستطيع الصين أن تتابع استيراد النفط الروسي عبر أحد خطوط الأنابيب المحصّنة ضد العقوبات. لكن يسمح هذا الخط بنقل حصة صغيرة من صادرات النفط الروسي. وبما أن العمليات التي يشهدها خط الأنابيب تتوقف على سِعَته، قد تضطر الصين لشحن الكميات إذا أرادت أن تزيد مستوى الواردات، علماً أن السفن تُستعمَل أصلاً لنقل أكثر من نصف واردات النفط الروسي إلى الصين. في الوقت نفسه، من المتوقع أن تتفاوض بكين على صفقة أكثر تعقيداً لتلقي النفط عن طريق خطوط الأنابيب، تزامناً مع تراجع متوسط سعر النفط الروسي. على صعيد آخر، تستورد الهند وتركيا معظم كميات النفط من روسيا عبر ممرات شحن معرّضة للعقوبات الغربية. يتأثر هذان البلدان أيضاً بالتداعيات الاقتصادية لارتفاع أسعار النفط، لذا قد يستفيدان كثيراً من تراجع الأسعار. قد لا يرحّب أيٌّ منهما بتحديد سقفٍ للأسعار علناً، لكنهما سيلتزمان به على الأرجح.

أخيراً، سيكون تحديد سقفٍ واضح للأسعار ابتكاراً مفيداً في طريقة استعمال العقوبات المالية. نظراً إلى التحديات المرافقة للعقوبات المفروضة على صادرات الطاقة، يصعب أن يفرض أحد حظراً تقليدياً على مستوى العالم، حتى أن هذه الخطوة قد ترفع الأسعار بدرجة إضافية. يستطيع الأميركيون وحلفاؤهم أن يحققوا مصالحهم بأفضل الطرق عبر التركيز على تخفيض العائدات الروسية وضمان استمرار تدفق كميات كافية من النفط الروسي لتجنب تحليق الأسعار. سيستفيد المستهلكون حول العالم من تحديد سقفٍ للأسعار، بدعمٍ من العقوبات الغربية، تزامناً مع تركيز الضغوط على البترودولار المتدفق إلى خزائن بوتين.


MISS 3