مازن مجوز

عشرات الإختراعات العلمية تنتظر من يتبنّاها ويدعمها

أنت لا تزرع الروبوت يزرع عنك

4 تشرين الثاني 2019

02 : 00

وجائزة اخرى للقاق في تركيا
تخيّل انكَ ستتلقى اليوم على جهاز "اللابتوب" الخاص بك مقاطع فيديو للأجرام السماوية ملتقطة بـ"تيليسكوب طائر" يتخذ من سماء بلدة سفري البقاعية مقراً له، وتصّور أن محرك سيارتك الرياضية الحديثة ستنخفض نسبة إستهلاك الوقود فيه بنسبة 20 إلى 40 في المئة بسحر ساحرٍ ؟... وإن عدت إلى الواقع، ستكتشف أن هذه الـ"إختراعات علمية" ممهورة ببصماتٍ لبنانية وبأختام براءات الإختراع.مخترعو اليوم هم استمرارية لنيكولا حايك مؤسّس شركة سواتش السويسرية و مايكل إلياس دبغي ( من مرجعيون)أحد رواد جراحة القلب ومبتكر المضخة الدوارة وهو في سن 23 سنة والتي أصبحت جزءاً أساسياً من آلة القلب - الرئة، وغيرهما. تُرى هل كان العالم اعترف بهم لو بقوا هنا؟



في الوقت الذي لا يزال المسؤولون السياسيون تائهون في إيجاد الحلول لمشاكل البلد وما أكثرها، نجد المخترع اللبناني الدكتور حبيب القاق يلتقط عبر إختراعه "التلسكوب الطائر" مقاطع فيديو وصوراً وأطيافاً موجية أكثر وضوحاً للأجرام السماوية من نجوم ومجرات وكواكب وأقمار ومذنبات، لتصبح جاهزةً للإرسال إلى الحواسيب الخاصة بالهواة والمختصين وحتى للباحثين الفلكيين، الذين يسكنون في المدن، "مساعدة" لهم في إنجاز ابحاثهم عن طبيعة هذه الأجرام وبعض أسرارها وخفاياها.

ويقول الدكتور في علم الفيزياء في حديث إلى"نداء الوطن": "إنه نموذج جديد وفريد في علم الفلك، وقد أسس لنقلةٍ نوعيةٍ في التصوير الفلكي للهواة كما للمختصين، فالتلسكوب لم يعد ثابتاً، بل متحركاً بفعل تثبيته فوق طائرة درون سداسية المحركات، عبر قاعدةٍ مداريةٍ تتم برمجتها حاسوبياً".



التلسكوب الطائر


أما إحداثيات الاجرام السماوية، فبإمكان القاق الحصول عليها عبر البرنامج العالمي "ستلاريوم"، فيما يبقى التلسكوب مثبتاً أثناء الطيران صوب الجرم المراد رؤيته، مع إمكانية التحكم بفعل "التكبير والتصغير" عبر السيرفو المعلق بعدسة التلسكوب، بينما نقل مقاطع الفيديو يتم عبر نظام البث المباشر، وذلك عند طيران التلسكوب عامودياً لمسافةٍ يمكن أن تصل الى 5 كم، بفضل بطارية ليثيوم 6 خلايا 24 فولتاً والتي تخوله الطيران لمدة تتراوح بين 18 و25 دقيقة تقريباً.

تلسكوب طائر في الأجواء اللبنانية

ويضيف الدكتور في علم الفيزياء "يستطيع التلسكوب التحليق فوق المدن والبلدات لتجنب تلوث الهواء، والتخفيف ما أمكن من التلوث الضوئي، وقد بات لهاوي الرصد حتى في المدن والصحارى إمكانية الرصد بأن يطلق تلسكوبه الطائر مئات الامتار متخطياً طبقة الغبار والغازات الملوثة فوق المدينة، والتحكم بتلسكوبه الطائر وكأنه على قمة جبل بعيد" لافتاً إلى أنّ هذا من شأنه خفض تكاليف الرحلات من المدن الى الجبال لإقامة الابحاث والامسيات الفلكية هناك، ونشر الثقافة الفلكية وإحياؤها داخل المدن المكتظة بالسكان.

وكان القاق، قد حاول من قبل إختراع طائرة، فقرر أن يدمج فكرة الطائرة مع التلسكوب وكان النتاج "التلسكوب الطائر" وهو جهاز لم يخترع أحد مثله في لبنان، فيما وكالة الفضاء الاميركية "النازا" إبتكرت تلسكوباً على علوّ 40كم..



احدى الجوائز التي حققها القاق في تركيا


ولم تقتصر الميداليات الذهبية عند القاق على تلك التي فاز بها في المباراة الوطنية للعلوم التي نظّمتها الهيئة الوطنيّة للعلوم والبحوث، بل حصد أيضاً جائزة المخترعين المغاربة في اسطنبول، بعد أن نال براءة الاختراع من وزارة الاقتصاد والتجارة في العام 2019، وسبق ذلك تحقيقه عدداً من الاختراعات في مجال علم الفلك، وكحال الكثير من المبدعين اللبنانيين، لا يعوّل القاق كثيراً على أي إحتضان رسمي لإختراعه من الدولة اللبنانية، وهو يفكر حالياً بالسفر إلى إحدى دول الخليج للتسويق لإختراعه.

وإنتقالاً إلى بلدة "المروانية" الجنوبية، حيثُ أحدث المهندس الميكانيكي حسن الشاب ثورةً في توفير إستهلاك الوقود، بمباشرته منذ أشهر نشر مفهوم السيارات الصديقة للبيئة بتعديلها لتحسين أدائها وتقليل إستهلاكها للوقود، وبالتالي تحقيق خفض مزدوج: "إنبعاثات أول أوكسيد الكربون والكلفة المادية على السائقين".



براءة اختراع


من خلال دراسته للكهرباء، حاول فهم كيفية عمل المحرّك، فوجد ثغرة في الخوارزميات التي يعمل بواسطتها "كمبيوتر" السيّارات، فإستفاد منها لتخفيف إستهلاك الوقود، مع الحفاظ على قوة السيارة وسرعة استهلاكها للوقود.

ويؤكد الشاب في حديث إلى "نداء الوطن" أن سوق السيارات اللبناني يقوم بنسبةٍ كبيرةٍ على السيارات المستعملة المستوردة من الخارج، وليس على السيارات الجديدة، فالمستعملة لمدة تتراوح بين 5 الى عشر سنوات، يصبح فيها المحول المحفز (علبة البيئة الملاصقة للإيشبمان) مسدوداً، وعندما يتم تفريغه بطريقةٍ غير إحترافية، فإنّه يلحق ضرراً بالبيئة"، وهذا ما عمل على الحدّ منه.

ويعمل الشاب في هذا المجال كهواية الى جانب وظيفته، وفي ذلك يشرح: "حتى اليوم نجحت بتعديل ما يزيد عن 120 سيارة ودراجة نارية، منذ أن باشرت بمشروعي قبل نحو 3 سنوات".



المخترعون الاربعة مع مشرفهم


رقاقة إلكترونية تخفض إستهلاك البنزين

وربما أصبح قطاع النقل بحاجةٍ إلى جهود الشاب أكثرَ من أي وقت مضى، لعلّه في مكانٍ ما يساهم من تخفيف التكاليف المادية عن كاهل المواطن الناتجة عن "أزمة الوقود" والتي إستفحلت إلى درجة أعادت إلى أذهاننا مجدداً مشهد طوابير السيارات المتوقفة أمام محطات الوقود لأكثر من 3 مرات في الاسابيع الثلاثة الاخيرة، ما إستدعى تدخل رئيس الحكومة لإيجاد المخارج مع نقابة اصحاب محطات المحروقات في لبنان.

وتتراوح نسبة تخفيض إستهلاك الوقود في السيارات التي يدخل عليها الشاب تقنياته بين 20 و40 %، معرفاً آلية إختراعه: " الـ"ECU TUNING" عبارة عن ضبط رقاقة للتعديل في وحدة التحكم الالكتروني في السيارة (ECU) سعياً لتحقيق أداء أفضل وإنبعاثات أنظف وتوفيراً للوقود، وتتراوح التكلفة بين 200 و300 دولار".



الكاميرا داخل التلسكوب للتصوير عن بعد


وإذ يشدد الشاب على وجوب إبقاء بعض تفاصيل هذا الاكتشاف طي الكتمان، يشدد على تمسكه بمبدئه الاساسي وهو "التوفير" على المواطن، رافضاً الانتقال الى فكرة "التجارة" بقبول الكثير من عرو ض العمل من قبل عدد من شركات السيارات في لبنان، بعد أن اشترطت عليه مبدأ الاحتكار وزيادة تكلفة هذه الآلية.

لبنانيٌ آخر ترددت أصداءُ إنجازاته في وسائل الاعلام العربية والاجنبية في العام 1998، بعدما نجحَ في وضع نظريةٍ جديدة في مجال الاتصالات والهوائيات ونال عنها براءة إختراع من مجمع البحوث والدراسات في روسيا آنذاك، ومن وزارة الإقتصاد اللبنانية في العام نفسه.

إنّه الدكتور اللبناني علي حسين هرموش، الذي أشادت مجموعة من العلماء الروس بدراسته المتميزة، نظراً لتضمنها نظرية جديدة تدحض نظرية وضعها علماء أميركيون كبار عن محدودية إمكانيات الهوائيات، قبل نصف قرن.

هذه النظرية الجديدة ترجمت علمياً بنيل هرموش دكتوراه بدرجة ممتاز في العلوم التقنية من جامعة موسكو آنذاك، لكن هذه الهوائيات الروسية لا تزال حتى اليوم تحمل اسم "المخترع اللبناني علي هرموش" نظراً لمواصفاتها الفنية العالية، وتمتعها بسرعة الاطلاق وإعادتها الى مكانها الاساسي بسرعة.

ويوضح المهندس هرموش: "هذا الجهاز صمم في المجال الترددي (Hand) من 50 الى 20 ميغاهيرتز لصالح لجان وزارة الطوارئ ومراقبة البث الاذاعي، ويطلق اوتوماتيكياً في عدة دقائق، وينطوي على خصائص تميزه عن مثيلاته، ومنها قدرة التوافق المباشر واطلاق إشعاع يفوق ما يصدر عن اجهزة اكبر منه حجماً وله نطاق ترددي واسع".


KIBOTTO قيد الانجاز



إختراع هوائي لأغراض عسكرية ومدنية

ويكشف أنه بالإمكان اوتوماتيكياً إعادته الى وضعه الاساسي، مما يجعله سهل الاستخدام كما إنه خفيف الوزن وصغير الحجم، مما يجعل إستخدامه فوق مركبات متحركة أمراً سهلاً، وهذا أمرٌ مهم من الناحية العسكرية وفي مجال الاغاثة، وخصوصاً مع تحرك مجموعات صغيرة في سيارات او مدرعات، كما يصلح إستعماله لأغراضٍ مدنيةٍ متعددة ومنها الاتصالات الخلوية سواء عبر القواعد الثابتة او المتحركة.

وقد سبق الدكتور هرموش أن ابتكر جهازاً يلتقط 69 قناة، وكتب ونشر حوالى 14 موضوعاً في وسائل الاعلام الروسية في هذا المجال، ونال نتيجتها براءة الاختراع، كما وصدر كتاب له باسم Amtemas (هوائيات).

وهرموش الذي كُرم في لبنان عدة مرات تقديراً لعلمه وإنجازاته ومن بينها نيله "درع الثقافة" من وزير الثقافة والتعليم العالي في العام 1998 فوزي حبيش، لا يزال يتابع أبحاثه في مجال الاتصالات والهوائيات حتى اليوم بين طرابلس وبلدة السفيرة في جرود الضنية، رافضاً الكشف عن مشروع يعمل عليه، كونه لا يزال يحتاج الى دراسة دقيقة وفترة من الوقت، لكنه بالتأكيد سيكون -وعلى طريقة الإبتكارات السابقة- "في خدمة وتصرف أبناء منطقته وبلده لبنان".

وفي إطار تحدي جيل المستقبل اللبناني للشركات اليابانية يبرز مشروع "Kibotto" الجامعي، الذي من المتوقع أن يبصر النور بشكل كامل خلال أشهر قليلة ببصمات مجموعة من الطلاب في فرع هندسة ميكاترونيات في جامعة رفيق الحريري (المشرف - الدامور)، محمّد إبراهيم، أدهم الرفاعي، حسين الجباعي وسمير أبو فخر والأعمال التقنية والميكانيكية، بإشراف الدّكتور بسّام مسلّم.



الشاب يتحضر لضبط رقاقة للتعديل في وحدة التحكم الالكتروني في السيارة


وأطلق الطلاب على إختراعهم إسم "KIBOTTO" أي"شجر الروبوت"، حيث تعني "KI" شجرة باللغة اليابانية، والشق الثاني من الكلمة يعني الروبوت.

ويعرف إبراهيم "KIBOTTO " بالقول: "آلة متطوّرة مخصصة لزراعة شتول الأشجار، ويتألف الرّوبوت من 4 تقنيّات رئيسيّة: الأولى هي آلة للحفر في التّربة والّتي يمكن الحفر فيها حتّى عمق 40 سم، التّقنية الثّانية المسؤولة عن حفظ الأشجار بداخلها وتحريكها إلى الآلة الثّالثة، التي تعتبر أهمّ جزء في الرّوبوت Kibotto، حيث تعمل على إنزال الاشجار إلى داخل الحفرة إضافة إلى طمر التراب والضغط عليها، وصولاً إلى الآليّة الرّابعة المتمثّلة بالرّي.

من جهته يوضح الجباعي أن المشروع نال اعجاب رئيس مصلحة الابحاث العلمية الزراعية الدكتور ميشال افرام، الذي أكد لنا أنه عند الانتهاء منه سيتم اعتماده في الاراضي التابعة للمصلحة، فيما أبدى العديد من المزارعين في البقاع إعجابهم به، نظراً لأنه يفيدهم كثيراً لا سيما من جهة التخفيف من تكاليف اليد العاملة، لافتاً إلى أنه ومن بين الاشجار التي بإمكانه زراعتها الكرز والاجاص والخوخ والزيتون والتفاح.

Kibotto ينتظر دعم الدولة

أما الرفاعي فيشير إلى أن نتائجه تظهر في الحقول الزراعية الشاسعة والأراضي الجرداء، فمنطقة البقاع مثلاً بحاجةٍ الى ادخال زراعة "مصدات الرياح" وهي عبارة عن زراعة الاشجار حول الاراضي الزراعية ومن بينها الحور والسرو، معتبراً أن هذا كفيل بالتخفيف من الرياح واعطاء الرطوبة للأراضي ما يخفف من كميات المياه المطلوبة للإنتاج الزراعي وهذا ليس موجهاً الى لبنان فقط بل لإفريقيا واميركا وبعض الدول الاوروبية.

ويشدد الرفاعي على أنه في حال وصلنا الى مرحلة الانتاج الضخمة والمنتظمة، فإن سعره سيكون أقل بكثير من 20 الف دولار علماً أن صيانته سهلة وتصميمه عالي الجودة.



هوائي المخترع اللبناني علي هرموش


أبو فخر من جهته، يرى أن Kibotto اليوم بحاجة إلى الدّعم المادّي لاستكمال العمل الكهربائيّ والبرمجيّ. كاشفاً أن تكاليف المرحلة الاولية ناهزت الـ3500 دولار، من دون ان ننسى أن الجامعة تبنت المشروع وهي تتواصل مع الجهات المعنية والشركات المتخصصة كي نحصل على الدعم قدر الامكان، حيث واكبت أبحاثنا طيلة 6 أشهر حول نوعية الشجر المطلوب ادخالها في المناطق اللبنانية، متمنياً تلقي الدعم من وزارتي الزراعة والبيئة ودعماً أكبر من وزارة الصناعة، دعم يخولنا المشاركة في مسابقات دولية على امل ان نرفع اسم لبنان عالياً في المحافل الدولية.

وفي الختام إلى متى سيبقى لبنان مستمراً في إدارة ظهره لإختراعات أبنائه؟، وهذا لا يحصل بالطبع في الكثير من بلدان العالم، حتى أننا ما زلنا نتميز وننفرد به عنها، حتى أن بعض الدول تخصص ما بين 10 إلى 20 في المئة من موازنتها لإكتشافات أبنائها العلمية دعماً وتمويلاً وتجهيزاً وتقنياً وتفتح الآفاق لتطويرها، يقابلها اقل من 2 في المئة في موازنات لبنان للهدف العلمي- البحثي عينه. وهل نحن اليوم متصالحون ومتنغامون مع أنفسنا إلى درجة بات لا يعنينا إن هاجرت هذه الادمغة قسراً إلى الخارج؟ وتركتنا متصالحين مع... أنفسنا ومع غيابها؟