منير يونس

10 حقائق تنسف هرطقات رياض سلامة ويوسف خليل

30 أيار 2022

02 : 00

لم يبقَ في جعبة سلامة الكثير!

إنخفض سعر صرف الدولار في السوق الموازية (السوداء)، من نحو 37 الف ليرة الى 27 الفاً في أقل من 24 ساعة خلال يومي الجمعة والسبت الماضيين. جاء ذلك بعد بيانين لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أكد فيهما "أنه وفقاً للتعميم 161 ولمادتين في قانون النقد والتسليف تسمحان له بالتدخل في سوق القطع، سيلبي طلبات الدولار على منصة صيرفة اعتباراً من اليوم الإثنين. وعلى المصارف ابقاء فروعها وصناديقها مفتوحة حتى السادسة مساء لمدة 3 أيام لتلبية طلبات المواطنين من شراء الدولارات ودفع معاشات الموظفين بالدولار على سعر صيرفة".

1 - بري يدعو... سلامة يستجيب... والشعب يفرح!

كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل يوم واحد من "مفاجأة اعلان رياض سلامة استعداده إغراق الاسواق بالدولارات" دعا الى جلسة تعقد غداً الثلاثاء. وهي الجلسة الاولى للمجلس الجديد لانتخاب رئيس البرلمان ونائبه وهيئة مكتبه. يا للمصادفة السعيدة! كما لو أن هذا الاستحقاق مطلوب تمريره بهدوء، بلا شوشرة دولار ولا هوبرة ثوار!

بعد ذلك، لكل حادث حديث، مع تبريكات للعودة الميمونة الى جلخ السكين وحز البطيخ!

2 - كان ميقاتي استفاد أيضاً

من الشيء بالشيء يذكر

واذا الشيء بالشيء يذكر، فسعر صرف الدولار في أيلول الماضي كان ارتفع كثيراً في السوق السوداء عشية تكليف نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة. فاذا بمصرف لبنان يتدخل لينخفض السعر من نحو 20 الف ليرة الى 14 الفاً في ايام قليلة. فمرت الايام والاسابيع الأولى على حكومة ميقاتي برداً وسلاماً في سوق القطع، ثم عاد وارتفع فتدفقت دولارات لزوم الانتخابات.

3 - إنتخابات كلفت نحو

ملياري دولار من أموال المودعين

فالمتابع لبعض الاحداث السياسية، يجد رابطاً ما، بين تلك الأحداث وتدخل مصرف لبنان في سوق الصرافة. وهذا ما ظهر بوضوح في كانون الثاني الماضي، عندما بلغ سعر الدولار نحو 33 الف ليرة. فتسربت معلومات عن طلب سياسي من سلامة التدخل لضبط السوق في الاشهر السابقة للانتخابات النيابية. واتضح لاحقاً ان الكلفة بلغت نحو ملياري دولار من احتياطي العملات الاجنبية. فكم ستكلف اعادة انتخاب بري رئيساً للبرلمان مما تبقى من اموال المودعين؟ وماذا عن الكلفة اذا امتد الفراغ الحكومي أشهراً طويلة؟ وماذا عن كلفة الفراغ الرئاسي الممكن وقوعه؟

4 - قضاء رحيم مع سلامة... وسلامة كريم مع الشعب

ومن محاسن الصدف ايضا، ارجاء القاضية آرليت تابت الخميس الماضي جلسة استماع لحاكم مصرف لبنان، في قضية مرفوعة ضده، الى كانون الاول المقبل. تخلّف سلامة عن الحضور امام القاضية بحجة ارتباطه باجتماع للمجلس المركزي. وتزامن ذلك ايضاً مع احالة القاضية غادة عون الى هيئة التأديب القضائية، وهي المشهورة بملاحقتها لرياض سلامة، لمخالفتها موجب التحفظ وفضح سرية التحقيقات...

في اليوم التالي لتأجيل جلسة الاستماع الى سلامة، اصدر الاخير البيانين المذكورين اعلاه، وكانا سبب انخفاض سعر صرف الدولار. فهل هي محض صدفة؟ ام ان سلامة أراد عمداً صعود الدولار الى قمة ما تعلو معها صرخات ودعوات التدخل الذي ربطه رعاته بتأجيل استجوابه، وكان لهم وله ما أرادوا؟




يوسف خليل يحاول... ولكن!



5 - الوزير خليل يقول "أي كلام" ويتجاهل الحقائق

بالتزامن مع اصدار بياني الحاكم، صرح يوسف خليل وزير المالية قائلاً "إن الوزارة وبالتعاون مع مؤسسات مالية دولية قامت بمختلف تقنياتها بمحاكاة لسعر الصرف، وجميعها تطابقت مع سعر الصرف المحدد على منصة صيرفة الى حد كبير". وأضاف: "الصرف في السوق السوداء لم يتجاوز حجمه 5 ملايين دولار، فيما يتعدى حجم التداول على منصة صيرفة عشرات ملايين الدولارات يومياً".

ما قاله الوزير تنقصه الايضاحات، مثل ان منصة صيرفة بدأت عند 12 الف ليرة قبل سنة، فلماذا ارتفعت أكثر من 100% منذ ذلك الحين وتجاوزت في الأيام الماضية 24 الف ليرة للدولار؟ إن لصعود الدولار مقابل الليرة 100% في سنة أسباباً اراد يوسف خليل تجاوزها وهو يعلمها. ويعرف تماماً انعدام ثبات وقلة فعالية منصة صيرفة، وعدم قدرتها دائماً على تلبية كل الطلب على الدولار. فيتجه ذلك الطلب الى سوق موازية ترتفع فيها الاسعار، وتلحق المنصة بذلك الارتفاع مرغمة وبشكل حثيث محسوس.

٦ - تعودوا على دولار

فوق الـ24 ألف ليرة... ولاحقاً أكثر

ثم ان الوزير خليل ادعى أن مؤسسات مالية دولية أكدت ان سعر المنصة هو الأقرب الى السعر المطابق او المتطابق. "متطابق" مع ماذا يا معالي الوزير؟ الجواب ضمناً وهو أن على اللبنانيين التأقلم مع سعر المنصة، السعر الذي سيعتمد في المرحلة المقبلة التي سيرافقنا فيها صندوق النقد على مستويات عدة منها توحيد اسعار الصرف لا محالة. ولم يقل لنا الوزير المفوه إن ذلك السعر صعب المنال إلا بشروط قاسية جداً جداً، ومؤلمة جداً جداً، كما ورد في الشروط التي وضعها الصندوق ووافقت عليها الحكومة. والا سيستمر سعر الصرف على المنصة بالارتفاع مثلما ارتفع من 12 الفاً إلى أكثر من 24 الفاً في سنة، وربما بعد سنة سنتحدث عن 48 ألفاً. كما ان الوزير خليل نفسه يعرف هشاشة هذه المنصة التي اعتمد فيها على سعر 20 الف ليرة عندما أعد موازنة 2022 ثم صعد السعر اكثر... فتورط وسحب بند الدولار الجمركي من التداول!



7 - 1.5 مليار دولار

لا يجدها التجار والمتداولون

إلا في السوق السوداء

الى ذلك، يستخف الوزير خليل بمبلغ 5 ملايين دولار يومياً في تداولات السوق السوداء، ونسي ان ذلك الملبغ قد يصل سنوياً الى أكثر من 1.5 مليار دولار، اي 13% من قيمة الاستيراد، وهي نسبة ليست هامشية في سوق صغير. فاذا تعذر الحصول على 1.5 مليار على سعر المنصة، المشوبة بشوائب ومنخورة بثغرات وموسومة بألاعيب ومتهمة بمحسوبيات الأفضليات...، فان طالب الدولار سيتجه حتماً الى السوق الموازية التي ستتحكم به حكماً وفقا لقاعدة الشح والندرة. والظن مشروع في ان الوزير خليل يعلم هذه القاعدة السائدة في بلد عشوائية التسعير واقتناص الفرص غير الشرعية، فرص تضخمت كثيراً مع سوء معالجات الأزمة وضربت أطنابها في طول الأسواق وعرضها من مصرف لبنان إلى أصغر دكان.

8 - نصرف من أصل ناضب... وسلامة: غداً بعلم الغيب

واليوم لي!

لمناسبة الحديث عن سعر المنصة، فان صعوده مرتبط ايضاً بما تبقى من دولارت في الاحتياطي او التوظيفات الالزامية في مصرف لبنان. وبديهي القول انه مع تناقص تلك الدولارات تتراجع قدرة مصرف لبنان على التدخل بقوة. وكان شمّر عن ساعديه غير مرة وتحمّس، ثم اكتشف انه يقاتل بـ"اللحم الحي" كما يقال بالعامية اليائسة من أي اصلاح ستقدم عليه هذه السلطة، وهي الأعجز عن تلبية شروط صندوق النقد. لا بل إن اطرافاً سلطوية أساسية طعنت بالاتفاق عندما تحدثت بشعبوية ومزايدات عن "الودائع المقدسة"، أو عن انشاء صندوق سيادي يضم اصول الدولة لتعويض المودعين. فالمقترحان المذكوران، من بنات خيال مشعوذي السياسة والمال، مرفوضان من صندوق النقد الذي وافق على تعويضات محدودة للمودعين من دون المس بأصول الدولة، والا فلا يستمر الصندوق بالاتفاق مع لبنان وفقاً لورقة التفاهم معه الموقعة بداية نيسان الماضي. لكن سلامة يصرف من أصل ناضب وينشد مع عمر الخيام: غداً بعلم الغيب واليوم لي! 





9 - تجفيف وتنشيف الليرة...

ومع ذلك يتهاوى سعرها

وبالعودة الى حديث الوزير خليل، وهو تلميذ نجيب لحاكم مصرف لبنان، هناك اشارة أيضاً إلى قوله "إن شح توافر الليرة وتوافر الدولار بشكل متزايد يفترض ان يؤدي الى نتائج عكسية، أي انخفاض سعر صرف الدولار". وبذلك يعترف الوزير ان الحاكم يستخدم أدوات لتخفيف، أو تجفيف، الكتلة النقدية بالعملة الوطنية، في ما يشبه الكابيتال كونترول غير القانوني. والمقصود هنا تقنين السحوبات ووضع سقوف للعمليات حتى بات صرف شك مصرفي بالليرة يتعرض لحسومات من قيمته وصلت الى الثلث احياناً. وما صرخات المستشفيات الآن، وغيرها من القطاعات، إلا بسبب تشحيح الدفعات والسيولة بالليرة. ما يعني ان لسياسة سلامة آثاراً سلبية تطال قطاعات حيوية. ورغم التجفيف يصعد الدولار في السوق السوداء! لذا فالمسألة أكبر من معادلات نقدية وحسابات ضيقة للسيولة المتاحة من هذه العملة او تلك. انها متعلقة بالثقة بالعملة اللبنانية عموماً، وباجراءات مصرف لبنان خصوصاً والتي باتت تلحق السوق في غالب الاحيان ولا تؤثر فيه الا آنياً وفقا لقرارات سياسية.

وبحساب بسيط افتراضي، يمكن القول انه باستطاعة البنك المركزي العودة الى سعر 1500 ليرة للدولار اذا اراد شراء كل الكتلة النقدية المتداولة بالليرة والبالغة نحو45 الف مليار ليرة، ولا يكلفه ذلك أكثر من 1.6 مليار دولار. بيد أن المسألة أعقد من ذلك بكثير، ومتعلقة بالثقة بالغد وبالمستقبل القريب ثم المتوسط والبعيد. اذ لا شيء يشي حالياً بأن الغد أفضل. وبالتالي، أي اجراء نقدي لا يعدو كونه وقتياً او موضعياً بمفاعيل آنية محدودة في ظل غياب تنفيذ خطط الانقاذ الفعلية!

10 - الغريق يتعلق بقشة... والساقط في فراغ "يتعمشق" بحبال الهواء!

وحيث أن الأفق السياسي المحلي شبه مسدود، وحيث أن لا اصلاحات جذرية في الأفق، وحيث أن شراء الوقت سهل من أموال المودعين، فإن الغريق يتعلق بقشة والساقط في الفراغ يتعلق بحبال الهواء. فتأتيك "خبريات" مثل ان الصيف سيشهد تحسناً بسعر صرف الليرة مع سياح ومغتربين سيغرقون الاسواق بالدولار. ومثل شائعة أن السعودية ستودع مليار دولار في البنك والمركزي، ومثل أن اتفاق فيينا النووي سيغرقنا بالمال، ومثل أن المجتمع الدولي لن يتركنا أبداً... مثل هذه النغمات تاريخية وفولكلورية في لبنان المنكشف على الخارج والمعتمد على عوامل غير ذاتية، ويعيش مجتمعه بأكمله على التعويل على موسم من هنا وحدث استثنائي من هناك. مع قلة وعي صارخة بأن أحد أبرز اسباب أزماتنا هو ذلك الانكشاف اللعين على الخارج !


MISS 3