يثير خبر موافقة حاكم مصرف لبنان على تحويل الاموال في صندوق تعاضد القضاة المقدرة بـ60 مليار ليرة، من العملة الوطنية إلى الدولار على سعر صرف 1500 ليرة، تساؤلات أكثر مما يقدم أجوبة. فبأي حق تعامل فئة من المودعين مهما علا شأنها خلافاً لبقية شرائح المجتمع سواء انتموا إلى القطاع الخاص أو العام؟ وهل هذا الامر نتج عن صرف نفوذ واستغلال للموقع للضغط على حاكم "المركزي" لتحقيق الاستفادة؟ أسئلة كثيرة مشروعة تثير الامتعاض والشبهات في آن، ولكنها "لا تقدم حكماً مبرماً على حقيقة ما يجري والهدف من ورائه"، بحسب رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر، إذ "لا يمكن فهم ما جرى من خلال النظر من زاوية واحدة بل يجب إحاطة الموضوع من كل جوانبه".
الزاوية الاولى، تتعلق بالتوقيت والجهة الطالبة حيث حولت أموال في المصارف من الليرة إلى الدولار (اللولار) بطلب من النائب العام المالي بعد أكثر من سنتين على اندلاع الازمة. وفي الوقت الذي يجري فيه العمل على خطة تعاف جديدة تحت مسمى استراتيجية النهوض بالقطاع المالي، ومذكرة بشأن السياسات الإقتصادية والمالية تتضمن في أحد بنودها توحيد سعر الصرف على أساس منصة صيرفة.
الزاوية الثانية، تتمثل في شكوى القضاة المحقة من وصول صندوق التعاضد الخاص بهم إلى مستويات خطيرة جداً. واصبح يهدد جدياً بالعجز عن تأمين أبسط متطلباتهم الحياتية مثل الطبابة وتأمين التعليم لأولادهم. وما تبقى من قضاة كفوئين يتجهون إلى ترك السلك القضائي في حال لم تتحسن أوضاعهم، والصندوق يمثل احدى ركائز استقلاليتهم المالية.
الزاوية الثالثة، تنطلق من افتراض حماية ما تبقى من حقوق ومصالح للقضاة للابقاء عليهم في السلك القضائي والمحافظة على الحد الأدنى من استقلالية القضاء. خصوصاً مع دورهم المحوري المعول عليه مستقبلاً في تطبيق القوانين ولا سيما منها المتعلق بمكافحة الفساد والمحاسبة.
الزاوية الرابعة، تتعلق بمصير بقية الصناديق مع إعادة هيكلة المصارف وتطبيق الخطة الاقتصادية، وإن كانت ستخصص بمعاملة خاصة، كونها تعود لنقابات وهيئات تهدف للحماية الاجتماعية وليس للربح، وهي تشكل ركيزة لأي خطة تستحدث شبكة امان اجتماعية.
وعليه يرى ضاهر أنه على الرغم من أن ما جرى مع القضاة يثير الانزعاج من بقية فئات المودعين، ويمثل نوعاً من أنواع اللاعدالة، إلا أنه يتطلب النظر إليه من جميع الزوايا وليس من زاوية التمييز فقط. وفي جميع الحالات يندرج ما جرى في خانة التدابير المجتزأة التي تعمق المشكلة بدلاً من حلها، وبالتالي يقتضي الشروع السريع في درس خطة شاملة وموضوعية وتشاركية تعالج كل المواضيع في آن ولا تستثني أحداً أو تميز البعض على حساب الآخرين.