طوني فرنسيس

"الوسيم" الأميركي والغاز الذي تأخر وصوله

16 حزيران 2022

02 : 00

عندما انهى «الوسيم» الأميركي آموس هوكشتاين جولة مباحثاته الأولى في بيروت، كان الاتحاد الأوروبي، والدولة الايطالية ينهيان مباحثات مهمة في اسرائيل قريبة في مضمونها من الهدف الذي يتحرك الوسيط الأميركي من أجله.

أورسولا فان دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ووزيرة الدفاع الألمانية السابقة، حطت في تل ابيب في مهمة عنوانها البحث في التعاون المستقبلي في شؤون الطاقة، وبشكل أكثر تحديداً في امكانية تزويد اسرائيل دول الاتحاد الاوروبي بالغاز بعد ان سار الاتحاد في طريق الاستغناء عن الغاز الروسي. وماريو دراغي رئيس الوزراء الايطالي جاء الى تل ابيب في التوقيت عينه للبحث في الموضوع نفسه، حيث ان بلاده تعتمد بنسبة عالية على الغاز الروسي وهي تبحث الآن عن مصادر اخرى. وقد وقعت اتفاقاً مع الجزائر وتباحثت مع دول افريقية، وها هي تبحث مع اسرائيل في امكانية استيراد غازها المنهمر من اعماق شرق المتوسط!

كانت اسرائيل ولبنان صفراً في موضوع الغاز مطلع الألفيّة الجارية. لكن الدولة العبرية سارت في طريق ولبنان غرق في طريق آخر. لم يتحول التحرير الذي أنجز في عام 2000 من دون شروط الى محطة للنهوض الوطني وبناء الدولة القادرة في لبنان، بل صار مدخلاً الى عقود جديدة من التوتر الداخلي والاستعمالات الإقليمية، ما قاد البلد برعاية من طبقة السماسرة والمرابين والمتسلقين، وبحماية الميليشيا الى خراب عميم. في الوقت نفسه انصرف «العدو الصهيوني الغاصب» الى تثبيت وتطوير علاقاته الإقليمية، ولم يتأثر ذلك بسياسته المعادية بقوة الشعب الفلسطيني، وانخرط في عملية ضخمة للتنقيب والانتاج جعلته في مصاف الدول المصدرة للغاز بعد ان كان يبحث عنه وعن الماء. في أقل من عقدين بات «الكيان» دولة منتجة للغاز والنفط. مصر بدورها طوّرت حقولها وصارت دولة مصدرة، والدولتان اسستا «منتدى شرق المتوسط للنفط والغاز» وهما الآن تتجهزان للاستجابة لأوروبا وتزويدها بما تحتاجه. خلال تلك السنوات كان لبنان الذي نسي غازه، يعادي دولاً عربية وينعزل عن العالم، وكانت اسرائيل تنسق مع مصر للاستفادة من معامل الغاز فيها، وتبحث معها ومع قبرص واليونان في مد خط النفط المتوسطي الى اوروبا، وكانت ايضاً تستعيد علاقات الصداقة مع تركيا وتناقش مع انقرة احتمال انبوب تركي اسرائيلي الى القارة العجوز. لم يتأخر لبنان في البحث عن ثرواته بسبب المؤامرات الصهيونية والى ما هنالك من مواصفات. صحيحٌ ان اسرائيل دولة معتدية وطامعة، لكن مسار السنوات العشرين الماضية، أو العشر على الأقل لم تكن نتائجه متناسبة مع خطاب القوة والاقتدار اللبناني، ولا مع الحقوق البديهية المفترضة. هناك اسباب أخرى تتصل بمناكفات وحسابات القادة الالهيين الذين أبتلي بهم بلد الارز والغاز.

المهم الآن عاد الوسيط الوسيم، والتقط صوراً وسيمة، واختصر في ما صرح به أين نحن الآن. وفي قوله ان لبنان كان يمكن ان يطلب ما طلبه في حزيران 2022 في شباط 2020 أو حتى في زمن هوف. المهم في النهاية بدء حل هذا اللغز البحري من دون التخلي عن ذرّة من الحقوق.


MISS 3