د.أحمد الشحات

لعنة القوى الكبرى في أروقة المؤسسة الأممية

23 حزيران 2022

20 : 09

شكلت منظمة الأمم المتحدة التي تحتضن 193 دولة في عضويتها الإطار السياسي والأمني للنظام الدولي القائم على الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وترتكز على مجلس الأمن المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، الأداة الدولية التي يعتمد على الأعضاء الدائمين (الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا)، إلا أن بقاء حق النقض "الفيتو" بيد الدول الكبرى المهيمنة أفقد المنظمة الأممية قيمتها وديمقراطيتها.



ورغم نشأة مجلس الأمن بترسيخ مفاهيم السلم والأمن الدوليين، إلا أن منطق الصراع وقانون الغاب هو ما يحكم العالم فعلياً فى ظل الفيتو.



ولعل أسوأ الأمثلة على استخدام حق الفيتو من قبل أميركا عشرات المرات، من دون أي سند قانوني وأخلاقي وشرعي ضد حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال. مقابل استخدام الصين وروسيا الفيتو في مجلس الأمن الدولي لعرقلة أي قرارات ترتبط بشكل كبير بمصالحهما ومخططاتهما المشتركة ودعم حلفائهما. ومؤخراً سمح فيتو موسكو لها بشلّ أي تحرّك ضدها في مجلس الأمن الذي يفترض أن يتدخل في هذا النوع من النزاعات كضامن للسلام العالمي.



وهناك بعض الإحصائيات تشير تقديرياً بأن عدد مرات استعمال حق النقض بلغ 293 مرة. استخدمه الاتحاد السوفياتي، ووريثته روسيا 143 مرة، والولايات المتحدة 83 مرة وبريطانيا 32 مرة وفرنسا 18مرة، بينما استخدمته الصين 16 مرة.



وللحقيقة لم تكن روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن، هي الدولة الوحيدة التي لجأت إلى استخدام القوة المسلحة كوسيلة لتسوية نزاعها مع دولة أخرى، وذلك بالمخالفة لقواعد القانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، فالواقع أنه سبق لكل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ربما باستثناء الصين، أن فعلت الشيء نفسه في مناسبات مختلفة كثيرة ومن ثم لا يحق لأي من القوى الكبرى المتنافسة على الساحة الدولية ادّعاء العصمة أو التفوّق الأخلاقي على هذا الصعيد.



غير أن الأزمة الأوكرانية كانت المناسبة التي استخدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لفرض عقوبات شاملة على روسيا، بالمخالفة أيضاً للقانون الدولي ولميثاق المنظمة الأممية. فالعقوبات جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الجماعي، ومن ثم لا ينبغي أن تفرض إلا من خلال مجلس الأمن.



وختاماً: في ظل حرص الدول الكبرى على تشكيل النظام الدولى ومعالجة قضاياه طبقاً لأهوائهم ومخططاتهم دون النظر لتداعيات هذه التحركات على الدول الأخرى خاصة النامية منها والتي تدفع فاتورة باهظة في النهاية على حساب إستقرار ورخاء شعوبها، الأمر الذي يفرض على الدول متوسطة القوى والتي تتميز بنفوذها الإقليمي على الأصعدة المختلفة إمكانية تشكيل كيانات موازية في إطار تحالفات قوية، تبرز من خلالها دورها وتأثيرها بحيث تصبح رقماً هاماً في المعادلة الدولية يعتدّ به في أي قرارات مستقبلية تساهم بشكل مباشر في تشكيل النظام الدولي.



* مدير مركز شاف للدراسات المستقبلية

[email protected] 

MISS 3