رفيق خوري

سياسة الإنهيار الإقتصادي واقتصاد الإنهيار السياسي

13 تشرين الثاني 2019

10 : 52

ليس من السهل تضييع الموضوع في قضية الثورة الشعبية السلمية على طريقة ما يسميها الفرنسيون سياسة "إغراق السمكة". فلا اتهام الثورة بأنها "مسيّرة" من خارج الحدود سوى تغطية للخوف من كونها عابرة للطوائف والمناطق. ولا تقزيم مطالبها بالتركيز على مكافحة الفساد سوى تجاهل العارف لطبيعة الأزمة وعمقها الوطني والسياسي قبل سطحها المالي والإقتصادي، وللعناصر المتكاملة التي يحتاج إليها الحل. والكل يعرف أن الحد الأدنى للنجاح في مكافحة الفساد هو البدء من حكومة غير فاسدة، وقضاء نزيه ومستقل وقوانين قوية، ومجلس نيابي يمثل الذين صوتوا بأقدامهم في الشارع. فالثورة الشعبية تحتاج إلى ثورة دستورية. و"الإنتخابات ثورات دستورية، وكل جيل هو شعب جديد" كما قال الكسيس دو توكفيل. إذ كيف تكافح الفساد في فراغ سياسي أو في مناخ سياسي فاسد؟ وكيف نبني طبقة ثانية في الهواء من دون بنية تحتية وطبقة أولى؟

ذلك أننا ضحايا سياسة دفعتنا على مدى سنوات إلى حافة الإنهيار المالي - الإقتصادي. ونخشى أن يقودنا الإنهيار المالي والإقتصادي إلى انهيار وطني وسياسي. فما يتم على أساسه "تقييم رجال الدولة ليس فقط أفعالهم بل أيضاً مفهومهم للبدائل" حسب الدكتور هنري كيسينجر. وما ندفعه في لبنان هو أثمان كثير من الأفعال ومن اللاأفعال. وما نفتقده هو البدائل. فلا بدائل فعلية من سياسات مالية واقتصادية نقلت لبنان من حال "شعب غني ودولة فقيرة" إلى حال شعب فقير ودولة غارقة في الديون وقلة صارت ثرية أو ازدادت ثراء على حساب الشعب والدولة. ولا بدائل، حتى الآن، من حكومة فاشلة أسقطها الشارع قبل أن يستقيل رئيسها.

والسؤال هو: ماذا يعني خوف "الأقوياء" من البقاء خارج حكومة مصغرة لمرحلة انتقالية ترضي الشارع وتطمئن المستثمرين المنتظرين وتطبق الإصلاحات المطلوبة منا قبل "سيدر"؟ هل هو مجرد تمسك بحق الأحزاب في التمثيل داخل الحكومة أم أنه أيضاً حرص على أخذ لبنان بالتقسيط إلى "المحور الإيراني"، الذي يقول إن موازين القوى تميل لمصلحته في مواجهة "المحور الأميركي – السعودي"، مع أن الثورة خارج المحورين؟ مهما يكن، فإن هذه وصفة لتعميق المأزق المالي والإقتصادي والسياسي.

في خمسينات القرن الماضي اختصر رجال النفط السياسة الأميركية بشعار: "ما هو ملائم لستاندرد أويل ملائم للولايات المتحدة". ولا أحد يجهل كلفة التسليم بأن يصبح الشعار–الواقع عندنا هو: "ما هو ملائم للمحور الإيراني ملائم للبنان".


MISS 3