مجيد مطر

الدستور يناديكم

29 حزيران 2022

02 : 00

على ما يبدو لا قطبة مخفية في نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة، التي أفضت إلى تكليف الرئيس ميقاتي مجدداً. ولا حاجة بنا للقفز إلى استنتاجات تتجاوز الواقع وتبالغ فيه، طالما انه يمكننا وصف مرحلة التكليف بمنطقة مناورة حرة للجميع، يعبر كل طرف فيها عن نفسه بحرية وبدون التزامات، وذلك في ظل بدعة أن عدم التسمية في الاستشارات الملزمة او اختيار شخصية غير الذي رسا عليها الاختيار، لا يلزمان بعدم المشاركة في الحكومة ومفاعيل تشكيلها. وهذا ما يحاول الوزير باسيل ان يبيعه لجمهوره، ليبدو للوهلة الاولى انه ضد ميقاتي تكليفاً، بيد انه على قدم وساق في التأليف ونيل الحصص. وكون هذا الجمهور قد اعتاد بذاكرته المثقوبة، لعب دور الزوج المخدوع باستمرار، ليبتلع سعيداً مناورات رئيس تياره المسمومة، وينتشي بانتصارات وهمية لا تُصرف في الميدان السياسي اللبناني، فمن السهل تعرية ذلك السلوك المصلحي الذي لا يقيم وزناً لا للصالح العام، ولا لمعاناة الشعب الغارق في متاهات جهنمية وأزمات قاتلة.

وفي تقدير دقيق لما سيحدث في القابل من الايام، يبدو أن المستقتل على السلطة توزيراً وتعيينات ادارية هو باسيل نفسه، الذي يبزُ الرئيس ميقاتي في هذا الخصوص. وبالعودة إلى صلب قضية التكليف وما يترتب عليها من احتمالات قد تكون مفتوحة على أكثر من إتجاه، نجد بداية ان الرئيس ميقاتي قد حول قوة خصمه العوني والتي يعتمدها بالأساس إلى قوة لنفسه، وقد نجح الرئيس ميقاتي في رهانه على لعبة الثوابت لدى «حزب الله»، بأن يعطي تأكيداتٍ واسعة ومتنوعة، بانه قد بات حاجة وجودية للحزب، قياساً على تجربة حكومة حسان دياب الكارثية التي كشفت هزال الفكر السياسي وضيق ذات اليد لـ»حزب الله» ما أفقده القدرة على المناورة واعطاء الوعود، إن على صعيد حلفه الممانع، او على صعيد الخارج الذي يضغط في اتجاه التسهيل في تشكيل الحكومة ذات الاشهر القليلة، قبل الدخول السريع في انتهاء ولاية هذا العهد، وذلك بغية التخفيف من الآثار الكارثية في حال عدم انتخاب رئيس جديد للبلاد، في المهل الدستورية المحددة والملزمة للجميع.

فقد عاد الحديث مجدداً عن صعوبة التأليف، من خلال مطالب ومطالب مضادة، لا تتيح تجاوز الدستور فقط، انما تهميشه والغاء الزاماته الديمقراطية التي تفرض منطقياً قيام حكومة اكثرية، كون هذا النوع من الحكومات هو الاكثر ملامسة للديمقراطية بمعناها الواقعي، فلا ديمقراطية بلا رقابة ومحاسبة، ومِكنة في تنفيذ الوعود الانتخابية التي على اساسها يتم الاختيار، وعلى اساسها تتم المحاسبة.

اما تلك الحكومات «الروبوتية» التي تسمى «حكومات وحدة وطنية» فلا يمكن فرضها في كل زمان ومكان، فمثل هكذا حكومات تكون نتاجاً لظروف سياسية او اقتصادية او امنية، قد تؤثر على الامن القومي للبلد او على استقراره، بحيث تتجاوز الاحزاب والمكونات السياسية برامجها السياسية، للتصدي للمخاطر الآنية والمحدقة، كاولويات ملحة، اما من جهة الشعب، فإنه يتفهم وظيفة تلك الحكومات، لا بل يدعو اليها للحفاظ على رفاهيته ومكتسباته في مواجهة التحديات. هذا هو مبرر الحكومات الجامعة، والذي تفرضه الضرورات، لا أن تصبح حكومات الوحدة الوطنية وسيلة للتهرب من المسؤولية، والحكم ببلاش تحت شعارات فارغة من قبيل «ما خلونا»، او دعوة بعض المسؤولين الى تأمين مستلزمات العيش، والعجب العجاب ان نسمع من هم في قلب السلطة يطالبون بتأمين الخبز والكهرباء وسائر الامور الحياتية الاخرى، وبيدهم القرار.

ففي ظل موازين القوى الراهنة، وبناء على بعض المحطات السابقة، لا يستطيع مجلس النواب الحالي، وتحديداً في شقه التغييري والسيادي، كسر تلك الحلقة المفرغة من السلوك التعطيلي الذي يضرب روح الدستور، بما هو الناظم للمجتمع وللنظام السياسي في أي دولة، الامر الذي يثبت أن العلة ليست في النص بل بتطبيقه.

فكل ما يفرضه الدستور ليس مطلوباً بذاته، أي الفن للفن، بقدر ما هو وسائل سياسية، تتيح اعادة تكوين السلطات المنوط بها ادارة شؤون الدولة والشعب في الداخل والخارج، في ظل فصل السلطات وتوازنها.

إن الدستور يناديكم، ينادي كل صاحب مصلحة في انتاج حكم، مسؤول، وانتاج رجال دولة، يلزمون انفسهم قبل الآخرين، باحترام القانون، وبتداول السلطة، وتقديم الصالح العام على الخاص. وقبل ان يناديكم الدستور، فإن الفقراء المقهورين ينادونكم من تحت اعماق البحار، ومن تحت ركام الابنية المتهالكة، بأن كونوا ايها المسؤولون، ليوم واحد، احرارا في دنياكم.

MISS 3