شانتال عساكر

"من قتل يوسف بيدس؟" الجواب في مركز بيروت للفنّ

5 تموز 2022

02 : 01

صورة الطاولة السوداء

بنى يوسف بيدس، الفلسطيني من والدةٍ لبنانية، إمبراطوريةً مصرفية تمثّلت ببنك "انترا"، كاسباً ثقة العالم بدءاً من اللبنانيين ليجتاح العالم العربي وصولاً إلى الأسواق المالية الأميركية. لماذا اختارت المخرجة كريستيل خضر "من قتل يوسف بيدس؟"عنواناً لتجهيزها التفاعلي، الذي يعرض في "مركز بيروت للفنّ" (Beirut Art Center) من 24 حزيران إلى 16 تموز؟

تعمد كريستيل إلى وضع إسقاطاتها العاطفية في ميزان حسابات شبيهة بتلك الموجودة في المصارف، فبدت كالعشيقة المذلولة والخنوعة أمام عشيقها ترجوه ليعطيها بعض الإهتمام. تتلو عبر مذياعٍ بلغة بسيطة مرادفات من القوانين المالية المتعددة، كـ"رهن" و"استعارة" و"دين" و"سندات"، كتبت عليها مشاعر مراهقة أتعبها تعدّد عشّاقها. تظهر هذه الرمزية على أنّها بسيطة جداً، فتذكّرنا بالسذاجة المعتمدة لدى الدادائيين في التفكير بالعمل الفني.




ملصق التجهيز التفاعلي



سألنا المخرجة عن الأهداف المرجو تحقيقها من هذا العمل، فأجابتنا قائلةً: "كل أعمالي السابقة والحالية واللاحقة لا هدف منها"، تاركةً للجمهور حريّة اختيار الهدف إن وجده.

امتدّ العرض على مدى نصف ساعة، مُنعنا خلاله من حمل هواتفنا وتصوير التجهيز الذي حوّلنا إلى فئران في مختبرها العبثي. ثمّ قامت بتصويرنا من دون موافقتنا وأملت علينا أفعالنا من دون ترك الحرية للتفاعل في ما بيننا أو معها. وهكذا تارةً تسمع صوتها كعاشقةٍ ولهانة ذليلة وطوراً تسمع صوت مرادفاتٍ مصارفية. في الوقت الذي جلسنا فيه نسمع بصمتٍ راح بعضنا ينفّذ أوامرها بينما تمرّد آخرون... كأنّها وضعتنا في مصيدةٍ محكمةُ الإغلاق لا نستطيع التحرّر منها.

وفي وصف العمل، دخلنا قاعةً مظلمةً حاملين ورقة عليها رقم بينما تردد على مسامعنا بشكل مختصر سيرة بيدس الذاتية، ثمّ جلسنا أمام الرقم المطابق لورقتنا نتبادل النظر من دون درايةٍ بما يحصل. فجأة انطفأت الأنوار، كنّا 24 غريباً وغريبة على طاولة مستطيلة سوداء اللون، حوّلتنا رغماً عنا إلى ممثلي العرض وإلى متنصّتين مع كلّ رنةِ هاتف. لا نستطيع الإجابة لأنه شريطٌ مسجلٌ تتلو علينا عبره خيباتها العاطفية.




تفاعل المشاركين لدى تلقّيهم المكالمة الهاتفية




تذكّرنا كريستيل في هذا الإطار- من حيث الشكل فقط - بفيلــــــــم «12 Angry Men» للمخـــرج "Sydney Lumet"، الذي حصر ممثليه في غرفة محكمة، ليتصارعوا ويتجادلوا حول قتل مراهقٍ في الثامنة عشرة من عمره والدَه. أمّا مخرجتنا هنا فجمعت 24 شخصاً من الجمهور ليعيدوا لعب التراجيديا اللبنانية، المتمثّلة بإفلاس المصارف على مثال أزمة بنك إنترا لعام 1966. أوصتنا المخرجة قبيل الدخول الى الصالة، بالتعبير عن مشاعرنا كيفما تبلورت، سواء قمنا بالبكاء أو الصراخ. ولكن ضحالة السيناريو لم تنتج لدى المشاهد هذا الضغط النفسي الذي كان موجوداً في الفيلم المذكور. لم يبكِ أحدٌ من الجمهور ربما لأنها لم تخلق هذه الدوامة وأبقتها في رمزية سردية مراهقة بسيطة.كانت تعليقات المشاركين في العمل متفاوتة: فرح البعض بالتجربة معتبراً أنّها "نوعٌ جديدٌ من الفنون لم يألفه سابقاً"، فيما أحبّ البعض الآخر "مقارنة علاقة الحب بعلاقة البنك مع المودعين". وانتقد البعض تفاعل الآخرين بالتجهيز معلقاً أنّ: "العمل مفلسٌ كالمصرف الذي بُنيت عليه الفكرة!"، لم تعجبه التجربة لأنّها بكلّ بساطة أرغمته على لعب دور الضحية دون استئذان. والجدير بالذكر هنا أنّ حس الفكاهة عند البعض طغى بشكلٍ واضح على جوّ الأمسية، كيف لا وهو دادائي بامتياز، خصوصاً عندما أرغمتنا على إيداع سندات هواها الإفتراضي في الفتحة الموجودة في وسط الطاولة، ليُفتح من بعدها مباشرةً باب المسرح من الجهة اليمنى، لينبئنا بنهاية العرض ونشاهد تجهيزاتٍ أخرى معروضة في المساحة الفنية للمركز تناقش الوضع المالي في لبنان بشكلٍ متميّزٍ ومباشرٍ بعيداً عن الابتذال والتكرار.


MISS 3