جاد حداد

بائعة كتب مستقلة تواجه أمبراطورية "أمازون"

16 تشرين الثاني 2019

11 : 52

لم تكن الكاتبة آن باتشيت تنوي التكلم بقلة احترام. لكن حين سُئِلت كيف ستنافس مكتبتها المستقلة متجر "أمازون" في الشارع المقابل لها، أجابت: "هم لا يملكون كلب "بوردر كولي" لتحقيق أكثر المهام تعقيداً"!

تشمل مكتبتها، "بارناسوس بوكس"، في "ناشفيل" كلباً من هذه الفصيلة فعلاً واسمه "مارلي"، وهو واحد من مجموعة كلاب أخرى للترحيب بالعملاء. كذلك، يطلق المتجر مكتبة متنقلة، وله فرع بالقرب من المطار، وينظّم مناسبات للأولاد، مثل رحلات البحث عن الكنوز مع الشخصية الشهيرة من سلسلة Where’s Waldo (أين والدو)، وحصص مع الكتّاب للحفاظ على مكانة المكتبات المستقلة في العصر الرقمي.

لكن تعترف باتشيت بأنها لا تدين بنجاح مكتبتها لأيٍّ من تلك العوامل، بل تبقى الجغرافيا أفضل سلاح لديها. هي تستفيد من قرب المكتبة من المطار وتعدد الرحلات المتواصلة من مختلف المدن الواقعة على بُعد ساعتين، ما يعني أن الكتّاب يستطيعون المرور بالمنطقة بكل سهولة: "غالباً ما نغفل عن عوامل النجاح المؤثرة. يجب أن نشجّع الكتّاب على المجيء إلى المكتبة. هكذا نكسب الأرباح. وحين نجذب عدداً كبيراً من الناس، سنبيع كتباً كثيرة".

تكلمت باتشيت مع صحيفة "ذي تايمز" في منتصف جولتها الترويجية لثامن كتاب لها بعنوان The Dutch House (البيت الهولندي) الذي حقق أعلى المبيعات على لوائح "لوس أنجلوس تايمز" و"نيويورك تايمز".

وُلِدت باتشيت في لوس أنجلوس لكنها نشأت في "ناشفيل". كان قرارها بافتتاح مكتبة مع شريكتها كارين هايز في العام 2011 بمثابة هدية لمدينتها وتكريم لذكرى المكتبات التي كانت تحبها في صغرها.

ورغم تحقيقها أعلى المبيعات بفضل روايات مثل Bel Canto (الرهينة) و State of Wonder (حالة تعجب)، إلا أنها تدافع عن مستقبل باعة الكتب المستقلين: "عند النظر من الخارج، قد نظن أن المكتبات المستقلة تتخبط للحفاظ على أهميتها. لكنّ الواقع مختلف. الوضع جيد في عالم المكتبات المستقلة. لطالما تواصلت تلك المكتبات مع مجتمعاتها، وأصبحت المناسبات التي تُعتبر أساسية لصمودها اليوم تلقائية. نحن نميل إلى الابتكار بطبيعتنا".

تتكلم باتشيت عن حضور الفنان جيمس دين، رسّام كتب الأطفال Pete the Cat (بيت القط)، إلى المكتبة حديثاً، فتنكّر أحد الموظفين بزي عملاق للقط "بيت". تطلّبت المناسبة المرتبطة بسلسلة Where’s Waldo أيضاً النقاش حول اختيار أفضل موظف لتجسيد تلك الشخصية المشهورة بنظاراتها.

تراجعت المبيعات في جميع أنواع المكتبات في الولايات المتحدة بنسبة 10.3% في شهر آب، مقارنةً بالشهر نفسه من العام 2018. لكن اعتباراً من 10 تشرين الأول، انخفضت المبيعات السنوية حتى الآن بين أعضاء "رابطة باعة الكتب الأميركية" التي تمثّل المكتبات المستقلة بنسبة 0.26% فقط، مقارنةً بالفترة نفسها من السنة الماضية.

وفي آخر خمس سنوات، حققت المكتبات المنتسبة إلى تلك الرابطة معدل نمو سنوي بلغ 7.5%.

كتب جيمي فيوكو، رئيس "رابطة باعة الكتب الأميركية"، رسالة إلى الأعضاء في تموز قائلاً: "أؤمن بأننا ما زلنا صامدين لأننا مجموعة شرسة من القادة، والمفكرين، والناشطين، والمنظمين، والشركاء، والمطوّرين. نحن لا نستسلم بسهولة، وغالباً ما نعتبر التحدي فرصة لإحداث تغيير إيجابي".

لو عادت باتشيت بالزمن إلى الوراء، هل كانت لتفتح مكتبة؟ تجيب سريعاً: "كنت لأتخذ هذا القرار من دون تردد! لا أرى أي سلبيات من فتح المكتبة، بل إنها تجربة إيجابية في حياتي. أحب أن أوصي الآخرين بالكتب. ويتسنى لي أن أقابل جميع أصدقائي الكتّاب لأنهم يأتون إلى "ناشفيل" للقراءة. هذا المشروع سعادتي".

تُحقّق مكتبة "بارناسوس بوكس" أرباحاً سنوية منذ افتتاحها، ويستفيد الموظفون فيها من التأمين الصحي وخطة التقاعد، وتُستثمَر الأرباح مجدداً في هذا القطاع. لذا تعتبر باتشيت أن العمل مثمر نسبةً إلى توقعاتهم وأهدافهم.

على صعيد آخر، أصبحت هذه المكتبة نقطة التقاء لأبناء المجتمع.

في ظل هذا الوضع، ظهر مشروع جديد لشركة "أمازون". أكد هذا المتجر الإلكتروني للبيع بالتجزئة (مقرّه "سياتل") على خطّته بفتح متجر حقيقي في مركز التسوق مقابل "بارناسوس بوكس": إنها نسخة مستحدثة من أحداث فيلم You’ve Got Mail (وصلك بريد). صدر هذا الفيلم في العام 1998، وكان من بطولة ميغ راين بدور صاحبة مكتبة تصبح مُهددة بسبب سلسلة ضخمة من المكتبات المعاصرة يشرف عليها رجل يؤدي دوره توم هانكس.

تعليقاً على الموضوع، تقول باتشيت: "لا أحبذ هذا الوضع. كنت أتمنى ألا يحصل ذلك".

لكنها تضيف أنّ من يريد شراء الكتب بأرخص الأسعار يستطيع ملازمة منزله واستخدام موقع "أمازون" الإلكتروني. لذا تتوقع أن يُركّز متجر "أمازون" في المركز التجاري على تسويق أجهزته المزودة بنظام "أليكسا"، وأجهزة "كيندل" للقراءة الإلكترونية، وانتساب الأعضاء.

ستتابع باتشيت تقديم مساحة هادئة ومريحة حيث يستطيع الزوار اختيار كتاب ومداعبة الكلاب والاستمتاع بالقراءة، سواء اشتروا ذلك الكتاب أو لم يفعلوا. هي ستقوم بأكثر ما تجيده: تنظيم حصص مع الكتّاب، بفضل معارفها في العالم الأدبي، وإجراء مقابلات داخل المكتبة.

صدرت أحدث رواية لها بعدما رمت المسودة الأولى غداة سنتين من الكتابة: "ارتكبتُ خطأً في هذا الكتاب. الأمر أشبه بأن تقود سيارتك نحو وجهة معينة وتسلك طريقاً سريعاً خاطئاً، فتجد نفسك فجأةً في وادي "سان فرناندو" مع أنك أردت الذهاب إلى "سانتا باربرا""! هذه المقارنة تتماشى مع جذورها التي تعود إلى لوس أنجلوس.

تضيف باتشيت: "لو حصل معي ذلك في عمر الخامسة والعشرين أو الثلاثين، كنت لأبكي طوال أسبوعين. لكن في عمر الخامسة والخمسين، عدتُ إلى الطريق الصحيح. وبفضل ذلك المنعطف، أصدرتُ كتاباً أفضل من مسودته الأولى".

تسرد الرواية قصة شقيق وشقيقته والخسائر التي يعيشانها على مر خمسة عقود، ما يزيد قوة الرابط بينهما. اعتبرها عدد كبير من النقاد قصة خيالية، لكن تقول باتشيت إن هذا الانتقاد يلاحقها منذ أن طرحه أحد النقاد في "نيويورك تايمز" في تقييمه لكتابها الأول. هي تتقبل هذا التعليق بكل لطف، لكنها تضيف: "القصة لا تشبه الحكايات الخيالية. إنه نوع من الكسل السائد بين نقاد الكتب".

أخيراً، تُعبّر باتشيت عن سعادتها بتسجيل كتاب صوتي من رواية The Dutch House بصوت الممثل توم هانكس: "حين أكتب كتاباً ثم يترجمه توم هانكس بذكائه، لا مفر من أن ينتشر بدرجة مضاعفة".


MISS 3