جوزيفين حبشي

دور العمر... حبر وورق ولحم ودم

8 تموز 2022

02 : 00

ماغي بو غصن وبديع أبو شقرا
هل يمكن أن تتخيلوا رندة كعدي بملامح لا تمت الى الامومة بصلة؟ هل ستصدقون صلاح تيزاني بشخصية أبو سليم رغم نجاحه بدور فارس في "سفر برلك" وشكري في "بياع الخواتم"؟ كيف يتّحد الممثل بشخصية من ورق وحبر، فيحوّلها لحماً ودماً، وتصبح بطاقة هويته الفنية؟ وهل يسهل على الممثل أن يخلع دور عمر سكنه طويلاً، كما يخلع قميصاً ويستبدله بآخر؟ الحديث عن الدور يدفعنا حكماً للحديث عن المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي صاحب أهم المدارس الأدائية في فن التمثيل، الـ"Method Acting"، الذي آمن بنظرية تقمص الممثل للدور الى درجة الانصهار به.




كثر هم الممثلون الذين يتورطون بشكل كامل مع الشخصية التي يتقمصونها. أحمد زكي وجد صعوبة في التحرر من شخصية الرئيس التي جسّدها في فيلم "أيام السادات"، وخلال تصوير "حليم"، مزج احتضاره الشخصي بمرض العندليب، فجاءت النتيجة صادمة بواقعيتها. روبرت دي نيرو عمل كسائق تاكسي لمدة 12 ساعة يومياً على مدى 3 اشهر أثناء اعداده فيلم "Taxi Driver"، ودانيال داي لويس جسد في "My Left Foot" دور الروائي كريستي براون المولود بعاهة سببت له شللاً كاملاً، ما عدا قدمه اليسري. ظل مقعداً على كرسي متحرك، وحرص خارج أوقات التصوير على استخدام قدمه اليسرى فقط. أخيراً وليس آخراً، هيث لدجر بالغ بهذه التقنية اثناء اعداده دور الجوكر في "The Dark Knight"، فحبسِ نفسه لأسابيع، واحتفظ بمكياج الشخصية، وعاش بسببها اكتئاباً حاداً، فبالغ بتناول الحبوب المنومة والمهدئات التي تسببت بموته.



صلاح تيزاني




شخصيات السجن المؤبد في لبنان


بعض الأدوار يسهل التخلي عنها بسهولة، وبعضها الآخر يتحوّل سجنا للممثل.

الاستثنائيثة رندة كعدي يصعب عليها أن تتحرر من دور الام الذي أدته بمنتهى البراعة والاتقان، فأصبح الوسط الفني كله يطلق عليها اسم "ماما". رندة التي تفتخر بالدور الذي يشبهها حنانا وطيبة، لم تكرر نفسها ابداً. حاولت دائماً إيجاد أدوات مختلفة لكل "أم"، فخلقت لكل منها عالمها الخاص. رندة الملقبة عن جدارة بميريل ستريب لبنان، تتمنى تقديم أدوار أخرى، جريئة ونافرة، ومن لم يشاهدها بدور العانس المسكونة بالرغبة في مسرحية "القفص" للينا ابيض، وبدور حنان بعد تناول حبة هلوسة في "للموت 2"، لم يرَ شيئاً.





يورغو شلهوب



النجمة ماغي بو غصن، ورغم مسيرتها الطويلة في عالم التمثيل التلفزيوني والسينمائي، أصبح اسمها أخيراً مرادفا لاسم "سحر". هذه الشخصية الاستثنائية التي قدمتها في مسلسل "للموت"، هي اكثر شخصية اثرت بها وبالجمهور على حد سواء، فانصهرت بها واخذت منها طاقة ومجهوداً وليس بسهولة استطاعت الخروج منها. تقول ماغي: "للمرة الأولى لا أقول "هي" عندما أتكلم عن الشخصية بل استخدم تعبير "انا"، وهذا يعني ان سحر أصبحت جزءاً مني، ولذلك نجحت الشخصية واستطاعت ان تصل للناس "لحماً ودماً". لاختيار دور جديد، تعتمد ماغي على الورق، فما إن يعجبها ما تقرأ، تبدأ الشخصية باستفزازها. ولكن هل يعقل أن ننسى "سحر" التي خلقتها الكاتبة نادين جابر وبعثت فيها ماغي الحياة والنبض والروح؟ المستقبل كفيل بالاجابة.




رندة كعدي



الدور الأول للنص

"أنا أؤمن بالنص، خصوصاً اذا كان يحتوي دوراً لا يشبهني وعكس شخصيتي تماماً، فالممثل يستطيع أن يلعب عكس طبيعته". هذا رأي الكبير كميل سلامة الذي ينتظر دائماً دوراً يتحداه، فيقبل التحدي، مع تأكيده أن كل الأدوار التي قدمها لم تتعبه لأنه يحب ما يفعل. يؤمن أن الممثل لا يستطيع أن يفعل كل شيء لوحده، فعين المخرج أساسية، "ومن حسن حظي أن معظم اعمالي في المسرح كانت مع ريمون جبارة، وريمون حياة كاملة". ورغم أن دوره في "10 عبيد زغار" مطبوع في ذاكرة الناس، إلا أن سلامة مقل جداً في التلفزيون، فالمسرح هو ملعبه، والسينما ميدانه اخيراً. يعتبر دوره في مسرحية "زردشت صار كلباً" مفترقاً في حياته المسرحية، ولا هو ولا احد من الجمهور اللبناني والعالمي يستطيع ان ينسى اداءه الرائع لدور المحامي الثعلبي في فيلم زياد دويري "القضية 23" الذي اوصل لبنان للمشاركة للمرة الأولى في الاوسكار. دور مشغول بحرفية كبيرة اتعبه جسدياً وارهقه عصبياً، ولكنه كان مجبولاً بالشغف. أصداء الفيلم الرائعة لدى الصحافة العالمية التي ذكرته بالاسم، منحت سلامة النَفَس والفخر."هذا الدور ترك اثراً كبيراً في مسيرتي، ومن خلاله استطيع أن أقول لقد وصلت الى مكان ما".

برأي القدير جوزف بو نصار المدمن على القراءة، "ليس هناك دور سهل ودور صعب"، وفي المسرح والتلفزيون والسينما، يحضّر كل دور سيلعبه بالتقنية نفسها، من الالف الى الياء. وعندما يحين موعد التصوير، يكون متشرباً الشخصية و"مبكّلاً" الدور بالحركة والشكل واللفظ والابعاد الإنسانية والاجتماعية. دور "عباله" أن يقدمه؟ الملك لير الذي يصاب بالجنون وشخصية "مردخاي" الوصي على الفرعون في رواية "ارض الاله" لاحمد مراد، وتكمن أهميتها في كونها تحتوي ابعاداً عديدة اجتماعية وسياسية خطيرة.




نوال كامل



التصور الأول للشخصية يبدأ مع يورغو شلهوب عند القراءة، وكلما كان النص مكتوباً بشكل جيد، كلما كان تركيب الشخصية اسهل. يورغو المحصّن بالعلم وبالمفاتيح التي تمنحها المناهج التعليمية، يثق اولاً بموهبة الفنان وفطرته وتجاربه الشخصية، ثم بقدرته على تشرّب التقنيات التي تساعده على تركيب الشخصية بشكل عفوي، لأنها تصبح جزءاً منه، فلا يفقد تلقائيته وطبيعيته اثناء ادائها. أصعب دور؟ "لا يوجد دور صعب، بل حالات نفسية أمر بها اثناء الاعداد للدور، تجبرني أحياناً أن اسير عكس التيار، فلا أعيش الحالات الحقيقية". وأحياناً العكس، فخلال مسلسل "مجنون ليلى" استطاع أن يستخدم بشكل عفوي ما كان يعيشه من حزن على وفاة صديق له، فاختلطت مشاعر الحزن الحقيقية بمشاعر انهيار الشخصية. برأيه، التمثيل علاج نفسي يساعد الممثل على اخراج كل ما في داخله ويجعله "يرتاح"، وأحيانا العكس، خصوصا عندما تكون مرحلة تقديم الشخصية صعبة وطويلة. فكيف يتحضّر اذاً لشخصية متعبة قد يروبص بها ليلاً؟ يلجأ الى نوع من التأمل يساعده على "تنظيف" فكره، وخلع كل المشاعر والتخلّص من كافة الرواسب.




كميل سلامة



بدوره بديع أبو شقرا يرى أن تقنيات التمثيل كثيرة ولا يجب اعتماد واحدة فقط.

"اهم شيء ان يلعب الممثل الدور وكأنه يلعب لعبة "بيت بيوت" ويصدقها هو أولاً". أصعب الأدوار بالنسبة اليه هو اكثرها بساطة فالدور البسيط صعب لأن على الممثل أن "يطلّع" منه شيئاً، والبراعة أن نقدم المعتاد بطريقة غير متوقعة. "من قال إن الشرير يجب أن يكون شخصاً بمظهر مخيف؟". من أدواره الصعبة، يذكر مسرحية "Body 13" لصديقه الراحل مجدي بو مطر التي قدمها في كندا، وظهر فيها عارياً مع 9 أشخاص لأن الهدف التركيز على أن أفكار الانسان هي غطاؤه وليس ملابسه. أيضاً الدور "المكبوت" صعب جداً، وهو دور لا يحتوي أدوات يستند اليها الممثل لبلورة الشخصية، فيُقيّده ويتعبه حتى يجد مفاتيحه. في المقابل، بعض الأدوار تمتلك أدوات تسهّل على الممثل تجسيدها، مثل دوره في "بردانة أنا". أيضاً يؤمن بديع أن الممثل يجب أن يلعب الدور "عالقد" من دون مبالغة وكليشيه، "فأسهل شيء أن نظهر قدراتنا، ولكن هل الدور يحتمل؟ يتمنى أن يلعب مستقبلاً الكوميديا التي لم يقدمها من قبل. "ولمَ لا شخصية كوميدية بشكل هادئ لا مبالغـــة فيهــا على طريقـة بيل كوسبي وستيف هارفي".




جوزف بو نصار



1

الختام مسك مع القديرة نوال كامل التي لا تخاف الغوص في أعماق أي شخصية لفهمها والاحساس بها. وهكذا نجحت صاحبة الشخصية الطريفة و"أم عجقة"، في جعلنا نصدق هدوءها وتعبها في "خمسة ونص"، وننبهر بقدرتها على المحافظة على جمودها وملامح "البوكر فايس" في شخصية الباترونة في "للموت 2". أسألها عن أكثر دور اتعبها تحضيره، فتسألني: "هل شاهدت فيلم "August: Osage County" لميريل ستريب؟ لقد تمنّت تقديمه، ولكن لم أتوقع أن تتحقق أمنيتي مع تحوّل الفيلم مسرحية بعنوان "بيت بيوت". هو من أصعب أدوارها، فشخصية المرأة السليطة اللسان والمريضة والمدمنة على أدوية الاعصاب صعبة ومركبة، وتعبت لتتغلغل داخل جسدها وروحها. وكونها فنانة شاملة، ترقص وتغني وتمثّل، تمنت نوال في شبابها أن تجسد دوراً استعراضياً على المسرح الغنائي. هل انتهت مدة صلاحية الأمنية؟ تضحك وكأنها ترغب أن تؤمن في قرارة نفسها أن الأمنية لا تنتهي الى أن تتحقق.


MISS 3