سقوط بطل "بريكست"

02 : 00

جونسون يدخل إلى مقرّ رئاسة الوزراء بعد إلقاء كلمته أمس (أ ف ب)

لم ترحم سلسلة الفضائح التي هزّت "10 داونينغ ستريت" بطل "بريكست" بوريس جونسون، كما لم يرحم هو نفسه من خلال أكاذيبه في شأن الفضائح التي زادت الطين بلّة وساهمت بسقوطه المدوي بينما كان يحلم بأن يدخل التاريخ كواحد من رؤساء حكومات بريطانيا الذين بقوا في السلطة لأطول مدّة ويُخلّد إسمه إلى جانب زعماء المملكة المتحدة الكبار أمثال ونستون تشرشل.

وبعدما منح المحافظين العام 2019 غالبية تاريخية في مجلس النواب ونفّذ "بريكست"، استقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمس من منصبه كرئيس تنفيذي لحزب المحافظين، ممهّداً بذلك الطريق لاختيار خلف له لرئاسة الوزراء بعد موجة استقالات واسعة من فريقه الحكومي خلال 48 ساعة من الأحداث السياسية الدراماتيكية المتسارعة.

ومن أمام مقرّه في "10 دوانينغ ستريت"، قال جونسون: "واضح أن إرادة الكتلة البرلمانية لحزب المحافظين أن يكون هناك زعيم جديد لهذا الحزب، وبالتالي رئيس جديد للوزراء". وسيُعلَن موعد بدء الترشّح لقيادة الحزب الأسبوع المقبل، كما أوضح، بعد 3 سنوات مضطربة من الحكم، لافتاً إلى أنه سيبقى في منصب رئيس الوزراء حتّى انتخاب بديل منه.

وبعد أن قاوم دعوات من حكومته تُطالبه بالإستقالة، أبدى حزنه إزاء التنحي عن "أفضل وظيفة في العالم"، مبرّراً تمسّكه بالمنصب حتّى اللحظات الأخيرة بإنجاز المهمّة التي فاز بها في انتخابات عامة هيمنت عليها مسألة "بريكست". ووقف حلفاء جونسون القلائل المتبقون في حزب المحافظين إلى جانب زوجته كاري التي كانت تحمل طفلتهما رومي، أمام مقرّ الحكومة.

وستجري انتخابات قيادة الحزب في الصيف وسيحلّ الفائز مكان جونسون لدى انعقاد المؤتمر السنوي للحزب مطلع تشرين الأوّل، بحسب ما نقلت هيئة "بي بي سي" ووسائل إعلام أخرى. ويبرز اسما وزير الدفاع بن والاس، وريشي سوناك الذي مهّدت استقالته من منصب وزير المال الثلثاء الطريق أمام موجة الإستقالات الأخرى، من بين الشخصيات الأوفر حظّاً لخلافة جونسون، بحسب استطلاع أجرته "يوغوف" شمل أعضاء حزب المحافظين.

واعتبرت وزيرة الخارجية ليز تراس، وهي أيضاً مرشّحة محتملة، أن جونسون اتخذ "القرار الصائب". وقطعت الوزيرة زيارة إلى إندونيسيا للمشاركة في اجتماع وزاري لـ"مجموعة العشرين". وكتبت في تغريدة: "نحن الآن بحاجة للهدوء والوحدة ومواصلة الحكم حتّى إيجاد زعيم جديد".

ومن فضيحة الحفلات في "10 داونينغ ستريت" خلال الحجر الصحي وتوضيحاته المتباينة، إلى تحقيق الشرطة الذي خلص إلى أنه انتهك القانون والتحقيق الإداري الذي يُدين ثقافة التساهل في مقرّ رئاسة الوزراء، هزّت كلّها ثقة البلاد في سياق تضخم بلغ أعلى مستوياته منذ 40 عاماً وتوتر اجتماعي وارتفاع للضرائب.

وجاءت الفضيحة الأخيرة، وهي قضية نائب المسؤول عن الإنضباط البرلماني لنواب حزب المحافظين كريس بينشر، المتّهم بالتحرّش وكان جونسون يعرف ماضيه عندما عيّنه في شباط، لتدق المسمار الأخير في نعشه.

وفي ردود الفعل، اعتبر رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن أن استقالة جونسون "تُمثل فرصة" لتسوية العلاقات المتأزمة والعودة إلى روح الشراكة الحقيقية والاحترام المتبادل الضروري لترسيخ اتفاقية "الجمعة العظيمة"، مشيراً إلى أن العلاقات بين دبلن ولندن "شهدت أزمات وتحدّيات في الآونة الأخيرة" لأسباب ليس أقلّها خلافات بسبب ترتيبات تجارية خاصة لمرحلة ما بعد "بريكست"، في إيرلندا الشمالية الخاضعة للحكم البريطاني.

وبعدما تناول جونسون الملف الأوكراني في كلمته التي استمرّت 6 دقائق، بحيث قال: "إسمحوا لي أن أقول الآن لشعب أوكرانيا، إنّني أُدرك بأنّنا في المملكة المتحدة سنُواصل دعم قتالكم من أجل الحرّية طالما استغرق الوقت"، شكرت الرئاسة الأوكرانية لجونسون دعمه أوكرانيا في "أصعب الأوقات"، فيما أجرى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتصالاً هاتفيّاً بجونسون ليُعرب له عن "حزنه" لقراره التنحي.

وفي المقابل، أمل الكرملين في تولّي "أشخاص أكثر مهنية وقدرة على اتخاذ قرارات عبر الحوار" السلطة في المملكة المتحدة، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء البريطاني "لا يُحبّنا كثيراً ولا نحن كذلك"، في حين رأت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن الوضع في المملكة المتحدة دليل على أن "الأنظمة الليبرالية (الغربية) تمرّ بأزمة سياسية وأيديولوجية واقتصادية عميقة".

كما وصف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف استقالة جونسون بأنّها "نتيجة طبيعية للغطرسة البريطانية والسياسة السيّئة على المسار الدولي"، وقال: "أفضل أصدقاء أوكرانيا يُغادر... النصر في خطر! ذهب أوّل واحد. نحن في انتظار الأخبار من ألمانيا وبولندا ودول البلطيق!".

وفي أوّل بيان عقب استقالة جونسون، شدّد الرئيس الأميركي جو بايدن على أن "العلاقة الخاصة" بين الولايات المتحدة وبريطانيا "تظلّ قوية ودائمة". ولم يذكر بايدن جونسون بالإسم أو استقالته صراحة، لكنّه أكد أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع حكومة بريطانيا في شأن القضايا الهامة، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، وهي قضية عمل عليها بايدن وجونسون معاً بشكل وثيق.


MISS 3