القصة مبهرة في بدايتها، لكن سرعان ما تصبح مربكة قبل أن تتخذ منحىً مثيراً للاشمئزاز وتصل إلى نهاية موجعة.
يعرض الفيلم الوثائقي Girl in the Picture (الفتاة في الصورة)، على شبكة "نتفلكس"، قصة غريبة عن شابة عُثِر عليها بعد تعرّضها لإصابة حادة في الرأس على طرف طريق "أوكلاهوما سيتي"، في نيسان 1990. تموت هذه الفتاة في المستشفى بعد فترة قصيرة وتترك وراءها ابناً عمره سنتان.
لكن تكون نهاية حياتها بداية لهذا الفيلم الصاخب للمخرجة سكاي بورغمان. بالتعاون مع مسؤولَي المونتاج إدوارد واردريب وفيرناندا تورناغي، تستعمل بورغمان خليطاً من العناصر المعقدة والمتناقضة في معظم الأوقات: وثائق قديمة، مقابلات مع المحققين، شهادات أفراد العائلة والأصدقاء، ذكريات من كتاب المدرسة السنوي، ومجموعة صور. يتنقل الفيلم بين حقبات زمنية عدة ويقدّم أدلة جديدة وشخصيات مؤثرة لعرض وجهات نظر وافية، لكنه يحافظ على تماسكه وإيقاعه.
نظراً إلى طبيعة القصة الصادمة والمؤثرة، يصعب ألا نضع العمل في خانة التقارير الإخبارية أو مسلسلات الجريمة المستوحاة من قصص حقيقية. يعجّ الفيلم باللقطات الجوية، ومشاهد أُعيد تمثيلها، وبعض المقابلات الطويلة والمتكررة التي تهدف إلى إطالة مدة العرض. لكن يصعب تجاوز مشاعر الحزن بسبب الأحداث اللاحقة التي تذكّرنا بحجم الشرور الموجودة في هذا العالم.
توفيت تونيا هيوز متأثرة بجروحها في عمر العشرين، ثم حاولت صديقاتها الراقصات في نادي التعري "باشنز" في "تولسا" التواصل مع والدتها، فاكتشفن من خلال تلك المكالمة أن اسم صديقتهنّ الراحلة ليس "تونيا هيوز". من هي تلك الشابة إذاً؟ هذا السر أربك كبار الخبراء والمحققين طوال عقود.
لا يمكن الإفصاح عن تفاصيل كثيرة لأن المُشاهد يجب أن يختبر تلك الأهوال والحقائق بنفسه حين يختار مشاهدة هذا الفيلم. لكن يمكن القول إن تونيا وزوجها الأكبر سناً الذي كان يبالغ في حمايتها، كلارنس، كانا يعيشان بهويات متنوعة في ولايات أميركية عدة. كانت هويتها تختلف بحسب مكان وجودها وحاجاتها في تلك اللحظة. يتذكّر أصدقاؤها من المدرسة الثانوية في "فورست بارك"، جورجيا، مراهِقة مرحة وطموحة شعرت بسعادة عارمة حين نالت منحة كاملة لدراسة هندسة الطيران والفضاء الجوي. لكن حملت تلك الفتاة اسم شارون مارشال. تبيّن أيضاً أن علاقتها مع والدها، وارن مارشال، كانت شائبة فهو لم يكن يسمح لها بالتكلم على الهاتف، لكنه خصّص صفحة كاملة في كتابها السنوي للإشادة بإنجازاتها، فكتب تلك التهنئة إلى جانب صورة شارون وهي تنظر بطريقة مغرية.
تعيدنا المخرجة إلى تلك الحقبة عبر عرض صور من الثمانينات لشابة تتميز بشعر أشقر كثيف وتحمل أحلاماً كبرى. تروي صديقتها المقرّبة، جيني، أفظع حكاية في الفيلم حول أنواع سوء المعاملة التي تعرّضت لها شارون من والدها. تعرّفت جيني على شارون بعد سنوات عبر تقرير إخباري حول هويتها الغامضة.
بعد انتهاء الفيلم، لا يمكن أن ننسى حجم الانحراف والشوائب في حياة تلك الفتاة. قد تبدو المقابلات مع شخصيات مثل المسؤول المتقاعد في مكتب التحقيقات الفدرالي، جو فيتزباتريك، نموذجية ومألوفة، فهي تحصل في أجواء تقليدية أثناء شرب القهوة. لكن كان التأثّر في نظرته حين تذكّر تفاصيل تلك القضية واضحاً وغير متوقع.
لن تكون عمليات الخطف وإدانة المرتكبين نهاية القصة، بل إنها بداية مسار جديد يُمهد لظهور أدلة على ارتكاب جرائم أخرى وسقوط ضحايا آخرين، ما يعني ضرورة العودة بالزمن إلى الوراء مجدداً. تتخذ هذه القصة منحىً مزعجاً لأقصى الدرجات في مرحلة معينة وتتكرر أحداثها مراراً. يقول فيتزباتريك في أحد المشاهد: "هذه القضية المشينة زادت سوءاً مع مرور الوقت".
أخيراً، تبرع المخرجة في الحفاظ على ترابط الأحداث ووضوحها، وهو أكثر ما يميّز الفيلم. هي تسرد قصة معقدة ومثيرة للفضول، وتُدَعّم العمل بعناصر تضمن كسب تعاطف الجمهور، ثم تسلّط الضوء على مسار التعافي مع أنه قد يبدو مستحيلاً بعد هذا الألم كله.