جاد حداد

Astronomy

إشارة راديو غريبة تنبض مثل القلب في عمق الفضاء

16 تموز 2022

02 : 01

التدفقات الراديويّة من موقع إشارة FRB الغامض

ظهرت إشارة راديو جديدة في عمق الفضاء لتتحدى فهمنا لهذه الظواهر الغامضة مجدداً!

تحمل هذه الإشارة السريعة اسم FRB 20191221A، وهي ليست مجرّد ظاهرة تتكرر في حالات نادرة جداً بل إن سرعتها أقل مما يتوقع الكثيرون: تمتد ومضات الراديو التي رصدها العلماء بين المجرات على ثلاث ثوانٍ، أي أطول من المعدل بألف مرة تقريباً.

لكن تُسجَّل تدفقات إشعاعية عالية الكثافة كل 0.2 ثانية خلال تلك الثواني الثلاث، وهي ظاهرة غير مسبوقة في تدفقات الراديو السريعة.

رصد مشروع CHIME هذا الاكتشاف في كانون الأول 2019، فأدرك العلماء سريعاً أنهم أمام ظاهرة غريبة جداً.

يقول عالِم الفيزياء الفلكية، دانيال ميشيلي، من "معهد كافلي للفيزياء الفلكية وأبحاث الفضاء" التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "ما حصل غير مألوف. كانت الإشارة طويلة جداً وامتدت على ثلاث ثوانٍ تقريباً، لكنها بلغت ذروتها من وقتٍ لآخر بدقة لافتة، فأنتجت في كل جزءٍ من الثانية صوت نبضٍ مثل ضربات القلب. إنها المرة الأولى التي تكون فيها الإشارة منتظمة بهذا الشكل".

تُعتبر تدفقات الراديو السريعة من أكثر الألغاز الكونية إبهاراً في الوقت الراهن، فهي عبارة عن تدفقات راديوية قوية على مستوى أطوال موجات الراديو التي تتوهج انطلاقاً من المساحات الواقعة بين المجرات خلال مدة قصيرة جداً. وعلى مر هذه المساحة الزمنية، يبث الوميض طاقة قد تصل إلى 500 مليون نجم مثل الشمس.

تتوهج معظم التدفقات الراديوية مرة واحدة، ثم تختفي بالكامل. يصعب توقع هذا النوع من التدفقات، إذ يكفي أن نتمنى ظهورها حين نوجّه تلسكوباً راديوياً في الاتجاه الصحيح لرصد تدفق مماثل. إنه النوع الأكثر شيوعاً من تدفق الراديو السريع FRB .

في حالات نادرة، تنبعث إشارات متكررة من نقطة واحدة في السماء. إنها التدفقات الراديوية السريعة المتكررة، ويستطيع العلماء أن يوجّهوا التلسكوب نحو السماء ويحللوا الإشارات بالتفصيل في هذه الحالة لأنها متكررة. لكن لم يكتشف الباحثون بعد إذا كانت الآلية نفسها مسؤولة عن جميع التدفقات الراديوية السريعة.

قد تختلف هذه الإشارات من حيث الكثافة، والطول الموجي، والاستقطاب، والتشتّت. يحمل كل تدفق راديوي سريع دليلاً مهماً: في العام 2020، رُصِدت إشارة سريعة مماثلة للمرة الأولى وكانت منبعثة من داخل درب التبانة. نَسَبها العلماء حينها إلى نجم نيوتروني اسمه "النجم المغناطيسي"، ما يثبت أن هذه الأجسام المُمغنطة وعالية الكثافة قد تكون مسؤولة عن جزءٍ من التدفقات الراديوية السريعة على الأقل.

يقول ميشيلي: "رصد مشروع CHIME حتى الآن عدداً كبيراً من إشارات FRB بخصائص مختلفة. يقع البعض داخل الغيوم ويبدو مضطرباً جداً، ويوحي البعض الآخر بأنه موجود في بيئات نظيفة. استناداً إلى خصائص الإشارة الجديدة، يمكن القول إن هذا المصدر محاط بسحابة بلازما مضطربة جداً".

تشير الأدلة إلى أننا أمام نوعٍ من النجوم النيوترونية (نعتذر ممن ينتظر اكتشاف الكائنات الفضائية حتى الآن!).

تشير النجوم النيوترونية إلى نوى منهارة لنجومٍ ضخمة أنهت حياتها وقذفت معظم موادها في الفضاء. لا تتأثر النواة بالضغط الخارجي للانصهار بعد هذه المرحلة، فتنهار وتتحول إلى جسمٍ كثيف جداً يصل عرضه إلى 20 كيلومتراً تقريباً، لكنه أكبر من كتلة الشمس بمعدل 2.3 مرات.




مشروع CHIME



أما النجوم المغناطيسية، فهي نوع من النجوم النيوترونية التي تحمل حقلاً مغناطيسياً قوياً على نحو هائل. وبما أن قوة سحب هذا الحقل المغناطيسي نحو الخارج تتنافس مع قوة الجاذبية نحو الداخل، تنبثق النجوم المغناطيسية بشكلٍ دوري على شكل هزات قوية.

تشير النجوم النابضة من جهتها إلى النجوم النيوترونية التي تبث إشعاعات من الانبعاثات الرادوية انطلاقاً من أقطابها وتدور بسرعة ميلي ثانية، فيبدو الشعاع نابضاً. حلّل ميشيلي وزملاؤه تلك التدفقات المنبعثة من إشارة FRB 20191221A واكتشفوا خصائص مشتركة مع انبعاثات النجوم المغناطيسية والنابضة.

لكن تبرز مشكلة واحدة: لم تتضح بعد المسافة التي تقطعها هذه الإشارة، لكنها تأتي على الأرجح من مجرة أخرى ويبدو وهجها أقوى من النجوم المغناطيسية والنابضة في مجرتنا بأكثر من مليون مرة.

يوضح ميشيلي: "لا تكثر الأجسام التي تبث إشارات دورية في الكون. النجوم الراديوية النابضة والمغناطيسية هي جزء من النماذج التي نعرفها في مجرتنا، وهي تدور وتنتج انبعاثات متوهجة تشبه المنارة. نظن أن هذه الإشارة الجديدة قد تكون نجماً مغناطيسياً أو نابضاً على الكويكبات".

يأمل العلماء في رصد تدفقات أخرى من موقع إشارة FRB الغامض لتحديد مصدرها وسبب وجودها. حتى أن هذا الاكتشاف قد يساعدنا على تحسين طريقة فهمنا للنجوم النيوترونية.

أخيراً، يستنتج ميشيلي: "هذا الاكتشاف يطرح أسئلة حول الأسباب الكامنة وراء هذه الإشارة المتطرفة وغير المسبوقة وكيفية استعمالها لدراسة الكون. تَعِد التلسكوبات المستقبلية باكتشاف آلاف الإشارات من نوع FRB شهرياً، وقد نكتشف حينها عدداً أكبر بكثير من هذه الإشارات الدورية".

نُشرت نتائج البحـــــــــث في مجلة "الطبيعة".


MISS 3