في اكثر من مناسبة لوحت لجنة حماية حقوق المودعين المنبثقة عن نقابة المحامين بامكانية اللجوء الى مقاضاة المصارف بناء على القانون 2/67. في ظل ما نشهده من تقاعس لدى الجزء الاكبر من القضاة للعب دورهم في تحقيق العدالة بالرغم مما يرتكب من مجازر بحق المودعين وربما عموم اللبنانيين، يصبح ضرورياً السؤال عن مدى قدرة القضاء اللبناني وجرأة بعض قضاته في تلقف هذه الدعاوى والقبول بها والحكم عليها. الا أن تقاعس البعض لا يلغي وجود النص في ما لو تجرأ القلة.
تغيير النبرة التفاوضية
تشير المعلومات وما تسرب من اجتماعات عقدت بين جمعية المصارف ولجنة حماية حقوق المودعين أن هذا القانون هو أسوأ كوابيس المصرفيين. مجرد التلويح به دفع الجمعية الى تعديل نبرتها التفاوضية.
أهمية هذا القانون، يحيلنا الى الكابوس الذي حكم مخيلة السلطة السياسية المالية وهو ما دفعها في الاصل الى اقراره.
القانون 2/67 هو القانون المعروف بقانون «انترا» والذي أقر في 1967. حينها، وبحكم يفاعة النظام المصرفي المالي ومرور سنوات قليلة على انشاء المصرف المركزي، لم يكن النظام المالي المصرفي بقوانينه جاهزاً لتحمل صدمة كتلك التي احدثها انهيار مصرف بحجم «انترا» الذي كان يستحوذ آنذاك على 15% من مجمل الايداعات في المصارف اللبنانية.
فعند توقفه عن الدفع، كان المسار القانوني الوحيد هو التوجه نحو اعلان افلاس «انترا» ثم تصفيته وفقاً للقانون التجاري. الا ان تركة انترا كانت «دسمة» مما أجبر السلطة السياسية المالية على تطبيق تعديل زمني بغية تطبيق قانون آخر على المصرف.
أقر القانون لتجنيب «إنترا» التصفية
فعلى الرغم من اعلان المحكمة التجارية افلاس المصرف ما يستدعي تصفيته، حصل ذلك في خضم مناقشة مشروع القانون 2/67 الذي يتعامل مع المصارف المتوقفة عن الدفع. وعليه عمدت السلطة آنذاك الى تطبيق القانون بمفعول رجعي ليطال جميع المصارف المتوقفة عن الدفع منذ تاريخ تشرين الاول عام 66 فقط ليشمل مصرف «انترا» ولكي لا يتعرض للتصفية.
فاذا كانت السلطة آنذاك قامت بكل هذا الجهد لتفادي تصفية المصرف، فإن السردية المروجة من قبل عدد من المصارف ان هذا القانون يؤدي حكماً الى تصفية المصارف وافلاسها مما يؤدي الى ضياع حقوق المودعين يصبح ساقطاً حكماً.
لماذا يخافونه «البنكرجيي»؟؟
لكن لماذا يخاف عدد كبير من اصحاب المصارف من تطبيق هذا القانون؟ يشرح المحامي كريم ضاهر أن القانون 2/67 ليس قانون التفليس كما يروج له البعض. بل هو بكل بساطة القانون الذي يعيد تصويب الامور ويعطي كل مصرف حقه وحجمه وقدرته على الاستمرار. يقول ضاهر إن «تطبيق هذا القانون يوقف استنسابية المصارف ويعزز الشفافية في تعاملها مع زبائنها ومودعيها ويؤمن استمرارية المصارف بالشكل الذي تعمل فيه حالياً».
يشير ضاهر الى أن التأخر في اقرار قانون اعادة هيكلة المصارف يستوجب اللجوء الى هذا القانون كضمانة وحيدة لحقوق المودعين قبل اتخاذ أي اجراء قانوني آخر.
فصل بين المصارف وبين المصرفيين
يشرح ضاهر ان خوف عدد كبير من المصارف من تطبيق هذا القانون يكمن في أنه «يصار الى تنحية وعزل رئيس وأعضاء مجلس الادارة، بالاضافة الى مفوضي المراقبة وسائر الاشخاص الذين تولوا ادارة أو مراقبة أعمال وحسابات المصرف أو التوقيع عنه خلال فترة ثمانية عشر شهراً السابقة لتاريخ التوقف عن الدفع. مع حجز اصولهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة كافة حجزاً احتياطياً لأجل ضمان المسؤوليات التي قد تترتب عليهم. ورفع السرية المصرفية عن حساباتهم ومساءلتهم جميعاً وتحديد المسؤوليات واسترداد ما يمكن استرداده منهم في حال ثبوت المسؤولية وتوجب التعويض». أبعد من ذلك ينص القانون على «تعيين مدير مؤقت للمصرف ثم لجنة ادارة خاصة تتولى صلاحيات مجلس الادارة والجمعية العمومية العادية عند الاقتضاء. وهي تمثل مجموعة دائني المصرف المعني ويناط بها صلاحية اتخاذ التدابير التي تؤمن مصالح اصحاب الحقوق».
ليس تأميماً
إنطلاقاً من السرديات التي ترد فيها المصارف في معرض تخويفها المودعين من اجراءات كتلك التي يفرضها القانون 2/67، سألنا ضاهر عما اذا كانت هذه الاجراءات يمكن اعتبارها تأميماً للقطاع المصرفي، فإذا كان تطبيق هذا القانون ممكناً على مصرف واحد مفلس، فكيف يمكن تطبيقه على قطاع كامل يعد مفلساً بأكمله تقريباً؟ يجيب ضاهر بالتالي: «كنا نتمنى أن تكون هناك قوانين عصرية يمكن تطبيقها على كل مصرف على حدة، لكن هذا القانون هو الموجود حالياً، ولا يمكن أن يعد تأميماً، وليس من الصعب تعيين لجان لادارة كافة المصارف المتوقفة عن الدفع ريثما يتحدد مصيرها، وما اذا كانت قابلة للاستمرار أو في حال عدم قدرتها وجب تصفيتها، لا شيء يمنع من تشكيل 60 لجنة لادارة وتقييم المصارف المتوقفة عن الدفع».
يذهب ضاهر أبعد في تأكيده ضرورة تطبيق هذا القانون، اذ انه يؤمن حماية القطاع المصرفي من الدعاوى القضائية بحكم الامر الواقع، ولا يعود هناك ضرورة الى قانون كابيتال كونترول مشوه يريدونه بهدف حماية المصارف من الدعاوى القضائية.
يشرح ضاهر أنه «عند تطبيق القانون 2/67 يتم توحيد كل الدعاوى القانونية، وبالتالي لا يعود هناك امكانية بأن ينجح مودع دون سواه بتحصيل حقه بشكل افرادي، فاللجنة التي تشكل لتقييم وادارة المصرف يتمثل فيها المودعون وتضمن شفافية وحقوق جميع المودعين، ولا يبت بحقوقهم الا في نهاية تقييم المصرف كسلة متكاملة». يعترف ضاهر أنه خلافاً لحالة انترا «نحن أمام أزمة نظامية متكاملة وهو ما يرتب مسؤولية اضافية على الدولة تجاه المودع والمواطن، لسنا ضد ان تضمن الدولة قسماً من الودائع، ولكن يجب أن يتم ذلك بعد تحديد ما هو مشروع وغير مشروع، جزء كبير من المصارف يريد ان يحصل على صك براءة عبر ضمان الدولة لكافة الودائع قبل تحديد المسؤوليات، وهذا ما لا يجب ان يسمح بحصوله».
ضمان الودائع
على صعيد متصل، كان لافتاً اشارة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي في آخر مقابلة له الى وجود أصول مصرفية تقدر بـ28 مليار دولار تكفي لحماية 88% من الحسابات حتى 100 ألف دولار لكل مودع. تصريح الشامي لا يمكن الا ان يقودنا الى مقاربة تستند، كحل أخير اذا اقتضى الأمر، الى تصفية المصارف والاعتماد على اصولها لرد هذا الحجم من الودائع. اما الودائع المتبقية والتي تمثل الحجم الاكبر فيطرح لها صندوق لاسترداد الودائع كما يقترح الشامي.
اذا كانت التصفية غير مستبعدة من المقاربة وهي نتيجة ممكنة للقانون 2/67 وليس نتيجة حتمية بالضرورة، يكمن الخوف من هذا القانون سواء من المصارف أو المصرف المركزي أو السلطة السياسية هو ان تطبيقه سيفتح صندوق «باندورا»، صندوق يخشى الجميع من تداعياته.