خالد أبو شقرا

حكومة "الشحادة منذ الولادة" تتكبّر على قروض الطاقة المتجددة

تصرف الحكومة على طريقة "عايزة ومستغنية" بشأن القروض والمساعدات يثير علامات الاستفهام (رمزي الحاج)
بعدما أزكمت روائح الفساد والصفقات أنوف المانحين الدوليين، مفقدة شهيتهم عن مساعدة لبنان؛ وفي الوقت الذي تبحث فيه الحكومة بـ"سراج" الخطة الاقتصادية، و"فتيلة" تشريع الاصلاحات عن مُقرض، ولو في أقاصي الارض. ورغم الغرق بدوامة العتمة وعدم القدرة على تأمين الفيول للكهرباء... في خضم كل هذا، اعتزمت الحكومة إلغاء إتفاقية قرض ميسرة للمساهمة في تمويل استثمارات القطاع الخاص في مجال توفير الطاقة والطاقة المتجددة.





إصرار بعض النواب في الجلسة التشريعية أول من أمس على ضرورة إعادة درس إتفاقية القرض نظراً لاهميته نتيجة الاضاءة على هذه النقطة، دفع رئيس الحكومة إلى "تكحيل" الفضيحة بطلب سحب مشروع القانون، بدلاً من أن يصيب الكثير من القطاعات الانتاجية بـ"العمى". ذلك مع العلم أن القرض المنوي إلغاؤه يعود إلى العام 2018. ففي ذلك العام صدر المرسوم رقم 3391، الذي نص على "إبرام إتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية و"الوكالة الفرنسية للتنمية"، بقيمة 34035000 دولار أميركي، للمساهمة في تمويل إستثمارات القطاع الخاص في مجال توفير الطاقة والطاقة المتجددة. من بعدها أحيل المرسوم إلى مجلس النواب فوافق على الاتفاقية، وصدر القرض بقانون حمل الرقم 74.

لا طلب على القروض!

القرض الذي كان من شأنه توفير قروض بشروط ميسرة لمؤسسات الانتاج لتمول مشاريع الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، بما في ذلك تمويل الاستثمارات المتصلة بانشاء مبان جديدة تراعي معايير توفير الطاقة والطاقة المتجددة، لم يُنفذ طيلة السنوات الاربع الماضية. وذلك "بعدما أفاد حاكم مصرف لبنان بتعثر تنفيذ الاتفاقية مع القطاع الخاص بحجة ضعف الطلب، فطالب بالغائه"، يقول المحامي ربيع الشاعر. "فيما الحقيقة أن وضع القرض موضع التنفيذ يتطلب تخصيص عمولة نقدية بالدولار الاميركي. وفي ظل شح مصادر العملة الاجنبية فضّل الحاكم عدم دفع أي دولار، حتى ولو كان يصب في مصلحة الاقتصاد، وهدر الاموال في المطارح التي لا تصب في خدمة المصلحة العامة".

الكل وافق على إلغائه

كما تقر الاتفاقيات بقانون بعد إرسالها بمرسوم أو مشروع قانون من الحكومة، تدرسها اللجان النيابية المعنية قبل التصويت عليها في الهيئة العامة، فإن الغاءها يتطلب السير بالطريقة نفسها. وهذا ما حصل مع اتفاقية القرض المكلف مجلس الانماء والاعمار بادارته. حيث أحيل الطلب بمرسوم إلى المجلس النيابي، حطّ عند اللجان المشتركة، اي: المال والموازنة، الادارة العدل، الاشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، الاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط، والشؤون الخارجية والمغتربين، الدفاع الوطني والداخلية والبلديات، الاعلام الاتصالات، والبيئة) التي توافقت بحسب الشاعر بعد اجتماعها بحضور ممثلي الحكومة والوزارات المعنية، وبرئاسة النائب الياس أبو صعب في 21 تموز الفائت على "إلغاء اتفاقية القرض. والحجة أن الدولة تكبدت خسارة من دون أن تستفيد من هذا القرض، وخاصة في ظل تدني سعر العملة الوطنية. وأن سعر الفائدة في الاتفاقية أعلى من سعر الفائدة المعمول به وقت توقيع الاتفاق، وهناك مبلغ 86 ألف دولار مترتب على الدولة".

قمة التناقض

ما جرى في معالجة ملف القرض المذكور يمثل برأي الشاعر "قمة التناقض". فالحكومة وأعضاء اللجان النيابية المشتركة توافقا على إلغاء قرض بالغ الاهمية في مضمونه. كان من شأنه مساعدة قطاعات الانتاج في تأمين الكهرباء بأسعار رخيصة. ولا سيما أن الطاقة تمثل أولى التحديات لقطاعات الانتاج، وأكبر معاناتها. وهي تكبدها خسائر هائلة بسبب ارتفاع أسعار المازوت، وزيادة الكلفة التشغيلية. والمفارقة هنا أن "الدولة ليست عاجزة فقط عن تأمين البدائل"، برأي الشاعر، "إنما أيضاً لا تستطيع الاقتراض من أي جهة خارجية لانعدام الثقة بها". وهي قد ترضى اليوم بأكثر الشروط اجحافاً في سبيل الحصول على "حفنة" من الدولارات، فكيف لها أن ترفض قرضاً موجوداً بين يديها، ومخصصاً لواحد من أكثر القطاعات حاجة وهو الطاقة البديلة؟!

أكثر من ذلك يأتي إلغاء القرض لبنانياً في الوقت الذي اتفق فيه قادة الاتحاد الاوروبي على تخفيض استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المئة، ويجهدون لايجاد حلول طاقوية بديلة عن الغاز الروسي ووسائل الطاقة الاحفورية الاخرى. ونحن في لبنان، من لا ننعم بساعة كهرباء على مدار النهار، نرفض القروض المخصصة للطاقة لأسباب أقل ما يقال فيها أنها واهية بأحسن الاحوال، ويمكن معالجتها وتحسين شروطها لما فيه مصلحة الاقتصاد ككل بأسوأ الحالات. وبرأي الشاعر أن "تفاصيل الاتفاق لجهة الآجال، وحجم القروض، ونسب الفائدة يمكن إعادة صياغتها أو الاتفاق عليها مع الوكالة الفرنسية للتنمية. وفي جميع الحالات ما لم يكن يصح في العام 2018، قد يكون أكثر من مقبول في الظروف الراهنة نتيجة الانهيار وتراجع قيمة العملة، وزيادة أكلاف الطاقة التقليدية بشكل هائل. هذا إذا سلمنا جدلاً بصحة الادعاء بان مكمن المشكلة هو شروط القرض. مع العلم أن أغلب الظن هو أن القرض لم يسوق، والكثير من القطاعات الانتاجية ليست على علم به. خصوصاً انه ترافق مع بدء الانهيار وما تبعه من مشاكل وإغلاقات بسبب انتشار وباء كورونا".

وعليه فان الطلب بالغائه ومن ثم سحب المرسوم بحجة إعادة الدرس يمثل "تضييعاً للوقت"، من وجهة نظر الشاعر. "ولا يخدم الاقتصاد والقطاعات الانتاجية والاقتصاد. وهو دليل على سوء الادارة والفشل في حمل الملفات". وبرأيه "إذا كانت المشكلة تراجع شهية طلب القطاع الخاص على هذا النوع من القروض، وهذا فيه الكثير من التشكيك، فلماذا لا يحوّل القرض إلى تأمين الطاقة في مؤسسات الدولة، ولا سيما منها تلك الحيوية، كالجامعة اللبنانية وإدارة السير - النافعة، والدوائر العقارية... التي توقفت قبل اضراب الموظفين عن العمل بسبب عدم وجود الكهرباء. وباقفالها تفوّت مليارات الليرات على خزينة الدولة".

تصرف الحكومة على طريقة "عايزة ومستغنية" بشأن القروض والمساعدات يثير الاستغراب. فهي مثلاً لم ترفض شروط قروض الاسكان الجديدة وما يرافقها من قروض الطاقة الشمسية الفردية، مع العلم أنها تختلف جوهرياً عما كان سائداً قبل الازمة لجهة الفوائد والآجال. وهنا يصبح السؤال هل ممنوع تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى واسع في مجال الكهرباء؟ وهل المطلوب إبقاء التلزيمات بالطاقة المتجددة والحرارية في يد قلة لتحقيق المصلحة الخاصة على العامة؟ أسئلة كثيرة جوابها واحد: كل يوم يتبيّن أكثر عن عدم وجود رؤية ومسؤولية لادارة واحدة من أعقد الازمات.