سناء الجاك

رغيف السوري.. وأم سعد الكنفانية

30 تموز 2022

13 : 12

طوابير أمام الافران (فضل عيتاني)

الجيل الجديد من اللبنانيين والسوريين لا يعرف شيئاً عن رواية "أم سعد" للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني. أما جيل الستينات والسبعينات والحرب اللبنانية، فيذكرها قطعاً، وإن لم يكن قد تلقّف رسالتها التي تعكسها معاناة امرأتين فقيرتين إحداهما لبنانية والثانية الفلسطينية أم سعد، تتنافسان على من يشطف درج أحد الأبنية في بيروت مقابل حفنة من الليرات في زمن ما قبل الحرب اللبنانية، فيستفيد من التنافس القهري صاحب المبنى ليحصل على أتعابهما بأرخص الأسعار.


الجيل الجديد من اللبنانيين والسوريين الموجودين في لبنان، الذي يعاني من فقر يفوق الخيال مع أزمات متلاحقة، يتعرّض إلى شحنات من الحقد والكره مماثلة لما تعرّضت له زميلتا القهر في الستينات، وصولا إلى الحرب التي لم تنته تداعياتها مع الخروج السياسي والعسكري لمنظمة التحرير من لبنان.

والذروة تجلت في الأيام الماضية مع أزمة الخبز، مع إعلان وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار أنّ "لبنان يدعم النازحين السوريين بـ 9 مليون دولار شهرياً ثمن الخبز".


أما وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام فقد صرح بأنَّ "الطحين بات رهن البيع بالسوق السوداء أو التهريب إلى سوريا"، وبأن "اللاجئين السوريين في لبنان يستهلكون نحو 400 ألف ربطة خبز يومياً، أي بمعدل 40% أو 50% من القمح الذي يدخل إلى لبنان".


هذا بالإضافة إلى انعكاسات أخرى للنزوح على الاقتصاد والبنى التحتية، ومنها استهلاك النازحين السوريين للتيار الكهربائي على حساب اللبنانيين، وكذلك المياه، عدا عن منافسة السوري للبناني في أسواق العمل، ليس فقط في العمالة الرخيصة، ولكن في قطاعات أخرى وبرواتب أقل مما يتقاضاه اللبناني.

وفي الإطار نفسه، يأتي التركيز على التجاوزات والسرقات والجرائم التي يرتكبها سوريون في لبنان، وعلى عصابات سورية تتداعى وتنطلق على دراجاتها النارية بعد نداء عبر "الواتس آب" مجهزة بالسكاكين، لتساند من يتعرض من الأشقاء إلى أي اعتداء، على خلفية سرقته الكهرباء من مولد أحد أحياء المنصورية، كما أوردت إحدى المحطات التلفزيونية قبل أيام.


وفي حين لا يمكن تجاهل كلفة هذا النزوح على لبنان، يبدو أن الاستثمار في تناقضاته ناشط، انطلاقاً من أن "القلّة تولّد النقار". فهناك من يحضِّر كل العوامل لتفجير الساحة مع تزايد الضغط الاجتماعي بين السوريين واللبنانيين، تماماً كما حصل مع الوجود الفلسطيني الذي سمحت له الدولة حينذاك أن يتسلح ويحمي نفسه بموجب "اتفاق القاهرة".


ولا يقتصر التصعيد على مرحلة ما قبل الاستحقاق الرئاسي. فالظاهر أن هناك من يجهِّز ملفات ملغومة على أكثر من جبهة، وأخطرها جبهة السوريين المتنوع وجودهم بين لجوء إنساني واقتصادي ودخول غير شرعي، والذين يصعب الفصل بين مؤيدي النظام الأسدي والمحور الإيراني التابع له من جهة، وبين معارضي هذا النظام وهذا المحور والهاربين منه.


أما عن دور الدولة اللبنانية لمواجهة مثل هذا السيناريو، فالجواب لا وجود له، على الصعد الاقتصادية والتشريعية والأمنية، ولم يكن له وجود لدى السماح المتعمد بفوضى الحدود الخاضعة فقط لسلطة المحور الإيراني، والعاجزة عن ضبط سوق العمل وإعطاء الأولوية لليد العاملة اللبنانية، والساعية ليصبح ملف النازحين السوريين ورقة ضغط في الملعب السياسي الداخلي، والعاجزة عن إعادة السوريين إلى بلادهم، لأن نظام بشار الأسد، قبل المجتمع الدولي، يرفض السماح لهم بهذه العودة التي تتناقض مع المشاريع الديموغرافية للمحور في سوريا.


ومع الأجيال السورية التي وُلدت أو كبرت في لبنان، تغذيها العنصرية من داخلها وضدها في آن معا، ومع انعدام أي تنظيم بشأن وجودها في بيئة من الجهل والفقر، ما يعني أن قنابل موقوتة تعيش معنا، ولا تحتاج "بوسطة عين الرمانة" لتستعيد انفجار تنافس أم سعد وزميلتها اللبنانية.

يكفي رغيف خبز أو سرقة تيار كهربائي لتندلع حرب تجد من يمولها ويسلِّحها، ولا نعرف إلى أين ستؤدي بنا في دولة متواطئة على شعبها، ومجتمع دولي يبيع ويشتري بالسوريين وبنا.

MISS 3