الجيش الأميركي يبتكر روبوتات لتنفيذ أوامره!

00 : 00

كي تصبح الروبوتات شريكة فاعلة للبشر، يجب أن تفهم الأوامر التي تتلقاها وتنفذها من دون الخضوع لإشراف متواصل...لطالما كانت الروبوتات العسكرية غبية. لا يتمتع روبوت PackBot الذي يستعمله الجيش الأميركي في عمليات التفتيش وإزالة القنابل مثلاً بأي ذكاء حقيقي ويتم التحكم به عن بُعد. لذا يريد الجيش منذ فترة طويلة التعاون مع روبوتات ذكية تستطيع تنفيذ الأوامر من دون أن تخضع للإشراف طوال الوقت.



أصبح هذا الهدف أقرب إلى الواقع اليوم. طوّر المختبر البحثي التابع للجيش برنامجاً يسمح للروبوتات بفهم التعليمات الشفهية وتنفيذ المهام وإعداد تقرير عنها. ستكون المنافع المحتملة هائلة. من المتوقع أن يبدأ الروبوت الذي يفهم الأوامر ويتمتع بدرجة من الذكاء الآلي بالتحرك بدل القوات العسكرية والبحث عن العبوات الناسفة أو الكمائن قريباً. حتى أنه قد يُخفّض عدد الجنود البشر ميدانياً.

يقول نيكولاس روي من "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، وهو أحد أعضاء الفريق المسؤول عن المشروع: "حتى السيارات ذاتية القيادة لا تتمتع بمستوى كافٍ من الفهم كي تتمكن من تنفيذ تعليمات شخص آخر أو أداء مهمة معقدة. لكنّ الروبوت الذي اخترعناه يستطيع فعل ذلك".

يعمل روي على معالجة المشكلة كجزءٍ من مشروع "تحالف تكنولوجيا الروبوتات المساعِدة" الممتد على 10 سنوات، بقيادة "مختبر أبحاث القوات الجوية الأميركية". شمل الفريق باحثين من "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" وجامعة "كارنيجي ميلون"، وتعاون مع مؤسسات حكومية مثل "مختبر الدفع النفاث" في وكالــة "ناسا"، وشركــات متخصصة بالروبوتــات مثل "بوسطن ديناميكس". انتهى البرنامج في الشهر الماضي وشارك في سلسلة من المناسبات لاستعراض إنجازاته. خضعت مجموعة من الروبوتـــات للاختبار لتقييــم إمكاناتها واستعراض مهارات التلاعب لديها ومستوى حركتها لتجاوز العوائق وقدرتها على تنفيذ التعليمات الشفهية.تستطيع تلك الروبوتات أن تتعاون مع البشر بفاعلية مضاعفة، مثل الكلاب العسكرية. يقول رئيس المشروع ستيوارت يونغ: "الكلب نموذج مثالي لما نسعى إليه في مجال التعاون مع البشر". على غرار الكلب، يستطيع الروبوت أن يتلقى التعليمات الشفهية ويفسّر الإيماءات. لكن يمكن التحكم به أيضاً عبر حاسوب لوحي وإرسال البيانات على شكل خرائط وصور كي يتمكن المُشغّل من رؤية ما وراء المباني مثلاً.إستعمل فريق البحث مقاربة هجينة لمساعدة الروبوتات على فهم العالم من حولها. يجيد التعلم العميق التعرّف على الصور، وبفضل أنظمة الحلول الحسابية المشابهة لتلك التي يستعملها "غوغل" للتعرف على الأغراض في الصور، تستطيع الروبوتات أن ترصد المباني والنباتات والمركبات والناس. بالإضافة إلى تحديد أغراض كاملة، يستطيع الروبوت برأي خبير الروبوتات في "مختبر أبحاث القوات الجوية الأميركية"، إيثان ستامب، أن يُشغّل برنامجاً للتعرف على نقاط أساسية، مثل المصابيح الأمامية والعجلات في السيارات، ما يساعده على تحديد موقع السيارة ووجهتها بدقة.

حين يستعمل الروبوت التعلم العميق لرصد الأغراض، يُشغّل قاعدة من المعارف لاستخراج معلومات مفصّلة تساعده على تنفيذ الأوامر. عندما يتعرف على سيارة مثلاً، يعود إلى لائحة من الوقائع المرتبطة بالسيارات: السيارة نوع من المركبات، لها عجلات ومحرك... لكن يجب أن تكون هذه الوقائع مشفّرة يدوياً، لذا يتطلب تجميعها وقتاً طويلاً. يقول ستامب إن فريق البحث يستكشف وسائل أخرى لتبسيط هذه العملية. يعطي يونغ مثالاً عن الأوامر التي يمكن أن يتلقاها الروبوت: "إذهب وراء أبعد شاحنة على اليسار". بالإضافة إلى التعرف على الأغراض ومواقعها، يجب أن يفسّر الروبوت معنى كلمتَي "وراء" و"يسار"، ويتوقف ذلك التفسير على مكان المتحدث والمشهد أمامه والوجهة التي يشير إليها. يحصل الروبوت على أدلة مفاهيمية حول طريقة تنفيذ المهمة بفضل معلوماته المشفرة عن البيئة المحيطة به. كذلك، يستطيع الروبوت أن يطرح الأسئلة لتوضيح أي جانب غامض. إذا طُلِب منه أن "يذهب وراء المبنى"، قد يسأل: "هل تعني المبنى على اليمين"؟

يوضح ستامب: "لقد جمعنا الأشكال الأساسية من جميع المعلومات اللازمة لجعله يتصرف كعضو في الفريق. يستطيع الروبوت أن يرسم الخرائط ويحدد الأجسام فيها ويفسّر الأوامر البسيطة وينفذها بما يتماشى مع خصائص تلك الأجسام، كما أنه يطلب توضيحات حين تكون الأوامر مبهمة".في الحدث الأخير الذي شارك فيه المشروع، استُعمِل روبوت "هاسكي" ذي العجلات الأربع لإثبات قدرة البرنامج على جعل النظام الآلي يفهم التعليمات. نجح عرضان من ثلاثة. لكن احتاج الروبوت إلى إعادة تشغيل خلال العرض الثالث بعد إغلاق نظام الملاحة فيه.

يضيف ستامب: "سمعنا تعليقات مفادها أن فشل الروبوت يثبت استقلالية عمله، وحصدنا التقدير لأننا عرضنا نظاماً وهو يقوم بمهامه بنفسه".كما يحصل مع الكلاب العسكرية، يقول يونغ إن الثقة عامل أساسي لنجاح التعاون بين الروبوتات والبشر. يجب أن يطّلع الجنود على إمكانات الروبوت وحدود قدراته، ويجب أن تتعلم الآلة في الوقت نفسه لغة الوحدة التي تعمل فيها وإجراءاتها.لكن تبرز حتى الآن مشكلتان كبيرتان. أولاً، لا يزال الروبوت اليوم بطيئاً جداً للاستخدام العملي. ثانياً، يجب أن يصبح أكثر مرونة. جميع أنظمة الذكاء الاصطناعي معرّضة للخطأ، لكن يجب أن تكون الروبوتات العسكرية جديرة بالثقة في الظروف المحفوفة بالمخاطر. من المنتظر أن يتطرق برنامج المتابعة في "مختبر أبحاث القوات الجوية الأميركية" لهذه التحديات.يظن فريق البحث أن عمل الجيش قد يؤثر على العالم ككل. إذا استطاعت الروبوتات المستقلة أن تتكيف مع البيئات المعقدة على أرض الواقع وتعمل إلى جانب البشر وتتلقى أوامر شفهية، ستتعدد استعمالاتها بدءاً من الصناعة والزراعة وصولاً إلى الشؤون الداخلية. لكن يطرح التدخل العسكري في المشروع بعض المخاوف برأي خبراء الروبوت من أمثال أورين إتزيوني، المدير التنفيذي في "معهد آلن للذكاء الاصطناعي": "لا تزال أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات هشة ومعرّضة لسوء الفهم اليوم. إنه وضع "أليكسا" أو "سيري" مثلاً. في حال أرسلناها إذاً إلى ساحات المعارك، أتمنى عدم تزويدها بقدرات تدميرية".

يُعدد إتزيوني مجموعة مشاكل مرتبطة بالروبوتات العسكرية المستقلة، منها تداعيات الأخطاء التي يرتكبها الروبوت أو عواقب قرصنته. كما أنه يتساءل عن احتمال أن تتوسع الصراعات نتيجة استعمال الروبوتات لإنقاذ حياة الناس: "أنا أعارض الروبوتات العسكرية المستقلة إلى أن نفهم تفاصيل هذه المشاكل العالقة بالكامل".


MISS 3