القطاع الخاص و"دوّامة" الشيكات المرتجعة

02 : 00

المستجدّات لا تُبشّر بالخير

دخل اقتصادنا مرحلة "الركود التضخمي". ذلك يعني ركوداً اقتصادياً حاداً مترافقاً مع بطالة وغلاء أسعار. لم يكن هذا الواقع وليد الانتفاضة الشعبية بل انه يعود الى مطلع العام الجاري الذي سجّل منذ بدايته ارتفاعاً لافتاً في عدد الشيكات المصرفية المرتجعة. عملياً تعكس هذه الحقيقة الصعوبات التي تواجهها مؤسسات القطاع الخاص في لبنان ومعاناة أصحاب العمل في القطاعات الاقتصادية كافة. اليوم، اتخذ هذا المسار منحى أكثر انحداراً. وكأنه لم يكن يكفي القطاع الخاص مشاكل الركود والانكماش حتى أتت قرارات المصارف وقيّدت إستنسابياً السحوبات والتحويلات المصرفية من دون انتظار قانون يحدّد الفترة الزمنية لهذا التقييد. وأوقفت التسهيلات المصرفية كافة ما أدى الى "فورة" في الشيكات المرتجعة. تشكّل هذه الظاهرة مؤشراً الى تردّي الأوضاع الاقتصادية ووصولها الى مستويات غير مسبوقة. وعلى الرغم من أن لا أرقام رسمية حتى الساعة عن عدد الشيكات المرتجعة إلّا أن المراقبين يتوقعون تزايد هذه الظاهرة أكثر في الايام المقبلة.

العوامل والأسباب

يعود انتشار ظاهرة الشيكات المرتجعة إلى مجموعة من العوامل، أهمها الركود وسوء الأوضاع التي يشهدها الاقتصاد بالاضافة الى التهافت على السحوبات النقدية تخوّفاً مما قد تحمله الايام المقبلة. فضعف القدرة الشرائية لدى غالبية المواطنين يؤدي إلى انعدام السيولة لدى التجار، وبذلك لا يستطيع التاجر أو المواطن تغطية الشيكات المسحوبة على حساباته الخاصة في البنوك. وتعتبر الاجراءات المتخذة في النظام المصرفي أحد أسباب تزايد انتشار هذه الظاهرة، والذي أوقف كل التسهيلات المصرفية التي كانت الشركات تستند اليها لتسهيل حركة اعمالها. ترتكز الحركة التجارية اليوم على قاعدة "شيكات" مشكوك في تحصيل جزء كبير منها حتى أن عدداً كبيراً بات يرفضها كوسيلة دفع، ولو كانت موثّقة لدى مصرف لبنان. لا تبشّر كلّ هذه المستجدات بالخير، وهي تشير الى ازدياد نسب هشاشة الحركة الاقتصادية وارتفاع نسب المخاطر. كثُرت الإجراءات المصرفية في الآونة الاخيرة بدءاً من تحديد سقف يومي وشهري للسحوبات النقدية مروراً بمنع عمليات التحويل إلى الخارج أو فرض تجميد الأموال لسنة وصولاً الى رفع العمولات. إجراءات وُصفت بالصرامة والإجحاف في بعض الاحيان لأن من تكبّد النتائج غير المحمودة كان الزبائن الافراد وقطاع الانتاج، فيما هرّب من استفاد من النظام الريعي أمواله الى الخارج.

هكذا، انتقلت الأزمة النقدية الى القطاع الخاص الذي لا ناقة له ولا جمل. فالمصارف التي تصبّ كامل مجهودها لمنع هروب المزيد من الدولارات من السوق المحلية، أثّرت على قطاع الانتاج الذي دخل مرحلة تقليص أعماله أو وقفها نهائياً مع ما سترتّبه هذه الخطوة من تشريد آلاف العائلات وتحوّل الأزمة في نهاية المطاف الى معيشية، وهو ما حذّرت منه الانتفاضة منذ يومها الأول.


MISS 3