خالد أبو شقرا

شحّ السيولة يُهدّد الزراعة باليباس

المجاعة تطرق الأبواب!

28 تشرين الثاني 2019

02 : 00

فقدان علف الدجاج دفع إلى بيع الفروج بقيمة ( 44-) أدنى من كلفة الإنتاج (أرشيف)
يوماً بعد آخر تتظهّر معاناة القطاعات الإنتاجية، بسبب الإجراءات المصرفية. والصرخة التي أطلقتها بداية محطات بيع المحروقات ونقابتا مستوردي الطحين والأدوية، يتردّد صداها اليوم في المتاجر، المصانع، الحقول والمزارع ومختلف الأنشطة الإقتصادية والقطاعات الخدماتية. في الشكل قد تبدو بعض الأعمال محيّدة عن كارثة فقدان الدولار ومنع التحويلات، إلا أن الأزمة في المضمون، لم تستثنِ أحداً، وجديدها مناشدة المزارعين ومرّبي الدواجن تخفيف القيود المصرفية قبل أن تحلّ المجاعة في البلد.

الأزمة في القطاع الزارعي تنقسم إلى شقين: الأول، يتعلّق بإمكانية فقدان تدريجي لنسبة كبيرة من المنتجات الغذائية الأساسية مثل البطاطا، الحمضيات، الموز، الفاكهة والخضار... نتيجة عجز الشركات عن تأمين البذور والاسمدة والكيماويات، التي تستورد بمعظمها من الخارج. "فإن عجِزنا، على سبيل المثال، عن استيراد 20 طناً من بذار البطاطا، فسوف تتوقف هذه الزراعة كلياً، وسيخسر لبنان 400 الف طن تقدّر قيمتها بـ 150 مليون دولار، ويصدّر منها حوالى 150 الف طن إلى الخارج"، يقول رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي.

أما إذا لم نستورد الأسمدة، فإن "الإنتاج الزراعي العام سينخفض بأكثر من 70 في المئة لمختلف السلع، والـ 30 في المئة المتبقّية، ستفتك بها الأمراض وتتحوّل إلى غذاء للحشرات، وهذا ما يُعرّض الأمن الغذائي لملايين المقيمين في لبنان لخطر حقيقي"، يقول رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان الحويّك.

والشق الثاني، يتمثّل في تعريض ثلث الشعب اللبناني الذي يعتاش بشكل أو بآخر من القطاع الزراعي للبطالة والفقر. فبحسب الإحصاءات يوجد في لبنان حوالى 200 ألف حيازة زراعية خاصة، ونحو 40 ألفاً يجري تضمينها سنوياً، وإذا اعتبرنا أن كل مزارع يعيل 4 أشخاص، فإن هناك حوالى المليون شخص يعتاشون بشكل كامل أو جزئي من المردود الزارعي، سيقعون في دائرة الخطر.

الجوع أوفر من الدولار

ما يحصل مع المزارعين لجهة انعدام القدرة على تأمين المستلزمات الزراعية، لا يختلف عما يحدث في الصناعة والتجارة، فقد عمد الموردون منذ بداية الأزمة إلى رفع الأسعار بنسبة تراوحت بين 25 و50 في المئة، وبعض التجار خبّأوا البضائع، أملاً بالمزيد من رفع الأسعار وتحقيق الأرباح، والأكثرية من الشركات لم تعد تسلم البضائع إلا نقداً وبالدولار. و بحسب الحويك، "ما يحصل مع الشركات والتجار مقدور عليه في حال خففت المصارف إجراءاتها المقيدة. فنحن لا نطلب دعم الإستيراد من مصرف لبنان وتأمين الدولار بالسعر الرسمي، بل نحث المصارف على الإفراج عن حساباتنا الخاصة والتي هي بالدولار، والسماح بتحويل المبالغ المطلوبة إلى الخارج كبدل عن الإستيراد. فمفاعيل ما يجري لن تقتصر على البطالة وتراجع المداخيل، بل إن الجوع سيصيب شريحة كبيرة من المواطنين".

"هذه الإجراءات التي تتخذها المصارف لم نرَ لها مثيلاً، حتى في زمن الحرب. ست عشرة سنة من الإقتتال لم يحدث فيها ما حدث في هذا الشهر"، يقول ترشيشي. ويشدّد على أن "التدابير المصرفية تحوّلت إلى حجة لعدم تغطية الشيكات، فأصبح معظمها يتداول بلا رصيد بعدما سحب الكثيرون ودائعهم وصفّروا حساباتهم قبل فترة خوفاً من الأوضاع، كما انعدمت الثقة بين المصرف والمودع ولم نعد نطمئن لايداع الأموال في المصرف. فالخارج من المصارف مولود والداخل مفقود".

"إعدام" الدواجن

تقييد التحويلات إلى الخارج وانعدام قدرة مربّي الدواجن على تأمين الأعلاف والأدوية سيدفعهم بوقت قريب إلى "فتح أبواب مزارعهم وإفلات 25 مليون طير، تتواجد بشكل دائم في الحظائر، وليركض المسؤولون وراءها إن استطاعوا"، يقول أمين سر نقابة مربّي الدواجن وليم بطرس. وعلى حد قوله فإن "الشركات اضطرّت، بسبب فقدان الذرة المستوردة التي تشكل الغذاء الأساسي للدجاج، إلى بيع الفروج بقيمة ( 44-) أدنى من كلفة الإنتاج خلال هذا الشهر".

هذا الواقع أخرج أحد أكبر المربين من السوق، وسيدفع بوقت لاحق إلى اقفالات بالجملة. فالقطاع، بحسب النقابة يتطلب سنوياً أعلافاً وأدوية بقيمة تتراوح بين 200 و300 مليون دولار. بالاضافة الى ان تأمينها أصبح مستحيلاً، فإن ارتفاع سعر صرف الدولار الى أكثر من 2000 ليرة يجعل من استمرار الأعمال مهمة صعبة لا طاقة للكثيرين على احتمالها.

خسائر قطاع تربية الدواجن، ستدفع الى خسارة المقيمين لأكثر من 150 مليون كيلوغرام من الفروج والبيض، إذ يوجد في لبنان نحو مليون دجاجة بياضة تنتج ملايين البيوض سنوياً، وتشكل مصدر غذاء مهماً.

وأكثر ما يثير سخط القطاعات الإنتاجية هو الشمولية في دعم ثلاثة منتجات بشكل كامل على حساب كل السلع والمنتجات الغذائية المتبقية، والتي لا تقل أهمية على الصعيدين الغذائي والإستراتيجي. والأجدى كان تحديد كوتا وتوزيع الدولار المدعوم على بقية القطاعات الانتاجية بدلاً من ذهاب الدعم في العديد من الحالات الى الامور غير الضرورية والملحّة.

على عكس الكثير من الدول، ومنها المجاورة، التي مرت بتجارب مماثلة، فإن المسؤولين لم يتّخذوا أي إجراءات انقاذية أو تخفيفية كتحديد سلة غذائية مدعومة لدرء الخطر عن الشريحة الأفقر والأكثر تعرّضاً للجوع. بل يتم الإمعان بتشديد القيود والعمل على تحويل قرارات جمعية المصارف بتقييد رأس المال الى قانون مرعيّ الإجراء، وعندها لن يعود ينفع أي كلام.