نوال نصر

بدل الدولة اثنتان وبدل الثبات تغيير

بين الأصيل والبديل... الدولة "المتخلخلة"

9 آب 2022

02 : 00

دولة في قلب الدولة
كأننا نبكي جميعاً على الأطلال. نبكي ونمضي بحثاً عن فتات بدائل تمدّنا ببعضِ العمر، ببعض النبض، ببعض الأمل بأن هناك «بكرا» و»بكرا- يمكن- أحلى». فهل لدولة بلا أنفاس وجود؟ وهل يمكن ضخّ الحياة في جثة ميت؟ هل علينا أن نبحث عن بديل لدولة، كما أصبحت هناك بدائل عن كل أركان الدولة، تاركين البلاد الى شعبٍ بديل أم نحن قومٌ أصيلون لن نستغني عنها مهما كان البديل متاحاً؟

اليوم ذكرى عاشوراء. الإمام موسى الصدر قال: «البكاء على الحسين لا يكفي. الحسين لا يحتاج الى ذلك. الحسين شهيد الإصلاح. فإذا شاركنا في الإصلاح نصرناه وإذا سكتنا أو منعنا الإصلاح خذلناه». هناك اليوم كثيرون يبكون. فهل لنا أن نسألهم عن الإصلاح في دولة لها بديل عن الجيش مقاومة؟ ولها بديل عن مؤسسة المياه مؤسسة الصهاريج؟ ولها بديل عن مؤسسة الكهرباء مؤسسة الموتورات وطاقة شمس تغرب وراء سحابات لا تنتهي؟ ولها بديل عن مؤسسات الضمان الإجتماعي وتعاونية موظفي الدولة وتعاونية الجيش «فريش التأمين»؟ ولها بديل عن القضاء الإحتكام الى نصوص «السيّد»؟

أفلاطون يعرف ما لا نعرفه، أو نعرفه ونتجاهله، وهو: «أن العدالة يفترض أن تكون في حياة وسلوك الدولة ككل، ولا يمكن تحقيقها بشكل كامل إذا لم تكن البداية في قلوب وأرواح المواطنين». ونحن، كما تعلمون، بتنا مواطنين بلا روح. ننشد العدالة لكننا بلا روح، ننتظر ليل نهار البدائل التي تبقينا أحياء. فما السبيل لنعود مواطنين ننشد الأصيل لا البديل؟




عصر الصهاريج




بربكم كم نداء سمعتموه في عقدين في مواجهة ظواهر تقضي على الدولة ومن فيها؟ ظواهر تظهر عند كل مفصل ومحوّل، مقرونة بغرور كثير، لأشخاص يصوّرون أنفسهم آلهة، مغرقين البلاد والعباد بما يُشبه المياه المتحركة التي يغرق فيها كل منطق؟ إنهم آلهة مغرورون كما الديكة التي تعتقد ان الشمس تشرق كل صباح لكي تستمتع بمهاراتهم في الصياح. ونحن، في كل ذلك، نبحث، غصبا عنا، عن البدائل. إنها البدائل الملهاة.

هي عاشوراء اليوم. هي ذكرى. ويوم عاشوراء يفترض أن يكفر عن ذنوب مضت. لكن ليس كل مفروض مقدّر ومكتوب. اليوم إستيقظنا من جديد على خوف شديد من حرب داحس والغبراء جديدة. إستيقظنا بلا مياه ولا كهرباء ولا «دولة» موجودة. اليوم أيضا إستيقظنا على بدائل تؤكد لنا المؤكد: أن لا دولة في لبنان تحمينا. فهل العلة في الدولة أم فينا؟




الكهرباء البديلة


الأصيل والبديل

أولويات المواطن اللبناني اليوم مفقودة ويُحدثوننا عن «إنجازات». العتمة دامسة ويحدثوننا عن «ما خلونا نجيب الكهربا» ويتمسكون بمقاليد «الطاقة» ومفاتيحها. ونسمع عن ضرورة تفعيل الطاقة البديلة. فلماذا لا تدعمها الدولة؟ لماذا لم تدعمها قبل أن يسقط الهيكل على من فيه ونبقى رهينة الوعود وهيمنة أصحاب المولدات؟ هنا البديل كان مطلوباًَ. كان على الدولة - لو كانت بالفعل دولة - أن تنشئ محطات توليد للطاقة المتجددة، خصوصا أن كل الدراسات دلّت على أن لبنان يستطيع توليد 35 في المئة من حاجته للطاقة من مصادر الطاقة البديلة. لم يفعلوا. إهتموا بالأصيل حين كان البديل واجباً ويتمسكون ببدائل حيث الأصيل مطلوباً.

نحن مساكين. نحن شعبٌ مستسلم. فها نحن نشتري السلع البديلة عن علامات تجارية أصبحت أكبر من قدرتنا. إستعضنا عن النوتيلا بسلع تنتهي بـ «تيلا». واستعضنا عن الكلينكس بسلع بديلة مشابهة. وهكذا دواليك. نحن نحاول أن نحوز البديل بدل الأصيل بدل أن ننقلب على كل من أوصلونا الى الدرك الأسود.

هو التكيّف؟ هو التأقلم؟ أقنعونا أن الذكاء هو القدرة على التأقلم مع التغيّر. أخطأوا. فليس كل متغيّر مقبولاً. فلنسأل أنطوان مسره، البروفسور والخبير الدستوري، ما إذا كان علينا بالفعل كلبنانيين التأقلم مع البدائل؟ يجيب «هذا اللبناني، الذي اعتاد التكيّف والتموضع والمسايرة، إنما يقوم بعملٍ خطير جداً. اللبناني يظنّ أنه «شاطر»، غير مدرك أن «شطارته» ما عادت تنفع اليوم. كان يمكنه الإعتماد عليها قبل العام 1943 في مواجهة المحتلّ والتلاعب عليه وعلى القانون. بعد العام 1943 أصبح هناك دولة لكن اللبناني إستمرّ يعتمد وسائل تكيّف وتأقلم فيها مراوغة واحتيال. وهذا خطأ كبير».



على النبع


«لا يوجد إختباريا بديل للبنان غير الدستور الموجود والميثاق الموجود» يقول مسرّه ذلك شارحاًَ « قد يكون هناك ما هو أفضل وأحسن من الدستور والميثاق الحاليين، الموجودَين منذ المماليك، لكن لا بديل عنهما. شروط التطوير قد تكون متوافرة أما «الإستبدال» فلا.



فلسفة الدولة

هناك من يريد لأهل لبنان أن يعتادوا على البدائل وبينها تغيير الدستور «وهذا موضوع ثقافي خطير. هناك إيديولوجيات وثقافات خطيرة. هناك من يعملون على تعليم النظام اللبناني بشكلٍ خاطئ، فنراهم يبحثون عن بدائل في حين أن الإختبار الذي خضناه ثبت أن لا بديل عن الموجود». يضيف مسرّه: «سويسرا نظامها «مشربك» مثلنا وأكثر، وتضم تعددية «يا محلا لبنان»، وعرفت صراعات في تاريخها أسوأ مما عرفه لبنان، لكنها نجحت في تجاوز كل ذلك بفعل التربية، في حين أن هناك من يطالب في لبنان باستبدال النظام. فهل هذا جائز؟ هل يجوز لمريضٍ يعاني من مرضٍ في المعدة ان يطالب باستبدال معدته بواحدة جديدة؟ كلّ مرضٍ له «ريجيم» لكننا نصرّ على التكيف أو إيجاد بديل عن كل شيء. نحن نعتمد الحلول الأسهل. ويستطرد قائلا: إتفاق الطائف عمليا لم يُغيّر أي شيء أساسي في النظام اللبناني، لكنهم «عملوا» ديباجة طويلة عريضة لتبرير 15 عاماً من الحروب. إتفاق الطائف كرّس عمليا أموراً ثانية كانت واردة، منذ المماليك، في الدستور». ماذا نفهم من كل ذلك؟ يبدو أنهم يلزموننا هنا بالتفكير كما يحلو لهم و»تبديل» الأولويات كما يحلو لهم و»استبدال» الأصيل بالبديل حين يشاؤون. إنهم يتكلمون عن الدولة وواجبات الدولة من دون أن تكون موجودة.

«المي مقطوعة يا أفندي». هناك من يردد هذه المقولة يومياً. وبدل أن يغضب وينتفض يتصل بأقرب صاحب «سيترن» ويحصل على 500 ليتر مياه قد تكفيه 48 ساعة. إنهم يحاولون تدجين الناس. وهناك كثيرون لديهم القابلية للتدجين بسبب طريقة تلقينهم الدستور والتاريخ. ويستطرد أنطوان مسره ليقول: «رشيد كرامي قال عام 1976 عن الميثاق «لنعمل لما يغنيه ولا يلغيه».

يرى مسرّه «أن أيّ نظام في العالم لا يستقيم في وضع احتلال. ويظن كثيرون أن عليهم التكيف، في الوقت الضائع الذي طال وطال، مع «البدائل» المتاحة. يضيف: «مرّت علينا إحتلالات، من السوري الى إتفاقية القاهرة، الى تحالف مارمخايل، والإحتلال الإيراني. وسيطرت على مكابح كثيرة ثقافة الموت ودعوة الناس الى الإنتحار. فلسفة الدولة دمروها في لبنان. وكل ما نعاني منه سببه عدم وجود دولة أو بسبب وجود دولتين».




هو زمانها


ثقافة البديل دمّرت البلد. فلكلِ شيء بديل جاهز على حساب الناس. لكن، أن يكون هناك دولتان وجيشان فهذا لا يكون إلا في لبنان. الأستاذ أنطوان نجم يراقب، بتمعّن الأحوال. ويستعين، بإزاء الصورة القائمة، بملاحظة كمال جنبلاط حين قال «إذا كان لبنان قد عرف فترة طويلة من السلام المدني، فلأن الطوائف قد نجحت في بعض الأحيان، واعتباراً من قيام لبنان الصغير في العام 1864، في أن تتقاسم السلطة بصورة عادلة». ما قاله كمال جنبلاط ذات يوم فسره أنطوان نجم «برغبة تدغدغ فدرالية ما كان لكمال جنبلاط توق إليها». فهل البديل عن دولة متحلحلة هو الفدرالية؟ هنا أيضا نتحدث عن بديل عن الدولة.




وسيلة النقل البديلة



لا أحد يراهن على غير لبنان لكن ماذا عن بديل لبنان، بشكله الحالي؟ ماذا عن الدولة البديلة عن الدولة التي ارتدت من زمان «طاقية الإخفاء» وتنازلت عن واجباتها؟ اليوم، في ذكرى عاشوراء، قد يحلو لكثيرين العودة بالذاكرة الى ما خسروه وهم يتخبطون في بدائل لا تنتهي، آملين، في نهاية المطاف، أن يبقى لبنان لبنان.


MISS 3