منير يونس

الإتفاق مع صندوق النقد في سباق المئة متر الأخيرة

الشامي يصرخ في "بريّة" ذئاب المصالح وضباعها

15 آب 2022

02 : 00

سعادة الشامي... والحمل الثقيل

أصدر نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي بياناً يوم الجمعة الماضي قد يعتبر أحد الإنذارات الأخيرة، قبل أن يفشل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. حذر الشامي من المناورات والالتفافات الدائرة رحاها حالياً والمؤدية الى تأخير تلبية الشروط المسبقة الخاصة بالاتفاق، محاولاً وضع الجميع امام مسؤولياتهم، قبل فوات الفرصة شبه الأخيرة. ليس معروفاً عن الشامي أنه ثوري طامح بجوارحه لإسقاط المنظومة، فهو ابن النظام العقلاني، يرجح كفة تكنوقراطيته على هواه السياسي. بيد أنه عند محطات معينة نراه ينبري لوضع النقاط على الحروف بقوة الواثق. كما فعل عندما رد على النائب ملحم خلف الذي اتهم الشامي بتخطيط شطب الودائع، وهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور لا سيما بقانون ماغنتسكي الأميركي. فإذا بالشامي يرد الصاع صاعين لإخراس متهمه والمعتدي عليه. قبل الذهاب بعيداً في تحليل ما قاله الشامي، تجدر الإشارة الى ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في وادٍ آخر حالياً، يقضي إجازته خارج البلاد معتكفاً عن الخوض مع رئيس الجمهورية في كيفية تشكيل حكومة، مكتفياً بتكليف في جيبه، ومراهناً مع آخرين مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري على انقضاء عهد عون قريباً من دون أي إنجاز يذكر، وبعدها لكل حادث حديث.

أما بعد، فما هي أبرز الملاحظات التي يمكن سوقها على ما يقوله الشامي ربطاً بالصعوبات التي ترافق تسريع تنفيذ شروط الصندوق؟

الإنكار مستمر: نظريات تضييع المسؤولية جاهزة على أفواه المتشدّقين

أولاً: ذُكر، ولو بشكل غير مباشر، ان هناك من يعيش حالة الإنكار، ولا يريد الاعتراف بالواقع وبالأزمات العميقة.

أجل، فالانكار واضح على عدة أصعدة في هذه السلطة السياسية التي تمعن في شراء الوقت، على قاعدة «لعل وعسى»!

3 سنوات ضاعت والخسائر تزيد يومياً. وثمة من يعتقد أن معجزة ما ستحصل خصوصاً من المجتمع الدولى، وإلا ليبقَ الوضع على ما هو عليه، في ما يشبه قراراً متخذاً لعدم الخوض بجدية في اصلاحات جذرية قد ترتد عكساً على منظومة المصالح وشبكات النفوذ، وتهدم ما تبقى من هرم «البونزي» الاحتيالي على رؤوس من صممه أو استفاد منه أيّما استفادة.

بدأ الانكار الكبير مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تعاطى مع الأزمة منذ أيامها الأولى على أنها مفتعلة من صنع غيره. مدعياً أن التوقف عن دفع سندات اليوروبوندز في آذار 2020 تسبب بما نحن فيه. وتجاهل عمداً أن التعثر بدأ منذ لجوئه الى هندسات مالية غير سوية في 2016 ، وأن المستثمرين الدوليين عزفوا عن شراء الأوراق المالية اللبنانية منذ تلك السنة. والأنكى أنه يتجاوز فصلاً فاضحاً من فصول كشف مخطط بونزي عندما أقفلت المصارف أبوابها 12 يوماً في تشرين 2019، ومع استئناف عملها اكتشف المودعون أن دولاراتهم غير موجودة. إلى ذلك يضاف انكار سلامة أن سعر صرف الليرة كان بدأ بالاهتزاز منذ أواخر صيف 2019 ثم خسرت من قيمتها نحو 40 إلى 50% حتى عشية قرار التوقف عن دفع سندات اليوروبوندز. وبعد ذلك اصبح الحبل على الجرار.

انعكس انكار رياض سلامة انكاراً أفدح مارسته السلطة السياسية تجلى في اسقاط لجنة المال والموازنة في 2020 التوجهات الحكومية الاصلاحية آنذاك، لا سيما الخاصة بتقدير الخسائر وكيفية توزيعها. وبدا فاضحاً كيف أن كل الأطياف السياسية ساهمت في اسقاط خطة شركة لازار آنذاك، والتي تبين أنها صحيحه في مبادئها العامة ومقارباتها للحلول كما اعترف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لاحقاً. بيد أن ميقاتي تجاهل، على سبيل المثال لا الحصر، أن مستشاره نقولا نحاس كان رأس حربة ، مع آخرين متواطئين، ضد خطط الاصلاح لا سيما المقتربة من تحميل المصارف مسؤوليتها التي عليها الاضطلاع بها بعدما غامرت في توظيف أكثر من 70% من أموال الناس في ديون سيادية خطرة. لا بل استمر، ميقاتي، في اعتماد نحاس مستشاراً مقرباً يساهم إلى اليوم في الخطط! فهل هناك إنكار أكبر من هذا الانكار؟

أما الإنكار الذي يمارسه «الثنائي الشيعي» فشبه مستمر أيضاً. إذ يحلو لهذا الثنائي، غير المرح، تكرار مقولة أن الحصار الأميركي هو سبب الأزمة الأساسي. وعندما طرحت خطة الحكومة في مجلس الوزراء قبل أشهر قليلة رفض وزراء «الثنائي» الموافقة عليها. وفي جانب التيار العوني، هناك ابراهيم كنعان الذي يمعن في استخدام بحث الموازنة لعدم تمرير الدولار الجمركي كما يريد سعادة الشامي، لا بل كما تريد الايرادات المطلوبة والتي من دونها لا انفاق اجتماعي ولو بالحد الأدنى، وخصوصاً زيادة رواتب القطاع العام المتهاودة القيمة الشرائية بعد هبوط سعر صرف الليرة بشكل مريع.

لن تأتي معجزة من مجتمع دولي سئم ألاعيب أساطين ساسة لبنان وميليشياته

ثانياً: بين من يعيش الانكار، حقيقةً أو تمثيلاً، هناك منتظر لمعجزة ما ربما تأتي برأيه من المجتمع الدولي. لكن بات جلياً تماماً كيف أن الجميع (دولياً) متفق على ضرورة توقيع اتفاق نهائي مع الصندوق، ليصار بعد ذلك الى بحث امكانية مساعدة لبنان واقراضه مبالغ اضافية قد تبلغ 20 مليار دولار مضافة الى قرض الصندوق البالغ 3 مليارات. «لكن على اللبنانيين أن يعوا أن بلدهم ليس أولوية الأولويات» كما تؤكد مصار فرنسية معنية. فالعالم اليوم مشغول بما هو أهم وأخطر، وتحديداً الحرب الروسية على أوكرانيا بتداعياتها الجيوسياسية العالمية الخطرة، فضلاً عن تداعياتها الإقتصادية «المنفجرة» في ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائة وغيرها من المواد والسلع التي أورثت تضخماً بمستويات لم تشهده أوروبا وأميركا (والعالم) منذ سنوات طويلة بعيدة. سيصبح صعباً جداً على دافع الضرائب الأوروبي، على سبيل المثال لا الحصر، قبول دفع مساعدات للبنان، وهو (أي الأوروبي) رازح تحت أعباء المعيشة المتزايدة الصعوبة. أما الدول الخليجية فقرارها واضح لا لبس فيه لجهة ضرورة احداث تغيير جذري في سلوك «حزب الله» المعادي لها، واعادة التوازن الى الصيغة اللبنانية وفقاً لاتفاق الطائف. من دون ذلك سيكون صعباً جداً انتظار مساعدات وقروض خليجية سخية.

ولم تكن صدفة إشارة سعادة الشامي في بيانه او مقالته الى «أن مشاكلنا كبيرة لدرجة ان القليل من المساعدة من الاصدقاء المتبقين لنا في العالم لن يأتي بالنتائج المرجوة». كلمة «المتبقين» تعني الكثير. ففرنسا على سبيل المثال تتملكها الحسرة بعد الحيرة، وتكاد تستسلم أمام أمراء ميليشيات وطوائف وقبائل لبنان لتقول لهم: «قلعوا اشواك أيديكم بأيديكم». أما الأوروبيون الآخرون فليسوا أقل انكفاء عن لبنان ومشاكله التي لا تنتهي. والأميركيون والخليحيون موقفهم شبه موحد إزاء هيمنة «حزب الله» على القرار اللبناني الاستراتيجي، وما يستتبع ذلك من فرض أخذ البلد الى محور معادٍ. رغم ذلك، ينتظرون من حكومات أميركا وأوروبا ودول الخليج المساعدة كأن شيئا لم يكن، وإلا فهم متهمون بحصار لبنان اقتصادياً!



الرئيس بري يرمي الكرة الملتهبة في ملعب الآخرين



الخطة موجودة... غير موجودة؟ والمنشار عالق في عقدة الودائع!

ثالثاً: يطلب الشامي فصل ربط القوانين المطلوبة لتلبية الشروط المسبقة لصندوق النقد عن الخطة الاصلاحية الشاملة. فتارة يقول إن الخطة موجودة وطورأ يطلب الفصل بينها وبين التشريعات اللازمة لتنفيذها.

ورد الشامي على ما يقال عن عدم وجود خطة مثلما صرح النائب جورج عدوان ، مؤكداً وجودها، داعياً بكل الأحوال الى ترك نقاش وجود تلك الخطة من عدمه، والانصراف فوراً الى تنفيذ الشروط المسبقة قبل نهاية أيلول المقبل. شروط واردة في الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي وأبرزها: إقرار الموازنة، وتعديل قانون السرية المصرفية، وتشريع ضبط مرحلي للسحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول) وإقرار قانون لإعادة هيكلة القطاع المصرفي. وذلك تمهيداً للدخول في مفاوضات الاتفاق النهائي مع الصندوق بشروط أفضل للبنان مما هي عليه قساوة الاتفاق المبدئي. بكلام آخر، يراهن الشامي على تعديل الاتفاق مع الصندوق لاحقاً.

لكن يبقى المنشارعالقاً متعثرأ في «العقدة»، وهي كيفية تعويض متوسطي المودعين وكبارهم، بعد تثبيت وعد رد الودائع الصغيرة حتى 100 ألف دولار. ما دفع برئيس الحكومة الى اقتراح صندوق لذلك ملتقياً في منتصف الطريق مع وعود «سياسية وشعبوية» غير واقعية مثل مقولة نبيه بري عن قدسية الودائع، مروراً بالصندوق السيادي لأصول الدولة المتفق عليه (لرد الودائع!) على نطاق واسع بين عدة اطراف ابرزها القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، ووصولاً إلى اطروحات ما انزل الله بها من سلطان لجمعية المصارف الراغبة والضاغطة بلا كلل ولا ملل حتى تتحمل الدولة الجزء الأكبر من الخسائر التي ارتفعت الى نحو 75 مليار دولار.

الجميع تقريباً يربط الخطة ونقاشها بمصير الودائع، وليس بكيفية اعادة الاقتصاد الى دورة عجلته الطبيعية، والى خلق النمو وفرص العمل. ما من أحد يعمل جدياً على تغيير النموذج الذي تبين أنه مخطط بونزي في جانب كبير منه. على العكس من ذلك، كثيرون يريدون للبنوك البقاء على حالها (الزومبي) لارتباط المصالح معها أو مع اصحابها، وكثر لا يتحدثون الا عن القروض والمساعدات وتدفقات المغتربين... ما يعني ان النموذج السابق لم يمت طالما أهله لم يموتوا، وما اكثرهم في سدة القرار مستمرون في مواقعهم السلطوية و»الأوليغارشية» من الأمس إلى اليوم وغداً!



الرئيس ميقاتي يناور... لعل وعسى!



شراء الوقت متعمّد للربح من الإنهيار الحتمي بعد الربح من "الإزدهار الوهمي"

رابعاً: حذر الشامي من الإمعان في شراء الوقت مشيراً الى أنه أصبح نادراً ومكلفاً.

أجل، أضاعت هذه السلطة رغم تناقضات أطرافها 3 سنوات في مراوحة كانت بالغة الكلفة. فعشية الأزمة في 2019 كانت الفجوة (الخسائر) تقدر بنحو 35 مليار دولار. وهي اليوم نحو 75 ملياراً. الخسارة الإضافية لم تكن صدفة ولا عشوائية. جزء كبير منها متعمد وممنهج ومبرمج. ففي 2019 كانت الاحتياطيات في مصرف لبنان بالإضافة الى سيولة العملات الأجنبية في المصارف أكثر من 40 مليار دولار. ابتدعوا الدعم الذي بدد المليارات الذاهبة في معظمها الى جيوب التجار والمستوردين والمخزنين والمهربين المحميين سياسياً. وابتدعوا مسألة سداد قروض الدولار على سعر 1515 ليرة، فاذا بالفتات يستفيد منه صغار المقترضين، أما كبارهم فقد سددوا مليارات بكلفة زهيدة جداً لم تخطر ببالهم يوماً. كما هرّب نافذون ومصرفيون مليارات الى خارج البلاد، فضلاً عن 7 مليارات دولار حولها مصرف لبنان الى المصارف بحجة دفع التزامات خارجية كي لا تفلس. فاذا بها مفلسة عملياً وليست قائمة الآن الا بفعل سعر صرف وهمي على 1500 ليرة للدولار في الميزانيات، وبفضل عدم تطبيق القوانين المرعية الإجراء عليها. فالمصارف تتمتع بحماية غريبة لم يحظ المودعون بشيء منها، لا بل دفعوا ويدفعون ثمنها بـ»هيركات» قاس ظالم تصل نسبته الى 85% من أصل أموالهم.

لذا ما يقوله سعادة الشامي عن شراء الوقت لا يكتمل فهمه الا من زاوية من استفاد من 40 مليار دولار اضيفت الى الفجوة لتبلغ حاليا 75 ملياراً في أقل تقدير.

أما قوله إن التأخير يؤجل الخروج من الأزمة، فيقرأه المعنيون بكثير من الخبث والبسمات الصفراء طالما انهم منتخبون من جديد ومفوضون من شرائح واسعة من طوائفهم وعصبياتها المقيتة. ومن الآن حتى موعد الانتخابات المقبلة في 2026 لن يعدموا وسيلة لإعادة شد العصب، وهو أفضل وأمضى سلاح لشراء الوقت حتى لو كانت كلفته قاتلة أحياناً.

بانتظار 2026، يرى مشترو الوقت أيضاً أن هناك متسعاً منه طالما في مصرف لبنان احتياطيات تكفي سنة على الأقل وقد تمتد لسنتين، متجاهلين أن دون ذلك مخاطرة انتحارية هائلة لا سيما على صعيد سعر صرف الليرة، وتحلل الدولة وزيادة تردي الخدمات العامة حتى الاضمحلال، ووصول البلاد إلى قاع سحيق يصبح الخروج منه بكلفة أضعاف مضاعفة لا يمكن تصورها اليوم.

بيانات رئاسية تأييدية شكلية لا يمكن إلا "بلّها وشرب مائها"

خامساً: يعول الشامي على البيانات الرئاسية التي صدرت من ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي غداة توقيع الاتفاق مع الصندوق مطلع نيسان الماضي. بيانات أيدت الاتفاق وكان اصدارها من بين الشروط الخفية لتوقيع الاتفاق. وكما فعل البعض مع المبادرة الفرنسية الشهيرة التي أيدها عندما أعلنها الرئيس أيمانويل ماكرون في 2020 ، ثم راح يتنكر لها بأساليب ملتوية حتى سقطت. فذلك يتكرر الآن، بدليل، مثلاً، أن وزراء الثنائي الشيعي لم يوافقوا على الاستراتيجية الحكومية المبنية على الاتفاق مع صندوق النقد، كما تحايل وزير الثنائي يوسف خليل وزير المالية عندما سحب بند الدولار الجمركي من آخر جلسة للحكومة الماضية ليرمي الأمر على الآخرين مجتمعين. وفي التيار الوطني الحر آراء متباينة حول الاتفاق مع الصندوق لا سيما بين اطراف مثل جبران باسيل وابراهيم كنعان والياس بوصعب. أما «حزب الله» فمنذ البداية قال انه سيحكم على الاتفاق بالقطعة وليس بالمجمل. لذا فان البيانات الرئاسية الداعمة يمكن «بلها وشرب مائها». فلكل طرف حساباته حتى لو اقتضى الأمر تأجيل الاتفاق او تعديله أو الغائه ببساطة.



الرئيس عون في آخر محاولاته



الدولار الجمركي على 12 ألف ليرة مطبوخ بين نقولا نحاس و"حركة أمل"

سادساً: بالعودة الى الدولار الجمركي والذي أكد الشامي أنه كان في مشروع الموازنة على 20 ألف ليرة عندما كان سعر المنصة كذلك، فهو يدعو الى اعتماد سعر المنصة الآن والمقترب من 26 الى 27 ألف ليرة. وذلك لمقابلة نفقات التزمت بها الحكومة لا سيما بعض التصحيح الممكن في رواتب وأجور موظفي القطاع العام. في المقابل، وفي الفريق القريب من نجيب ميقاتي، هناك نقولا نحاس مثلاً الداعي الى التدرج في ذلك مع البدء بسعر 12 ألفاً . ليرد عليه الشامي قائلاً بالفم الملآن أن التدرج سيزيد الاستيراد والتخزين بانتظار وصول الدولار الجمركي الى سعر المنصة أو سعر السوق، وبما يثري التجار أكثر فأكثرعلى حساب المستهلكين وخزينة الدولة. كما أن الرئيس نبيه بري مع التدرج واعتماد سعر مرحلي بين 12 و15 ألف ليرة، إذ تسرب أنه طلب من الوزير يوسف خليل عدم تحمل الزيادة لوحده وأخذها على عاتقه كي لا يقال إن بري وحركة أمل مع زيادة الأعباء على الناس . ولا ننسى الرئيس ميقاتي نفسه عندما استقبل عدداً من الشرائح المعنية بالدولار الجمركي واعداً كل طرف بسعر مختلف عن الآخر، خصوصاً «اصدقاءه» التجار الخائفين من تأثير الرفع على الاستهلاك والاستيراد وبالتالي الأرباح.

أما وجهة نظر سعادة الشامي المتمسكة بسعر قريب من سعر المنصة فتؤكد أن رفع الدولار الجمركي كما يجب يخفف الطلب على الكماليات والسلع الفاخرة، وبالتالي يخف الطلب على الدولار. وبالاستنتاج، يمكن أن يخدم الدولار الجمركي على سعر المنصة بشكل غير مباشر أهداف «الكابيتال كونترول»، وأهداف عدم زيادة الضغط على سعر صرف الليرة تمهيداً لتوحيد أسعار الصرف لاحقاً.

كما ذكر الشامي أن الوصول الى توحيد أسعار الصرف يتطلب حزمة متكاملة من الإصلاحات وصولاً إلى سعر موحد حر نسبياً أو مرن. لكن اللافت، قبل بيان الشامي بأيام، حديث مستشار الرئيس ميقاتي نقولا نحاس لقناة «الحرة» عن سعر صرف موحد مبدئياً عند 12 الف ليرة على أن يصار الى تغييره لاحقاً. ولم يذكر نحاس كيف استنبط هذا الرقم ولا تناول تداعياته. ولا هو كلف نفسه القول إن هذا من بنات أفكاره، بل أوحى انه متفق عليه، ما يذكر ضمناً بما قبل به الرئيس بري.

هل تذكرون الفرزلي؟ الياس بوصعب يحاول تقليده بأسلوب "ممكيج" !

سابعاً: جاء بيان سعادة الشامي على ضرورة اقرار مشروع قانون ضبط التحويلات والسحوبات (كابيتال كونترول) بالشكل والمضمون القريبين من المشروع الحكومي المقدم الى مجلس النواب. وكان ذلك المشروع سقط اقراره في جلسة لمجلس النواب السابق. وأخرج التمثيلية وقتذاك النائب السابق إيلي الفرزلي، عندما قلل من اهمية الاعتراضات الشعبية والنقابية أمام البرلمان ومنابر أخرى اشتعلت في تلك الفترة رافضة مشروع القانون بالصيغة المقدمة. ولم يستطع الفرزلي اخفاء حصول اتفاق سياسي لتطيير تلك الجلسة التي كانت مخصصة لاقرار القانون المذكور. وعندما يقول الفرزلي ذلك، نعرف بالاستدلال السهل أن بري دبرها والفرزلي أخرجها. وأتى المخرج بعد احتدام اعتراض من جهات سياسية وازنة على المشروع، لا سيما من نواب في التيار الوطني الحر.

الى ذلك، تضاف بطبيعة الحال اعتراضات مودعين ونقابات على بند خاص بحماية المصارف من الدعاوى القضائية، مع اعتراضات جدية أخرى على توصيفات في المشروع تفصل بين ما هو دولار قديم وآخر جديد. ما قد يعني ضمنياً أن الودائع الدولارية القائمة قبل اختراع حسابات «الفرش» الجديدة هي عرضة للهيركات او الشطب بأجزاء كبيرة منها ويمكن رد ما تبقى بالليرة (الليلرة العزيزة على قلب رياض سلامة). فكيف سيمر هكذا قانون تتضارب فيه المصالح الى هذا الحد المتفجر؟ سؤال برسم سعادة الشامي وكل طيبي النية المعتقدين بأن بعض سياسيي لبنان ومصرفييه النافذين ليسوا ذئاب نهش ولا ضباع غدر.

أما محاولات نائب رئيس المجلس حالياً الياس بو صعب في ادعاء شكل تحاور قبل اقرار القانون، فما هي إلا ذر رماد في العيون تمهيداً لتقريب وجهات نظر سياسية بغض النظر عن آراء الخبراء الذين جمعهم شكلياً حول طاولة لنقاش الكابيتال كونترول. وهذا ما يحاول بوصعب فعله أيضاً مع رئيس الجمهورية ليوقع على قانون تعديل السرية المصرفية في مسعى يخدم نبيه بري، وكل الذين تواطأوا لاقرار قانون السرية بأفخاخ قد تعطل تطبيقه على النحو المنشود.

بانتظار أم المعارك حول إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف


ثامناً: يؤخذ على سعادة الشامي وغيره من الفريق العامل مع ميقاتي على تسريع تلبية الشروط المسبقة، أنه لم يستطيع تعجيل إعداد مشروع اعادة هيكلة المصارف. فهذا القانون المحوري والذي تفوق أهميته أي قانون آخر خاص بحل الأزمة، ما زال اعداده مستغرقاً في غرف مغلقة. وبين المعدين مصرف لبنان، وما أدراك ما مصرف لبنان، بالإضافة الى لجنة الرقابة على المصارف التي لطالما تواطأت مع مصرف لبنان والمصارف وبأوامر طائفية وسياسية تبعاً للتعيينات فيها . ولا يسع المتابع الا تسجيل هلع البنوك من هذا القانون، وكيف أن جمعية المصارف ترفع الصوت طلباً للمشاركة في اعداده. أي أن من كان بين أسباب الأزمة نوليه قانون حلها على طريقته أو لمصلحته! بيد أن الرهان يبقى على خبراء صندوق النقد المشاركين في اعداد القانون. فإذا صدر كما يجب، سيجد معارضة شديدة من اللوبي المصرفي القوي والمتشابكة مصالحه مع سياسيين ومرجعيات طائفية. ما يعني أن أم المعارك مقبلة علينا لا محالة، خصوصاً اذا انجزت تقييمات جودة الأصول الخاصة بـ 14 مصرفاً لتؤكد شبه المؤكد لجهة ضرورة اعادة الرسملة الكاملة، ومن يبقى من المصارف يلتزم برد الودائع حتى 100 الف دولار وبنحو 28 مليار دولار على الأقل. وهذا ما تعارضه مصارف تطلب أن تتحمل الدولة خسائر الجمل بما حمل.

الشامي يتجنب مواجهة سلامة... ويعرف أنه "قوي ومدعوم"

تاسعاً: يؤخذ على سعادة الشامي السكوت عن تأخير التوقيع مع شركات دولية للتدقيق في جودة أصول المصارف. فاذا كان هو القائل أن الوقت ضيق أمام لبنان، ولم يعد هناك متسع قبل الانزلاق الكبير، فلماذا لا يعلن صراحة من يؤجل ويناور ويمانع البدء بالتدقيق المذكور ولماذا؟ ويؤخذ على الشامي اطلاق وعود عن ضرورة صدور نتائج التدقيق في ما تبقى من أصول واحتياطيات في مصرف لبنان. إذ كان وعد باعلان تلك النتائج الشهر الماضي ولم يفعل. فلماذا يتجنب مواجهة رياض سلامة كما فعل بجرأة بالغة مع النائب ملحم خلف؟ الجواب ليس صعباً، فالشامي يعرف ان سلامة مدعوم من نجيب ميقاتي ونبيه بري وآخرين، ويتجنب مواجهته منذ اليوم الأول لتوليه مهام قيادة الفريق اللبناني المفاوض مع صندوق النقد. لا بل ترك سلامة يقدم مقترحات «همايونية» قبل الخطة الأخيرة القائمة على الليلرة أساساً، ويتجنب انتقاد عشرات الممارسات التي يقوم بها مصرف لبنان والتي تعمق الأزمة وتصعب الاتفاق مع الصندوق.

طلب الصلاح والإصلاح من زعماء لبنان؟... فاقد الشيء لا يعطيه!

عاشراً: يتحدث الشامي عن ضرورة المضي قدماً بالإصلاحات المطلوبة حتى لو واجهت اعتراض بعض الافرقاء عليها، معتبراً أن القادة عرضة دائماً للتهجم والإنتقاد، لكن عليهم التحلي بالجرأة للمضي قدماً وتحمل النتائج. ويجدر تذكير الشامي بأن الرئيس ميقاتي نفسه لم يستطع الصمود كثيراً أمام اعتماد خيارات وردت في الاستراتيجية الحكومية. وذهب الى مجلس النواب ليطلق وعوداً عن صندوق لتعافي الودائع. ولم يأخذ بوجهة نظر الشامي نفسه الذي أكد أكثر من مرة ان الاعتماد على أصول الدولة وإيراداتها بشكل واسع ، لرد الودائع، ليس ممكناً ولن يفي بالغرض، وقد يمتد 50 الى 70 سنة. وسيحرم الاقتصاد والمجتمع، الذي يضم غير مودعين، من ايرادات هما بأمس الحاجة اليها. أما الحديث عن المضي قدماً حتى لو اعترض البعض فدونه ، نظرياً، نسف لقواعد اللعبة القاتلة السائدة حتى الآن والقائمة على ضرورة توافق الجميع، وإلا فلا شيء يمر. فتارة تتعطل الأمور ببدعة الميثاقية وطوراً وقوفاً عند خاطر المصالح الضيقة لهذا الزعيم أو ذاك المفطورين على جشع سلطة ونهم مال لا يشبعان. فالشامي يطلب الصلاح والاصلاح من جهات لا تريده، ففاقد الشيء لا يعطيه.

نعم، في لبنان طالبان لا يشبعان: طالب سلطة وطالب مال، ولا عزاء لاتفاق مع صندوق النقد يعول عليه لتقليم أظافر هؤلاء الأشاوس المتسلطين المحلقين كالكواسر بجناحي الفساد والسلاح.


MISS 3