بشارة شربل

"الثورة المضادة"... عنصرية

30 تشرين الثاني 2019

02 : 00

ما التظاهرة البرتقالية أمام سفارة الإتحاد الأوروبي في لبنان أمس سوى جزء من مظاهر "الثورة المضادة" التي تلجأ منذ اليوم الأول للثورة الشعبية الى اصطياد مواضيع رفيعة لإفراغ مكنوناتها الوضيعة فيها.

فشيطنة الحراك منذ بدأ، والإتهام بتنفيذ أجندة أميركية جاهزة، والكلام الفاقد للمصداقية عن تمويل مجموعات الناشطين وتلامذة المدارس، كانت البداية التي لم تنفع في اقناع أحد، ولعلها لم تكن تهدف الى اقناع المتظاهرين ببطلان مطالبهم وبوجوب العودة الى المنازل، بل الى تعبئة الجمهور المضاد ومدّه بشحنات غضبية وذرائع تتيح غزوات مثل التي شهدناها مرات في ساحة الشهداء والرينغ وغيرها من مواقع الاعتصام.

ورغم رد الثورة بأساليب حضارية مميزة على الاعتداءات البائسة، سواء بالعرض المدني المدهش يوم الاستقلال أم بتظاهرة أمهات عين الرمانة – الشياح في مكان أرادوه مجدداً خط تماس، فإن جعبة خصوم الثورة لم تفرغ من الذخائر المسمومة، وهي تتنقل من"الثنائي الشيعي" الذي رفع هويته المذهبية في وجه "مواطنية" الثوار، الى حليفه المسيحي الذي كشف وجهه العنصري في المطالبة بترحيل النازحين السوريين منقلباً على شعاره "ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني"، ليصير "ما بدنا شعب بلبنان إلا الشعب اللبناني". وكأن الحليفين لا يعرفان أيضاً ان الثورة دفنت الحرب الأهلية التي انتجتهما، وأن موضوع النزوح قضية دولية معقدة جرَّب رئيس الجمهورية حظَّه لحلّها في موسكو فرجع خائباً، وحوَّلها صهره الوزير خلافاً داخلياً فانفجر في مجلس الوزراء.

وإذا كان الشعار العنصري جاهزاً في أفئدة وعقول "التيار" الذي قاد التظاهرة الى البعثة الأوروبية، فإنه يتغذى بلا شك من الأخبار الملفقة (Fake news) التي هي من يوميات بروباغندا نوابه ووزرائه ووسائله الاعلامية وأدبيات حلفائه الممانعين وأصدقائه الدبلوماسيين وعلى رأسهم السفير الروسي المستعرب زاسبيكين، الذي يجسد عصارة العقلية السوفياتية البائدة.

قدر الثورة الناصعة التي يقودها النساء والشباب والطلاب بمحبة وأمل بمستقبل واعد للبنان الحداثة والمواطنية، أن تواجِه شركاء في الوطن تحركهم عنصرية مقيتة أو نزعات عنفية حادة وأخبار ملفقة ونظريات مؤامرة لا تخطر في الخيال.

وهو بالمناسبة قدر معظم الثورات التي انتهت بانتصار الحق على الباطل، والشعب على سلطة البغي والفساد... واللبنانيون لن يكونوا استثناء.


MISS 3