التعلّم الآلي يكشف شريك شكسبير في الكتابة!

10 : 43

لطالما لاحظ المحللون الأدبيون أن كتاب HenryVIII (هنري الثامن) لشكسبير يحمل لمسة كاتب آخر. رصدت شبكة عصبية حديثاً مشاهد معينة وكشفت هوية من كتبها!

كان ويليام شكسبير في معظم أيام حياته يعمل ككاتب مسرحي في شركة تمثيل اسمها "كينغز مان"، وعرض مسرحياته على ضفاف نهر التايمز في لندن. وحين توفى في العام 1616، احتاجت الشركة إلى بديل عنه، فلجأت إلى واحد من أشهر الكتّاب المسرحيين وأكثرهم إنتاجية في ذلك العصر: جون فليتشر.

تلاشت شهرة فليتشر منذ ذلك الحين! لكن في العام 1850، لاحظ المحلل الأدبي جيمس سبيدينغ تشابهاً لافتاً بين مسرحيات فليتشر ومقاطع من Henry VIII لشكسبير. فاستنتج أنهما تعاونا على الأرجح في تلك المسرحية.تشتق الأدلة من دراسات حول الخصوصيات اللغوية لكل كاتب وتطابقها مع محتوى Henry VIII. على سبيل المثال، يكتب فليتشر كلمةye بدل you، و’em بدل them. وكان يميل أيضاً إلى إضافة كلمةsir أوstill أو next إلى الكلمات خماسية التفاعيل لإنشاء مقطع لفظي سادس.بفضل هذه الخصائص، استنتج سبيدينغ ومحللون آخرون أن فليتشر كان مشاركاً محتملاً في المسرحية. لكن بقي الجدل قائماً حول طريقة تقسيمها، وافترض نقاد آخرون أن الكاتب المسرحي الإنكليزي فيليب ماسنغر كان مساعِد شكسبير في الكتابة.

لهذا السبب، يتوق المحللون والمؤرخون إلى معرفة الكاتب الذي شارك في كتابة Henry VIII والمقاطع التي صاغها.

ظهر بيتر بليتش من "الأكاديمية التشيكية للعلوم" في "براغ" وأعلن حديثاً أنه حلّ المشكلة بفضل تقنية التعلم الآلي لرصد هوية كتّاب معظم نصوص المسرحية. يقول بليتش: "تشير نتائجنا بكل وضوح إلى تقسيم المسرحية بين ويليام شكسبير وجون فليتشر، مثلما افترض جيمس سبيدينغ".



المقاربة الجديدة بسيطة في المبدأ. تُستعمَل أنظمة الحلول الحسابية في التعلم الآلي منذ سنوات لرصد أنماط بارزة في أسلوب الكتّاب.تستخدم هذه التقنية مجموعة من أعمال الكاتب لتدريب نظام الحلول الحسابية ومجموعة أصغر حجماً من مؤلفاته لاختباره. وبما أن النمط الأدبي للكاتب قد يتغير على مر حياته، يجب أن ترتكز جميع الأعمال المنتقاة على الأسلوب نفسه.حين يتعلم النظام أسلوب الكاتب استناداً إلى أكثر الكلمات والأنماط الإيقاعية شيوعاً، يستطيع التعرّف على ذلك الأسلوب في النصوص التي لم يراجعها يوماً. طبّق بليتش هذه التقنية بالذات، فدرّب أولاً نظام الحلول الحسابية على رصد أسلوب شكسبير، بناءً على مسرحيات أخرى كُتِبت في زمن Henry VIII: The Tragedy of Coriolanus (مأساة كوريولانوس)، The Tragedy of Cymbeline (مأساة سيمبلين)، The Winter’s Tale(حكاية الشتاء)، The Tempest (العاصفة). ثم درّب النظام للتعرف على أعمال جون فليتشر استناداً إلى مسرحيات كتبها في الزمن نفسه: Valentinian، Monsieur Thomas (السيد توماس)، The Woman’s Prize(جائزة المرأة)، Bonduca. أخيراً، استعمل النظام مع كتاب Henry VIII وطلب منه أن يحدد كاتب النص عبر استخدام تقنية تصفح النوافذ لمراجعة المسرحية كلها.

كانت النتائج التي توصّل إليها مثيرة للاهتمام كونها تتماشى مع تحليل سبيدينغ القائل إن فليتشر كتب مشاهد تساوي نصف المسرحية تقريباً. لكن سمح نظام الحلول الحسابية باستعمال مقاربة أدق تكشف مدى تغيّر أسلوب الكتابة، لا في المشاهد الجديدة فحسب، بل في نهاية المشاهد السابقة أيضاً. في المشهد الثاني من الفصل الثالث مثلاً، رصد النظام كتابات مختلطة بعد السطر 2081، وتبيّن أن شكسبير استلم الكتابة وحده في السطر 2200، قبل بداية المشهد الأول من الفصل الرابع.كذلك، درّب بليتش نموذجه على رصد كتابات فيليب ماسنغر، لكنه لم يجد أدلة وافرة على دوره، فاستنتج أن مشاركته مستبعدة على الأرجح. يثبت هذا العمل المثير للاهتمام كيف يستعمل علماء اللغة والمحللون الأدبيون التعلم الآلي لفهم ماضينا الأدبي بدرجة إضافية.

لكن تبرز الحاجة إلى إجراء أبحاث كثيرة مستقبلاً. حين تدربت أنظمة الرؤية الآلية على رصد الأسلوب الفني، تعلّم علماء الكمبيوتر سريعاً طريقة التعرف على الأسلوب وتطبيقه على صور أخرى من خلال استخدام تقنية نقل النمط العصبي. بين ليلة وضحاها، بات تصوير أسلوب فان غوخ أو مونيه ممكناً.لا مفر من التساؤل إذاً عن إمكانية استعمال التقنية نفسها مع النصوص. هل يمكن تحويل أي بحث أو مقالة في مجلة "تكنولوجي ريفيو" الصادرة عن معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا إلى أسلوب شكسبير أو جون فليتشر مثلاً؟هذا الهدف غير ممكن حتى الآن للأسف. كل ما نستطيع فعله اليوم هو استبدال بعض الكلمات باختصارات عنها، لأن علماء اللغة أو أنظمتهم الحسابية لا يفهمون بما يكفي بنية التواصل الكامنة.