خالد العزي

حرب أوكرانيا وعداء أوروبا الشرقيّة لروسيا

23 آب 2022

02 : 01

مقارنة مع الغرب، أظهرت أوروبا الشرقية تصميماً على التحرك لدعم أوكرانيا مباشرة، في مواجهة أخطر أزمة في العلاقات بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة. تُحافظ دول الكتلة الشيوعية السابقة على مواقف حازمة، محذرة من أي تسوية مع موسكو. ومع اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية حسمت دول أوروبا الشرقية وشعوبها موقفها النهائي بالوقوف في وجه روسيا.

ترى غالبية شعوب أوروبا الشرقية أن حظها العاثر هو الذي وضعها قرب إمبراطورية قوية لم تفارقها يوما الأحلام التوسعية، فقد عانت هذه الشعوب طويلاً من روسيا القيصرية، ثم من روسيا السوفياتية، والبوتينية، وقامت بالكثير من الثورات ضد هاتين الإمبراطوريتين.

من هنا تعلم دول أوروبا الشرقية أن إطلاق العنان لروسيا في المنطقة بتوافق غربي، سيكون على حسابها وعلى حساب ثقافتها ولغتها وتطورها الاقتصادي والاجتماعي، ما دفع هذه الدول لطلب الحماية الاقتصادية من الاتحاد الأوروبي بسبب الفقر المدقع الذي عانته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الذي تركها لمصيرها. إن دول أوروبا الوسطى والشرقية كلّها شهدت الإحتلال الروسي الذي منعها لفترة طويلة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وبدأت تفكر هذه الدول بالانضمام إلى حلف الناتو، خوفاً من التهديد العسكري الروسي الذي ترجمته أحداث أوكرانيا الأخيرة ومطالبة روسيا العلنية بتصحيح التاريخ والاستيلاء على أراضي الدول الصغيرة وضمها إليها، من أجل إعادة بعث الإمبراطورية القيصرية الروسية مجدّداً، فكانت الاستغاثة بالناتو للحماية والضمانة العسكرية. اليوم تُعاني نفس هذه الدول من السياسات الاستفزازية التي تقوم بها روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين، وكلّما كانت الدولة أقرب جغرافيّاً إلى روسيا، كان نصيبها من إزعاجات هذا الجار أكبر، ولذلك كان لأوكرانيا قصّتها الخاصة مع هذا الجار الكبير. وفي 25 شباط الماضي، نظّمت بوخارست ووارسو اجتماعاً لمجموعة من 9 دول تضمّ دول شرق أوروبا ودول البلطيق وجمهوريّتَيْ التشيك وسلوفاكيا. وتشكّلت هذه المجموعة بمبادرة من بولندا ورومانيا في العام 2015 تحت رعاية الولايات المتحدة وعلى أساسٍ معادٍ صريح لروسيا.

وكان أحد الأهداف الرئيسية للمجموعة منذ تشكيلها هو التوسّع الإضافي للسيطرة الرأسمالية المباشرة على الشرق، خصوصاً في مولدوفا وأوكرانيا وجورجيا، إمّا من خلال هذه المجموعة وبمساعدة الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» من أجل إضعاف روسيا وزعزعة استقرارها، عبر العديد من الأذرع، ومنها المشروع البولندي الساعي إلى افتراس «الميراث السوفياتي الثمين»، وإمّا ما يُسمّى بـ»المحور الإنساني» في رومانيا، والذي سيتمّ استخدامه لنقل الأسلحة إلى أوكرانيا، على غرار المنظومة الحالية في بولندا. بالإضافة إلى أنّ البلدين مدعومان ببطاريات «الدرع المضادة للصواريخ» الأميركية على أراضيهما، وهي جاهزة للعمل منذ العام 2016، بينما كانت روسيا قد ندّدت بهذا الأمر باعتباره تهديداً لأمنها.

أرادت غالبية الشرائح الأوكرانية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسعت الحكومات الأوكرانية المتعاقبة لتحقيق ذلك، ولكن حكومة الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش الموالية لروسيا اتبعت سياسة المماطلة لعرقلة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بطلب من موسكو، حتّى اندلعت ضدّها ثورة «الميدان الأوروبي» عام 2014.

ليس سرّاً أن بولندا تعتمد مقاربة مختلفة عن باقي الدول في الأزمة الأوكرانية، لأنّ وقوع أوكرانيا في دائرة النفوذ الروسي ستكون له عواقب سلبية مباشرة على أمن بولندا والجميع. من هنا، نرى أن كلا من مقدونيا الشمالية وتشيكيا وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا وبولندا، تنشط في إمداد أوكرانيا بترسانتها العسكرية دفاعاً عن خط الدفاع الأوّل في أوكرانيا الذي يقف في وجه الروس، لأنّ سقوطه يعني سقوط أوروبا الشرقية.

تتصدّر أنظمة دول أوروبا الشرقية الحرب ضدّ روسيا، وتلعب دوراً رائداً بالوكالة عن حلف «الناتو»، بعدما تحوّلت إلى معاقل وقواعد لهذا الحلف وفقاً للتالي:

- حكومات أوروبا الشرقية في طليعة حرب «الناتو» ضدّ روسيا.

- شعوب أوروبا الشرقية تتطوّع للدفاع عن أوكرانيا.

- دول أوروبا الشرقية تغدق بسلاحها وآلياتها على الميدان الأوكراني.

- دول أوروبا الشرقية تستقبل اللاجئين الأوكران وتشرّع انضمام أوكرانيا للاتحاد.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه على الجميع: لماذا تكنّ شعوب ودول أوروبا الشرقية العداء لروسيا وسياستها التاريخية على الرغم من الارتباط المذهبي والثقافي والجغرافي؟ الجواب يكمن بتعامل روسيا الفوقي والعنجهي مع هذه الدول التي تُحاول تذويبها وحلّ مشكلاتها الديموغرافية على حسابها وتدمير لغتها وثقافتها ومسح حدودها التاريخية وعاداتها واستقلالها.


MISS 3