بول مرقص

الحيثيات القانونية لـ"الدولار الجمركي"

24 آب 2022

02 : 00

بول مرقص

في ظلّ ترقّب رفع تعرفة لما يسمى «بالدولار الجمركي» رسمياً في لبنان، تباينت الآراء حول هذا الموضوع، لا سيّما بعد الكتاب الذي وجّهه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي إلى وزير المال بتاريخ 17/8/2022 والذي بموجبه طلب منه «إجراء ما يلزم واتخاذ القرارات المناسبة لاعتماد الطرق الكفيلة التي تجيزها الأحكام القانونية المرعية الإجراء، لا سيما قانون النقد والتسليف (المادة 229 منه) في سبيل تحديد سعر الدولار الجمركي».

ولا شك أن موضوع الدولار الجمركي يجدر أن يخصّص له الأهمية اللازمة لما له من تأثير على الاقتصاد الوطني والقدرة الشرائية للمواطنين، فالرسوم الجمركية تساهم بتغذية خزينة الدولة التي هي بحاجة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى إلى هذه الواردات، لا سيّما وأنه يتمّ دفع رواتب الموظفين المهدّدة والتي تخسر قيمتها يوماً بعد يوم في ظلّ الإرتفاع الجنوني في الأسعار.

فلا بدّ من معالجة مسألة صلاحية وآلية تعديل التعرفة الجمركية، والجهة المخوّلة تحديد سعر صرف الدولار الجمركي من الناحية القانونية.

أ‌- صلاحية تعديل التعرفة الجمركية:

فئة من القانونيين تعتبر أن تحديد وتعديل التعرفة الجمركية يقعان تحت صلاحية السلطة التشريعية وذلك وفقاً للمادة /82/ من الدستور التي نصّت على أنه «لا يجوز تعديل ضريبة أو إلغاؤها إلا بقانون»، أي أنه على مجلس النواب أن يصدر قانوناً في هذا الشأن وبالتالي فإنه مبدئياً لا يعود إلى الحكومة أن تتخذ مراسيم في ما يتعلّق بتعديل التعرفة الجمركية كون ذلك يخرج عن صلاحياتها.

الرأي الآخر في المقابل يعتبر أن قانون الجمارك أي المرسوم /4461/ لعام 2000 واضح وواجب التطبيق حيث تنصّ المادة /35/ منه على ما يلي:

«إذا كانت قيمة البضائع الواردة في الفاتورة محررة بعملة أجنبية، يتم تحويلها إلى عملة لبنانية على أساس معدل التحويل المعمول به بتاريخ تسجيل البيان التفصيلي والمسند إلى معدلات التحويل التي يحددها، شهرياً أو دورياً، مصرف لبنان».

مناصرو هذا الرأي يشيرون إلى أنه كان يمكن ببساطة للجمارك منذ بداية تدني قيمة الليرة اللبنانية أن تراسل مصرف لبنان لإعتماد معدلات التحويل التي يحددها.

إلا أن ما يسمى بـ» قانون الجمارك» هو في الحقيقة مرسومٌ رقمه/4461/ وليس قانوناً، وهو معطوف على القانون رقم /132/ لعام 1999 الذي منح الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي.

تجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها تعديل التعرفة الجمركية، إلا أن تعدّد أسعار الصرف لليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي في الأسواق، أدى إلى خلل في طريقة احتساب الرسوم لا سيّما الجمركية منها في ظلّ غياب أي تشريع خاص لغاية تاريخه، يُحدِّد صراحةً سعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية لاتخاذه كأساس للتعامل بالعملة الوطنية وفق ما نصّت عليه المادة الثانية من قانون النقد والتسليف، والتي جاء فيها أن القانون يحدّد قيمة الليرة اللبنانية بالذهب الخالص.

وقد جرت العادة أن يقوم مجلس النواب بتفويض الحكومة صلاحية التشريع في الحقل الجمركي، وذلك إنطلاقاً من القانون رقم /132/ تاريخ 26/10/1999 (منح الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي)، وصولاً إلى القانون رقم /93/ تاريخ 10/10/2018 (منح الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي) الذي نصّ في المادة الأولى منه على ما يلي: «تمنح الحكومة لمدة خمس سنوات، حق التشريع في الحقل الجمركي بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء».

أما المادة الثانية منه فقد نصّت على ما يلي: «في ما يتعلق بالتعريفات الجمركية، للحكومة أن تمارس هذا الحق مباشرة أو تنيب المجلس الأعلى للجمارك أن يمارسه».

إنطلاقاً من هذا المنحى التاريخي يتبيّن أن التشريع في الحقل الجمركيّ أو في أي حقل ضريبي آخر هو من صلاحية مجلس النواب بموجب قانون. إلا أنه بإمكانه أن يفوّض هذه الصلاحية إلى الحكومة مجتمعة من أجل إقرار أي تعديل يتعلق بما يسمى بالدولار الجمركيّ.

أما مجلس شورى الدولة فقد اعتبر من جهته أن تعديل التعرفة الجمركية يتطلب تشريعاً، ولا يمكن أن يحصل بمرسوم عادي كونه يلحظ فرض رسوم جديدة، وهو لا يدخل في إطار حق التشريع الجمركي المعطى للحكومة.

ب‌- مدى قانونية تحديد سعر صرف الدولار الجمركي من وزير المال:

نصّت المادة /229/ من قانون النقد والتسليف لعام 1963 والتي ذكرت في كتاب رئيس الحكومة إلى وزير المال، على أن صلاحية تحديد «سعر رسمي انتقالي لليرة» يعود لهذا الأخير، على أن يكون «أقرب ما يمكن من سعر السوق الحرة». فإلتزاماً منه تجاه نصّ هذه المادة أصدر وزير المال بتاريخ 30/12/1964 قراراً تحت الرقم /4800/ جاء في مادته الأولى ما مفاده: «يحدد السعر الانتقالي القانوني لليرة اللبنانية نسبة للدولار الاميركي بمعدل ثلاث ليرات لبنانية وثمانية قروش لكل دولار أميركي».

في حين نصّت المادة الثانية منه على ما يلي: «تحدد أسعار العملات الأجنبية بالعملة اللبنانية من أجل استيفاء الضرائب والرسوم على أساس السعر الانتقالي القانوني المذكور في المادة الأولى بعد تحويل هذه العملات إلى دولارات أميركية على أساس معادلاتها بالذهب المعلن عنها لصندوق النقد الدولي».

إلا أنه عام 1973 صدّق مجلس النواب بموجب قانون منفذ بمرسوم رقم /6104/، الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة القاضية بتكليف وزير المال بالاتفاق مع مصرف لبنان وضع القواعد المناسبة في ما يتعلق باعتماد سعر الذهب الجديد بالنسبة للدولار الأميركي، واعتماد المعدلات الواقعية للعملات الأجنبية بالنسبة لليرة اللبنانية، لغاية استيفاء الضرائب والرسوم التي تستوفى عن المبالغ المحررة بالعملات الأجنبية، مما يشير إلى أن مجلس النواب عمل طوال سنوات على تصديق قرارات وزير المال المتعلقة بتحديد سعر رسمي انتقالي لليرة اللبنانية قبل أن يصبح قراره نافذاً، دون أن يكون لوزير المال صلاحية منفردة في هذا المجال.

ثمّة من يقول أن كتاب رئيس الحكومة لوزير المال مخالف للقانون، كون صلاحية وزير المال التي جاءت المادة /229/ من قانون النقد والتسليف على ذكرها، تتعلق بسعر صرف الليرة اللبنانية في كل تعاملات الدولة من دون جواز حصرها في الدولار الجمركي بشكل استنسابي وعشوائي ودون معايير تضبطها.

ج‌- الآلية القانونية الصحيحة لتحديد سعر صرف الدولار الجمركي:

إنطلاقاً مما عرضناه سابقاً، نجد أن تعديل التعرفة الجمركية أو ما يسمى بالدولار الجمركي يعود إلى السلطة التشريعية بموجب قانون أو وفقاً لتفويض مؤقت تمنحه للحكومة مجتمعة بموجب قانون.

فمن غير القانوني أن يحدد سعر صرف الدولار الجمركي من وزير المال من دون وجود قانون واضح وصريح يسمح بذلك، فمنح وزير المال تفويضاً إستناسبياً ودائماً في تعديل الرسوم الجمركية يشكل انتهاكاً لصلاحية مجلس النواب التشريعية وصلاحية الحكومة.

وهذه الخطوة، فضلاً عن أنه لا وجود قانونياً لمصطلح «الدولار الجمركي» فهي تفتح المجال أمام أي كان من أصحاب المصالح بالتقدم بمراجعة أمام مجلس الشورى لوقف تنفيذ القرار وابطاله، كما أن تحديد سعر صرف الدولار الجمركي بـ 20 ألفاً، مقابل دولار غير مستقر في السوق السوداء، وتعدد أسعار صرف الدولار في المعاملات الرسمية، لن يؤدي الى توحيد لسعر الصرف بل العكس.

إن الحلّ يكمن في خطة ورؤية إقتصادية شاملة وبرنامج إصلاحي واضح، فلا يمكن أن يكون تدبيراً مجتزءاً ينطلق من خطوات منفردة ومنفصلة يتحمّل المواطن وحده أعباءها والآثار المترتبة من جرائها، مع تفهمنا لحاجات الخزينة وضرورة تسديد رواتب موظفي القطاع العام.

(*) محامٍ في الإستئناف، دكتور في القانون، مؤسس مكتب جوستيسيا للمحاماة https://justiciabc.com، أستاذ في كليات الحقوق.

ساهمت الأستاذة مها داغر من مكتب جوستيسيا في صياغة هذا المقال.


MISS 3