سينان جيدي

أردوغان يتعثّر لكنه ليس خارج السباق

27 آب 2022

المصدر: The National Interest

02 : 00

رئيس "حزب الشعب الجمهوري" كمال قلجدار أوغلو
يُركّز مراقبو السياسة التركية على احتمال أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا حرّة ونزيهة. يُفترض أن تجري هذه الانتخابات قبل تموز 2023، وهي تُعتبر على نطاق واسع آخر فرصة لإخراج الرئيس رجب طيب أردوغان من السلطة وإعادة بناء تركيا كدولة ديمقراطية حقيقية. يحكم أردوغان البلد منذ العام 2003، وستكون هذه الانتخابات مصيرية بالنسبة إليه أيضاً. إذا خسر الرئيس في هذا الاستحقاق، يرتفع احتمال أن يتعرّض مع عائلته للملاحقة القضائية بتُهَم مرتبطة بالفساد وسوء استعمال السلطة. هذا ما دفع المحللين إلى توقّع لجوء أردوغان إلى أي تدابير تضمن صموده في السلطة، سواء كانت ديمقراطية أو غير ذلك. لكن لا تبدو فرص نجاحه كبيرة، إذ يشهد البلد انهياراً اقتصادياً منذ فترة. في هذه الظروف، من المبرر أن يشعر الناخبون بالاستياء ويطالبوا بالتغيير. لكن فيما يصبّ التركيز على ما ينوي أردوغان فعله للبقاء في السلطة، قد ينجح الرئيس في التمسك بمنصبه ويستفيد في المقام الأول من عجز المعارضة السياسية التركية عن تقديم مسارٍ قابل للاستمرار وطرح مرشّح بديل عن الرئيس الحالي.

لهزم أردوغان، أخذ "حزب الشعب الجمهوري"، وهو أبرز حزب معارِض في تركيا، زمام المبادرة لبناء تحالف من الأحزاب المعارِضة، فجمع ستة أحزاب في إطار ائتلاف واحد. يرتكز هذا المنطق على الفكرة القائلة إن هزم زعيم له شعبية واسعة، مثل أردوغان، يتطلب تعاوناً مكثفاً بين جميع أحزاب المعارضة. حصد رئيس "حزب الشعب الجمهوري"، كمال قلجدار أوغلو، الذي استلم منصبه منذ العام 2010، إشادة واسعة لأنه نجح في جمع لاعبين سياسيين يحملون قناعات مختلفة. لترسيخ مكانة "تحالف الأمة"، تقضي خطوة أساسية باسترجاع تركيا كديمقراطية مؤسسية، علماً أن هذا المعسكر يلوم أردوغان على إضعاف الديمقراطية محلياً.

من الواضح أن أردوغان يتحمّل جزءاً كبيراً من اللوم على إضعاف المؤسسات الديمقراطية في تركيا، وتضرر النمو الاقتصادي، وتدهور علاقات البلد مع الشركاء الغربيين. منذ محاولة الانقلاب في العام 2016، ركّز أردوغان على حصر السلطة التنفيذية بيد الرئاسة المتجدّدة، وقد اعتبر عدد كبير من المراقبين الدوليين هذه الخطوة نهاية لحُكم القانون في تركيا. في غضون ذلك، أدى استفحال الفساد وسوء الإدارة إلى جعل تركيا تسجّل ثالث أعلى مستوى تضخم في العالم، إذ يكاد التضخم فيها يصل اليوم إلى 80%. وفي عهد أردوغان أيضاً، لم تعد تركيا دولة محترمة وقيّمة في التحالف الغربي بسبب علاقات أردوغان الوثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يظن البعض أن هذا المستوى من الاختلالات قد يدفع الناخبين إلى انتخاب رئيس جديد، لكنّ الوضع مختلف في تركيا. وثّق المراقبون الدوليون للانتخابات التركية في الماضي الحديث، بما في ذلك "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" ومنظمة "فريدم هاوس"، تدخّلاً حكومياً واسعاً يضمن احتفاظ أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" بمكانة متقدّمة ويمنحهما فرصة كبيرة للبقاء في السلطة. تتعدد العوامل المؤثرة في هذا المجال، منها غياب حرية الصحافة التي تسمح للناخبين بتلقي المعلومات بلا رادع، والقيود الحكومية المفروضة على أحزاب المعارضة، منها "حزب الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد (يقبـع قادته في السجن)، وولاء الســـــلك القضائي والطبقة البيروقراطية المدنية لأردوغان وقضيته. في الظروف الطبيعية، كانت الاضطرابات القائمة لتُعتبر كافية لدعم المعارضة السياسية، لكن يختلف الوضع مع الناخبين الأتراك للأسف.

في المقام الأول، لا يركّز تحالف المعارضة على تسمية أفضل مرشّح لهزم أردوغان، بل يبدو أن قلجدار أوغلو سيُصرّ على ترشيح نفسه للرئاسة باسم التحالف. قد يكون "حزب الشعب الجمهوري" أكبر عضو في الائتلاف، لكنّ هذا الواقع لا يحتّم ترشيح رئيس الحزب عن التحالف كله. يظن النقاد أن التحالف مضطر لتعزيز مكانته عبر تسمية أقوى مرشّح لديه إذا أراد تحسين فرص إسقاط أردوغان من السلطة. يعني ذلك على الأرجح ترشيح رئيس بلدية اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، من "حزب الشعب الجمهوري".

قد يكون ترشيح إمام أوغلو، الرجل اللامع وصاحب الكاريزما العالية، كابوساً حقيقياً لأردوغان. هو رجل فصيح وشاب ويحمل تعاطفاً كبيراً مع الآخرين، وسبق وهزم أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" في العام 2019، حين فاز في انتخابات بلدية اسطنبول وأثار استياء الرئيس. لا سبب يمنع ترشيح إمام أوغلو ضد أردوغان إلا إرضاءً لغرور قلجدار أوغلو. تكشف استطلاعات الرأي طوال الوقت أن إمام أوغلو يحصد أعلى الأرقام ويملك أفضل فرصة لهزم أردوغان. في المقابل، يتخبط قلجدار أوغلو بكل وضوح ولم يحقق انتصارات انتخابية بارزة ضد أردوغان منذ توليه رئاسة حزبه في العام 2010.

بالإضافة إلى مشكلة اختيار المرشّح، تبرز أيضاً مسألة تحديد أعضاء "تحالف الأمة". حُرِم "حزب الشعوب الديمقراطي" من الانضمام إلى التحالف حتى الآن بسبب هويته الكردية على الأرجح. إنه إقصاء مؤثر في استراتيجية "تحالف الأمة". يبدو سبب استبعاد "حزب الشعوب الديمقراطي" بسيطاً نسبياً: لا يريد أعضاء التحالف تشويه سمعتهم عبر اعتبارهم متعاطفين مع القضية الكردية في تركيا، وهي تهمة سيستعملها أردوغان ضد التحالف حتماً إذا قرر ضمّ "حزب الشعوب الديمقراطي" كسابع عضو فيه. قد يكون هذا الموقف مبرراً، لكنه ليس منطقياً. يحصد "حزب الشعوب الديمقراطي" دوماً حوالى 13.5% من دعم الناس في استطلاعات الرأي، ما يجعله مصدر قوة للمرشّح الذي يطرحه التحالف للرئاسة. وإذا اضطر هذا الحزب لطرح مرشّحه الخاص، لا مفر من انقسام أصوات المعارضة وزيادة قوة أردوغان بطريقة غير مباشرة.

أخيراً، يواجه التحالف مشكلة على مستوى الرسائل التي يوجّهها. ما الهدف من هذا التحالف، بعيداً عن هزم أردوغان؟ لم يتّضح الجواب على هذا السؤال بعد. أصبحت مشاكل تركيا كبيرة اليوم ويمكن الاستفادة من تجربة "حزب العدالة والتنمية"، حين ترشّح أعضاؤه للسلطة للمرة الأولى في العام 2002. في تلك الفترة، نشر "حزب العدالة والتنمية" "خطة عمل طارئة" شملت قائمة بالأولويات التي يُفترض تطبيقها فور استلام السلطة. تراوحت المسائل المحورية حينها بين التدابير الاقتصادية والسياسة الخارجية والرعاية الاجتماعية. بعبارة أخرى، حصد "حزب العدالة والتنمية" الزخم اللازم ومنح الناخبين سبباً وجيهاً للتصويت لصالحه. اليوم، يتكل قلجدار أوغلو وأعضاء تحالفه على غضب الناخبين بكل بساطة، ويأملون في إحداث تغيير سياسي في تركيا انطلاقاً من هذا الاستياء العام. في المقابل، لم يقدّم هذا المعسكر سبباً عملياً لدفع الناخبين للتصويت لمرشّحه. كذلك، لم يطرح "تحالف الأمة" أي برنامج سياسي رسمي، بل إنه أطلق وعداً مبهماً بإعادة بناء تركيا كدولة ديمقراطية من خلال العودة إلى نظام الحُكم البرلماني رسمياً (أصبحت تركيا نظاماً رئاسياً بعد استفتاء عام في سنة 2017). في الوقت نفسه، لم تُطرح أي خطط علنية حول ما ينوي التحالف فعله للتعامل مع المسائل المرتبطة بالاقتصاد، والسياسة الخارجية، وملفات بارزة أخرى. يصعب أن يثق الناخبون بهذا النوع من الأداء.

على صعيد آخر، يتّسم قادة "تحالف الأمة" بدرجة من الغطرسة، فهم يلقون خطابات مبالغاً فيها ويستعملون عبارات مثل "حين نصل إلى السلطة، سنفعل ذلك...". لا شك في أن أردوغان أصبح أضعف مما كان عليه سياسياً، لكنه قد يحصل على فرصة أخرى بسبب انقسام المعارضة السياسية وافتقارها إلى التنظيم، فضلاً عن المنافع غير المتكافئة التي يحصدها لمجرّد أنه الرئيس الراهن للبلاد. في النهاية، تبقى تركيا ديمقراطية شائبة جداً، وتكثر التوقعات حول التدابير غير الديمقراطية التي يمكن أن يلجأ إليها أردوغان للبقاء في السلطة. لكن نظراً إلى غياب المواقف المبنية على مبادئ واضحة في معسكر المعارضة، قد لا يضطر أردوغان للجوء إلى حِيَل كثيرة لتحقيق النتيجة التي يريدها. حتى الآن، يبدو أن المعارضة السياسية المتحفظة هي التي تساعد أردوغان على البقاء في سدة الرئاسة لخمس سنوات أخرى.

سينان جيدي هو مسؤول بارز وغير مقيم في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، حيث يشارك في "برنامج تركيا" و"مركز القوة العسكرية والسياسية". هو أستاذ مساعِد في الدراسات الأمنية أيضاً في "كلية القيادة وهيئة الأركان" في جامعة مشاة البحرية، وفي كلية الخدمة الخارجية في جامعة "جورج تاون".


MISS 3