سيلفانا أبي رميا

مسيرة ١٤ عاماً تنتهي بلحظة

17 أيلول 2022

02 : 01

تعا نحرق هالمدينة ونعمّر وحدة أشرف

من قلب عاصمة منقسمة، من دهاليز القمع والفوضى والفساد والعنف، من ديموقراطية مثقوبة، وُلد صوت 7 طلاب قرّروا نشر موسيقى جديدة وتوجه مختلف واحتلّوا الساحات والمسارح لينتفضوا على واقع بات يؤلم كبار لبنان كما صغاره في أغنيات هدمت الحواجز وطرحت أسئلة جريئة وموجعة.


تمكنت فرقة "مشروع ليلى" أي مشروع ليلة واحدة منذ تأسيسها يوم 8 شباط 2008 من حصد جمهور ضخم واكتساب شهرة واسعة في الوسط الشبابي المعاصر الذي وجد فيها ما يشبهه ويشبع تطلّعاته الثائرة.


وظهرت الفرقة إلى العلن يوم شاركت في "مهرجان الموسيقى" في بيروت ومُذاك، أثارت جدلاً كبيراً بسبب الجرأة في اختيار الكلمات، التي اعتبرها الجمهور خادشة للحياء، وما تحتوي عليه الأغاني من محتوى جنسي وسياسي.


تعددت أسباب قمع الفرقة، إلا أن أساس الهجوم عليها، هو بسبب إضاءتها على مجتمع "الميم-عين"، بحيث أن جمهورها ضمّ العديد من أفراده الذين شجعوها على الموسيقى الجديدة، وقد أعلن حامد سنّو المغني الأساس في الفرقة، عن ميوله الجنسية بشكل واضح عندما قال إنه "كويري"، فواجه هجوماً شرساً.



اليوم وبعد 14 عاماً تختتم الفرقة مشوارها الفني بسبب اتهامات وجهت لها، وحملات متتالية لحظرها في الدول العربية، واعتراضات على مخالفتها الذوق العام والقيم المجتمعية. ففي 11 أيلول خفض المغني الرئيسي للفرقة حامد سنو صوت الموسيقى معلناً انتهاء الرحلة حيث قال: "أصعب ما واجهته خلال مسيرتي، أن الدول العربية أهانت وأساءت فهم كلمات أغنياتي وعدّتها ركيكةً وسطحيةً وتافهةً، ودفعتني إلى تغييرها أو تصحيحها، على اعتبار أنني عاجز عن لفظ الحروف العربية والنطق بها، لذا تعرضت للإساءة المستمرة، فيما كانت هذه الأغاني تدرَّس في جامعات أميركا وأوروبا".



هذه الفرقة التي تمكنت من حجز موقع لها على خريطة الاحتجاج اللبناني وأن تكون صرخة في وجه المجتمع الركيك، هزت كيان قطاع كبير من المجتمع العربي ورحلت تاركةً بصمة من السخرية المرة وأثبتت أن ما غنّته يوماً "ما زالت التربة ماحلة ليش لنزرع ورود".



حاولنا التواصل مع عدد من الموسيقيين لمعرفة رأيهم في موضوع القمع الذي تعرضت له الفرقة، الّا أنّ عدداً لا بأس به رفض الكشف عن مواقفه وفضل الجلوس على الحياد نظراً لحساسية الموضوع، أبرزهم: غسان الرحباني، منصور الرحباني وفرقة "أدونيس".




يوسف نعيم: لا تستسلموا

في المقابل، رأى الناشط في القطاع الموسيقي يوسف نعيم أنّ توقف عمل الفرقة نموذج عن الخسارة المتواصلة وحرمان قسم كبير من الجمهور من موسيقى أحبوها وتعلقوا بها وكانت صوتاً لمعاناتهم. وقال في حديثه مع "نداء الوطن": "الكثيرون كانوا بانتظار ما ستقدمه الفرقة من أعمال ومواضيع جديدة"، وتمنى أن يكمل أعضاء الفرقة إثبات موهبتهم ولو بشكل فردي، فهم جزء من هذا المجتمع، وكل فشل لفرقة أو مشروع يلعب دوراً كبيراً في إحباط شبابنا اكثر ويفقده الامل بالمستقبل.

وأضاف: "لطالما رفضت مجتمعاتنا الموسيقيين والفنانين الذين حاولوا إطلاق مسار جديد وغير مألوف فتعرضوا للانتقادات اللاذعة والحرمان والتنمر"، ودعا فرقة "مشروع ليلى" إلى ترسيخ إيمانها بمسيرتها وهدفها وعدم الاستسلام بسهولة من منطلق أن قسماً من الجمهور وخصوصاً العربي يحتاج الكثير من الوقت لاستيعاب التغيير وتقدير الاعمال الجديدة.




غسان يمين: لا فن بلا حرية تعبير

"مؤسف أن أسمع خبر نهاية فرقة تميزت ولمعت لسنوات تضطر للاعتزال لسبب غير فني أو تقني" بهذه الكلمات بادر المؤلف الموسيقي غسان يمين إلى وصف حزنه عند سماع الخبر وإعجابه بالفرقة التي بنظره لا يمكن إنكار أنها منذ بدايتها استطاعت خلق هوية خاصة بها ونمط جديد ومتميّز عمّا اعتدناه، قسّمت الجمهور بين مؤيد ومعارض، وتمكنت على عكس فرق كثيرة مرّت بتاريخ الموسيقى اللبنانية من أن تحجز لها مقعداً في الاستمرارية والنجاح داخل لبنان وخارجه.

وأضاف: "السنوات الخمس الأخيرة كانت الأصعب على الفرقة وما واجهته من انتقادات دينية وسياسية وأخلاقية وحملات منع متتالية وضغوطات أنهكت قواها وسلبت طاقتها واندفاعها وجعلتها غير قادرة على الاستمرار في بلد نسي أن يحضنها لا بل حاربها"، مؤكداً أنّ "لا فن من دون حرية التعبير. فالفن يتخطى كل الحواجز والحدود والقوانين محلقاً في فضاءات مختلفة. وما حصل لـ"مشروع ليلى" أكبر دليل على الفجوة الثقافية والحرية المتزعزعة التي تمسّ بمختلف القطاعات في مجتمعنا اللبناني والعربي".





أيمن رعد: "ما في فن مش حلو"

المحامي أيمن رعد أحد منظّمي مهرجان "صوت الموسيقى أعلى" والذي عُرف بدعمه للفرقة يوم واجهت المنع في مهرجانات بيبلوس، شبّه قرار "مشروع ليلى" بالانتحار وهو ما تصل إليه الفئات المهمّشة والمضطهدة في المجتمع، وقال: "ما في فن مش حلو"، لا أحد جدير بتقييم الفن الذي يعتبر أداة تعبير عن وجهة نظر معينة. لكل فرقة كيانها وهويتها إما أن تحبها أو لا لكن لا يمكنك قمعها".

أمّا من وجهة النظر القانونية، فأكد أن "القوانين اللبنانية بالشكل والنص تحفظ حرية التعبير مع وجود رقابة، إنما تكمن المشكلة في تطبيقها حيث يتم ذلك بطريقة خاطئة بسبب النظام الديني والطائفي في لبنان الذي يُقال إنه دولة مدنية"، مضيفاً: "الرقابة يجب ألا تكون في يد جهاز امني بل في يد لجنة مدنية مؤلفة من أصحاب الاختصاص. وللأسف، اعطى الأمن العام اللبناني صلاحيات خارج القانون لرجال دين تمكّنهم من تحديد ما يُعرض وما لا يُعرض، كالمجلس الكاثوليكي للإعلام وهيئة علماء المسلمين وغيرهما. فلا قانون كفيل بمحاسبة أو منع اي فنان او فرقة من أدائها بسبب ميوله وتوجهاته جنسية كانت أو سياسية أو دينية".



ساندي شمعون: "فاشيّة" فنية"

أنا ضد القمع" هكذا استهلّت الفنانة الموسيقية ساندي شمعون حديثها عن قرار فرقة "مشروع ليلى" بالتوقف، فبنظرها لا أحد يستحق أن يتوقف مشروعه وعطاؤه مهما كان. واستغربت الطريقة التي تعامل بها الشعب اللبناني والعربي مع أغاني الفرقة وأعضائها .

وأضافت: "لا أحد له الحق في انتقاد وتحديد حياة وكلمات وظهور ووجهة نظر وموسيقى وحتى طريقة عيش ولبس أي فنان. هذه فاشيّة وفراغ وتخلّف. "مشروع ليلى" انظلمت لسنوات ونجحت الانتقادات والتنمر في تدمير فرقة مستقلة ناجحة، نفتخر بها وشكلت بجهودها صورة مثالية وأيقونة فنية لجمهور ضخم". وأكدت أن كل هذا جزء من صورة ضخمة لهشاشة مجتمعنا وسلطاتنا التي أظهرت ردود فعل غير مبرّرة".



باسم دعيبس: توقعت قرار الاعتزال

المغني والمؤلف باسم دعيبس صاحب فرقة "Blaakyum" الذي تعرّض وفرقته لحالات لا تُحصى من القمع والانتقادات وما زالا يُحاربان منذ التسعينات، هو الذي واجه السجن عشرات المرات لاتهامه بالانتماء لعبدة الشياطين، توقّع قرار "مشروع ليلى" بالاعتزال، وقال: "ما واجهته الفرقة من تسلسل أحداث ليس سهلاً وقضى على قدرة تضامن الفرقة والعمل بروح إيجابية مندفعة، انطلاقاً من الانتقادات مروراً بجائحة "كوفيد 19" والوضع الاقتصادي والمجتمعي في بلد مشتّت".

وأمل أن يكون قرارها إنقطاعاً وقتياً وليس اعتزالاً، مضيفاً: "مجتمعنا الذي يدّعي الانفتاح فشل. "مشروع ليلى" حلقة من سلسلة قمع شهدنا منها منع فرق الروك والـmetal من الغناء كلياً في التسعينات". وتابع: "هوجمت فرقتي التي حصدت أكبر الجوائز حول العالم من قبل الكنيسة والـ"تيلي لوميار" والمجلس الكاثوليكي للإعلام ودار الفتوى والحكومة، ولا سيما في العام 2002 عندما ظهرت أكبر موجة هجوم على الفرق حيث كانوا يدخلون الملاهي التي نغني فيها ويجروننا إلى المخافر، وللأسف هذا التخلّف ما زال مستمراً حتى اليوم مع رجال دين وسياسة يهاجمون وجمهور مؤمن بالخرافات يصفّق". وختم: "لا يمكنني القول إنني من المعجبين بالفرقة ولكن لا يمكن إنكار ما قدّمته لموسيقى البوب روك، وأدعوها لإعادة النظر لأننا على أبواب بداية انفتاح موسيقي في مجتمعنا".



ميساء جلّاد: لبنان خسر

المغنية والمؤلفة ميساء جلاد التي تعرفت على الفرقة يوم انطلاقتها من الجامعة نفسها وأُغرمت بموسيقاها وكبرت لتكون مغنية مثل اعضائها، لم تستوعب حجم الظلم الذي تعرضت له الفرقة وحزنت لقدرة مجتمع صغير على حرمان شبابه من فن جميل، وأشارت الى أنّ "أعضاء الفرقة لم يعد بإمكانهم الاستمرار حتى مادياً وأصبحوا خارج لبنان لهذا السبب، كارل عاد للهندسة كما أمية، فراس يعمل الآن في حقل الانتاج الموسيقي، حامد غادر إلى نيويورك... لبنان خسر الكثير من دون أن يدري بعد". وختمت: "مهما أسكتوها فلا يمكن إلغاء واقع أن موسيقاها وكلمات أغانيها هي انعكاس للمجتمع اللبناني والعربي، لا شيء يمحو الحقيقة". ولكل من وقف ضدها أقول: "كونوا لطفاء وواقعيين وانتقدوا بطريقة بناءة، بعيداً عن التجريح والتنمّر"، آملةً أن يكون توقف الفرقة هذا وقتياً.



MISS 3