ريتا ابراهيم فريد

طلاب لبنان وصعوبة العودة إلى المدرسة...

مدرّبة التنمية الذاتية نادين عزّ الدين:حوار الأستاذ مع تلاميذه يضمن أجواء مريحة

26 أيلول 2022

02 : 01

يمرّ طلاب لبنان اليوم بمرحلة دقيقة. فهي المرة الأولى التي يعودون فيها الى مدارسهم بشكل طبيعي بعد ثلاث سنوات تأرجحوا فيها بين الإضرابات وإقفال الطرقات، ثمّ الحجر الصحي جراء انتشار فيروس "كورونا"، حيث تلقّوا دروسهم أونلاين، إضافة الى الأزمات المعيشية المتعدّدة التي توالت عليهم بشكل مفاجئ. فمن الطبيعي أن يستصعبوا العودة الى النظام والحضور داخل الصفّ، خصوصاً في الفصل الأول. وفي هذا الإطار، تواصلت "نداء الوطن" مع مدرّبة التنمية الذاتية والبشرية والمتحدّثة التحفيزية نادين عزّ الدين، التي شدّدت على أهمّية التواصل بين الأستاذ والتلميذ، وأن يعود الأساتذة الى مفهوم الرسالة التربوية بكل معانيها.

ما المطلوب اليوم من الأساتذة لتأمين أجواء مريحة وحاضنة للطلاب، أقلّه في الفترة الأولى من العام الدراسي؟

من المهمّ جداً أن يتقرّب الأستاذ من كلّ تلميذ موجود في صفّه. لا شكّ في أنّ هذه الخطوة قد لا تكون سهلة على الأستاذ، لكنّها ضرورية له لضمان عامٍ دراسيّ ناجح ومريح. فكلّ تلميذ عاش في منزله تجربةً مختلفة عن الآخرين خلال هذه السنوات الثلاث، لأنّ التعاطي مع الأبناء يختلف بين أسرة وأخرى. فهناك الأهالي الذين أهملوا أطفالهم، أو أولئك الذين تعاملوا معهم بقسوة، مقابل الأهالي الذين تعاطوا بأسلوب متوازن. من هُنا تأتي أهمية أن يعرف الأستاذ كيف أمضى تلاميذه هذه الفترة، وما هي الأمور التي أزعجتهم، وإثر ذلك، سيختلف تعامله معهم. وحين يكون الطالب قريباً من أستاذه، سيشعر حتماً بالراحة. فالأطفال عاشوا هذه الفترة بعيداً عن التواجد ضمن مجموعة، وتلقّوا دروسهم أونلاين من دون تواصل مباشر. إضافة الى ذلك، من المهمّ أن تكون بداية العام الدراسي هادئة ومتساهلة الى حدّ ما لناحية تكثيف الدروس، لا أن نستعجل في المنهاج لتعويض ما سبق.

معظم الطلاب اليوم يعانون من تشرذم بعد هذه السنوات الثلاث. فكيف يمكننا أن نحدّد إذا كان التلميذ يعاني من صعوبات تعلّمية، أو أنّ ما يشعر به طبيعي بسبب الفترة الصعبة التي مرّت؟

حين يتقرّب الأستاذ من طلّابه كما ذكرنا منذ قليل، سيميّز حتماً بين الحالتين. وإذا كان ملفّ التلميذ الذي يعاني من صعوبات تعلّمية موجوداً في المدرسة منذ السنوات السابقة، على الإدارة إذاً أن تتابعه بشكل خاص منذ اليوم الأول.

ولا بدّ من الإشارة الى مسألة تفاوت الأعمار داخل الصفّ الواحد، فهناك طلاب من مواليد الشهر الأول من السنة، وطلاب من مواليد الشهر الأخير، وهم متواجدون على المقاعد الدراسية نفسها. هذا الفارق الكبير في عدد الأشهر قد يؤدّي الى صعوبات للطلاب الأصغر سنّاً، ويجب أخذ هذه المسألة بعين الإعتبار.

توجّهين دعوة للأساتذة كي يمارسوا دورهم التربوي بكل معانيه. أين تقع مسؤوليّتهم في تقديم الدعم للطلاب الذين يعانون من ضعفٍ في بعض المواد؟

ليس صدفة أنّ يكون اسم الوزارة: "وزارة التربية والتعليم". فلا بدّ من العودة قليلاً الى هذا الإسم لتبيان الدور الحقيقي للمعلّم، الذي لا يقتصر على تقديم المعلومات للطلاب ثمّ المغادرة عند نهاية الدوام. من يدخل في مجال التعليم عليه أن يكون مدركاً لرسالته التربوية، التي تتضمّن فتح قنوات حوار مع طلّابه ومساعدتهم وتوجيههم نحو أطر التفكير الصحيح.

فالأساتذة بمثابة أهل لطلّابهم، يهتمون بقدراتهم الفكرية، ويساعدونهم على التطوّر الذاتي. وحين يشعر التلميذ أن المربّي يستمع له، سيتفاعل معه تلقائياً بشكل أفضل. وهذا ما اختبرته شخصياً خلال السنوات التي أمضيتُها في التعليم. فحين كنتُ أشعر أنّ تلاميذي متعبون، كنتُ أوقف الدرس فوراً لأخذ استراحة داخل الصفّ، حيث كنّا نتحدّث عن بعض المواضيع التي تهمّهم، والتي من شأنها أن تساعدهم على الترفيه قليلاً بعيداً عن أجواء الدرس.





الطلاب غير بعيدين عن أجواء الأوضاع المادية وارتفاع قيمة الأقساط. أين يكمن دور المدرسة في حمايتهم من الشعور بالقلق إزاء ذلك؟

أنا شخصياً ضدّ طرح موضوع الأقساط أمام الطلاب. فأهاليهم قد أرسلوهم الى المدرسة كي يطوّروا معرفتهم وقدراتهم، لا كي يشعروا بثقل الأزمة الإقتصادية ويعودوا الى منازلهم حاملين معهم الإحباط والقلق. بعض المدراس للأسف تمنع التلاميذ من الدخول الى الصفّ إن لم يدفعوا أقساطهم، ويحصل ذلك أمام زملائهم، وهذا الأمر غير مقبول، لأنّ هذه التصرّفات تترك أثراً سلبياً كبيراً في ذاكرة الطفل. علينا أنّ نتنبّه لكلّ كلمة نقولها للطفل، وبأيّ أسلوب نقولها. فالكلمة يمكن أن تعطيه حافزاً للتطوّر، لكنّها في المقابل يمكن أن تحطّمه.

ما مدى خطورة مقارنة التلميذ بأحد زملائه الذي يتفوّق عليه بمادّة معيّنة أو بالعلامات بشكل عام؟

الخطورة كبيرة. لأنّ الطالب سيشعر أنّ مستواه أدنى من زملائه، الأمر الذي قد يشكّل عائقاً بينه وبين التطوّر والإبداع. خصوصاً أنّ بعض الأساتذة للأسف يحصرون اهتمامهم بالطلاب المتفوّقين الذين يمتلكون الإجابات الصحيحة على الأسئلة، ويسمحون لهم دوماً بأخذ الكلام داخل الصفّ. هذه المقارنة قد تشكّل أساساً لضعفٍ في الشخصية لدى الطفل، وتفتح الباب للتنمّر عليه. وقد تبعده عن المشاركة داخل الصف، أو قد تدفع به نحو الإنزواء.

نحن نريد من كلّ الطلاب أن يشاركوا. فالجميع يمتلكون قدرات وتميّزٍ في مكان ما، بالرغم من تفاوت علاماتهم. علينا بالتالي أن نمنحهم الفرصة للتعبير. وحتى لو أتت أجوبتهم خاطئة، علينا أن نشجّعهم ونشكرهم لمشاركتهم، وأن نأخذ جوابهم بعين الاعتبار.

بعض الطلاب يشعرون أنّ الأستاذ لا يحبّهم أو لا يوليهم أي اهتمام. كيف يمكن للأهل التعامل مع هذا الموضوع؟

علينا ألّا ننسى أن الأستاذ قد يقوم أحياناً بتصرّفات عن غير قصد أو نيّة، بسبب كثرة الضغوطات التي يتعرّض لها. فالأستاذ يعاني من ثقل هذه الأزمة مثل أيّ مواطن. لذلك يمكن للأهل أن يلفتوا نظر الأستاذ المعني من خلال طلب موعد معه، والتحدّث إليه بطريقة هادئة لإيجاد حلّ لهذه المسألة. وهُنا أعيد التشديد على أهمية التواصل المستمرّ بين الأهالي والأساتذة.


MISS 3