إنقطاع الطمث...هبّات ساخنة وأكثر

02 : 00

تطّلع المرأة على ما ينتظرها خلال الحمل، لكنها لا تحصل على معلومات وافية حول منتصف العمر حيث يشعر البعض بأنه عالق داخل جسمٍ لم يعد يتعرّف عليه. هذا ما يصيب عدداً هائلاً من النساء مع اقتراب مرحلة انقطاع الطمث. يبدو أن سيلاً من المخاوف الجديدة قد يتفوّق على الأعراض المتوقعة نسبياً، أبرزها الهبّات الساخنة، والتقلّبات المزاجية، وجفاف المهبل، والدورات الشهرية المتقطعة.

في هذه الفترة من الحياة، تقترب المرأة من مرحلة التراجع الهرموني التي تمتد على عملية طويلة ومتقلّبة في معظمها. تتقلّب مستويات جميع الهرمونات الجنسية خلال المرحلة الانتقالية التي تمهّد لانقطاع الطمث (أي السنوات التي تسبق توقف الدورات الشهرية)، لكن يطلق تراجع الأستروجين تحديداً موجة من الإلتهابات الخفيفة التي تؤدي أحياناً إلى مشاكل في أنحاء الجسم.

توضح الدكتورة هيذر هيرش، رئيسة عيادة انقطاع الطمث ومنتصف العمر في مستشفى "بريغهام" للنساء التابع لجامعة "هارفارد": "تقول لي النساء في معظم الأوقات: "لم أعد أشعر بأنني أعرف نفسي!". تترافق هذه الأعراض المتفاوتة ظاهرياً مع عواقب حادّة. لا شيء يبقى على حاله في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث، لكن من المدهش أن تُسبّب خسارة الهرمونات الجنسية هذا الكم من المشاكل".

قائمة طويلة من المشاكل

يبلغ متوسط عمر المرأة 52 عاماً حين تتوقف دورتها الشهرية. لكن قد تبدأ الأعراض المرتبطة بانقطاع الطمث قبل سنوات، ثم تمتد لفترة طويلة بعد انقطاعه. حتى أن الأعراض قد تتفاقم في الجزء الأخير من المرحلة الانتقالية نحو انقطاع الطمث، فتمتد الدورات الشهرية حينها على 60 يوماً أو أكثر.

بما أن معظم الأعضاء يحتوي على مستقبلات الأستروجين الذي يتمتع بخصائص قوية لمكافحة الإلتهابات، تؤثر التقلبات الهرمونية على جميع أعضاء الجسم. لكن يطلق تراجع الأستروجين أيضاً سلسلة التهابات خفيفة قد تصل إلى كل خلية. تعتبر دراسة نشرتها "مجلة الإلتهاب العصبي" في العام 2020 المرحلة الانتقالية نحو انقطاع الطمث "حدثاً التهابياً" لهذا السبب.

قد يؤدي التراجع الهرموني والالتهابات إلى أعراض غير متوقّعة في الأعضاء التالية:

الجهاز الهضمي: يرتبط الالتهاب بحالة تسرّب الأمعاء التي تسمح للجراثيم باختراق البطانة المعوية، وتُسبّب مشاكل هضمية مثل الغازات، أو تزيد أعراض متلازمة القولون العصبي سوءاً. تكشف الأبحاث أيضاً أن نصف النساء تقريباً يتعرّضن لحالات متكرّرة من حرقة المعدة وأعراض أخرى على صلة بالارتجاع المعدي المريئي مع اقتراب انقطاع الطمث.

البشرة: تكون التغيرات الجلدية الواضحة، مثل جفاف البشرة وتراجع سماكتها، شائعة مع اقتراب انقطاع الطمث. لكن قد تؤدي هاتان الحالتان أيضاً إلى تفاقم الطفح الجلدي والبقع التي ترافق مشاكل الإكزيما ومرض الوردية. كذلك قد تتفاقم نوبات الصدفية، إذ تذكر إحدى الدراسات أن نصف النساء المصابات بهذه الحالة يلاحظن أن وضعهنّ يتدهور في مرحلة انقطاع الطمث.

المفاصل: يزداد التصلب والألم والتورم في المفاصل شيوعاً في هذه المرحلة، لكن لا تتكلم النساء دوماً عن هذه المشكلة. قد يكون الفصال العظمي المرتبط بإجهاد المفاصل مسؤولاً عن الحالة، لكن يبقى الالتهاب المتعلق بانقطاع الطمث مؤثراً أيضاً. تذكر دراسة أن أكثر من نصف النساء يتعاملن مع ألم المفاصل بحلول انقطاع الطمث.

العين: تصاب أكثر من ست نساء من أصل عشر بمتلازمة جفاف العين التي تترافق مع حكّة وتشوّش وحرقة وجفاف في العين بحلول انقطاع الطمث. وفق دراسة من العام 2017، يبدو أن التغيرات في توازن الهرمونات الجنسية تؤثر على "شريط الدموع" الذي يحافظ على رطوبة العين.

الأذن: حتى الأذن الداخلية، التي تُعتبر أساسية للحفاظ على التوازن، ليست محصّنة ضد التغيّرات الهرمونية التي تؤدي أحياناً إلى الشعور بالدوار.

القلب: وفق دراسة نشرتها مجلة "انقطاع الطمث" في العام 2012، يصيب خفقان القلب في هذه المرحلة حتى 47% من النساء. لكن تحتاج هذه الحالة إلى رعاية دقيقة لأنها قد تشير إلى مشكلة كامنة في القلب. دوّني الأيام والتوقيت الشهري الذي تشعرين فيه بخفقان القلب، إلى جانب أعراض انقطاع الطمث الأخرى.

الحساسية: قد تبدأ حمى القش أو تتفاقم في عمر الأربعينات، أو تلاحظين أنك مصابة بحساسية تجاه أغذية لم تُسبب لكِ أي مشاكل في السابق. يتعلق السبب باحتمال أن تؤدي التقلبات الهرمونية إلى ارتفاع حاد في إنتاج الهيستامين الذي يطلق أعراضاً مثل الحكة والتورم عند احتكاكه بمسببات الحساسية.

تشخيص المشكلة

غالباً ما تمرّ سنة أو أكثر قبل أن تكتشف المرأة أن الأعراض الغريبة التي تتعامل معها مرتبطة بانقطاع الطمث. توضح هيرش: "تخبرني نساء كثيرات بأن كل شيء يبدأ بالانهيار عند بلوغ عمر 48 أو 50 عاماً. تتمتع المرأة في معظم الحالات بصحة ممتازة حتى السنوات الأخيرة، لكنها تبدأ في هذه المرحلة بأخذ أربعة أو خمسة أدوية وتقصد الطبيب طوال الوقت من دون أن تعرف ما يصيبها".

نظراً إلى آثار انقطاع الطمث في جميع أعضاء الجسم، تأمل هيرش في أن تجمع الأبحاث المستقبلية هذه الظاهرة مع أعراض محددة لتحسين طريقة استكشاف الروابط بين هذه العوامل: "يجب أن يعترف الخبراء في مختلف المجالات بأن انقطاع الطمث ليس مجرّد وضع معزول عند انتهاء الدورة الشهرية. هو ليس مرضاً، لكنه قد يشبه الأمراض على مستويات عدة، فتشعر المرأة بالسوء وتنقلب حياتها رأساً على عقب. تكثر الجوانب التي تستحق الاستكشاف".

الفك يتأثر بمرحلة

ما قبل انقطاع الطمثيبدو أن التغيرات المزعجة التي يسبّبها فقدان الأستروجين لا حدود لها في جميع أنحاء الجسم. تذكر دراسة جديدة أنه قد يؤجج أيضاً أعراض اضطراب الفك الصدغي الذي يصيب المرأة أكثر من الرجل بمرتَين، ويترافق مع ألم في الفك أو العضلات التي تسيطر على حركة الفك.

لإجراء التحليل الوارد في مجلة "انقطاع الطمث" في حزيران 2022، قسّم الباحثون 74 امرأة مصابة بأعراض اضطراب الفك الصدغي على ثلاث مجموعات، بناءً على مرحلة انقطاع الطمث التي تمر بها كل امرأة، ثم حللوا الرابط المحتمل بين حدة الألم ومراحل انقطاع الطمث لدى النساء، فلاحظوا تفاقم ألم اضطراب الفك الصدغي والأعراض الأخرى في الجزء الأخير من المرحلة الانتقالية نحو انقطاع الطمث، أي حين تمتد الدورة الشهرية على 60 يوماً أو أكثر، مقارنةً بأي مرحلة أخرى من السنوات التي تلي توقف الدورة الشهرية بالكامل.

رصدت الدراسة رابطاً بين حدة ألم الفك ومرحلة انقطاع الطمث، لكنها لم تثبت وجود علاقة سببية بين العاملَين. لا تعتبر هيرش هذه النتائج مفاجئة لأن مفصل الفك يحتوي على مستقبلات للأستروجين والهرمون النسائي الآخر، البروجستيرون.

توصي هيرش المرأة المصابة بألم في الفك قبل انقطاع الطمث بتلقي العلاج الذي يشمل درعاً خاصاً للفم منعاً لصرير الأسنان والشد على الفك، لأن هذه الحركات تزيد ألم اضطراب الفك الصدغي.





خـــــطـــــوات لـــــكـــــبــــــح الإلـــــتــــــهـــــاب

إلى أن تستقر مستويات الهرمونات، يمكنكِ أن تستفيدي من الخطوات التي تساعد جسمك على تحسين وضعه من خلال كبح الإلتهابات:

استهلكي منتجات ملوّنة: تناولي أنواعاً من الفاكهة والخضروات الملوّنة الساطعة، فهي غنية بمضادات الأكسدة التي تحارب الالتهاب. تتعدّد الخيارات الذكية في هذا المجال، منها البروكولي، والقرنبيط، والجزر، والخضروات الورقية، والتوت، والتفاح، والشمندر، والفليفلة. لا داعي أن تصبحي نباتية بالكامل، لكن حاولي أن تزيدي استهلاك المنتجات النباتية.

تجنبي المنتجات المعبّأة: غالباً ما تختبئ السكريات والكربوهيدرات المُصنّعة التي تؤجّج الالتهابات في المنتجات المعبأة مثل البسكويت، والسكاكر، والمعكرونة، وحبوب الفطور، والوجبات القابلة للتسخين في المايكروويف.

اختاري الدهون الصحية: تتعدد المصادر المفيدة لأحماض الأوميغا 3 الدهنية والمضادة للالتهابات، منها الأسماك الزيتية مثل التونة، والسلمون، والساردين، وبذور الكتان والجوز، والدجاج غير المُصنّع.

أضيفي التوابل إلى أطباقك: يعطي الكركم تحديداً منافع هائلة، وهو التابل الهندي المستعمل في عدد كبير من اليخنات. يكشف معظم الأبحاث أن الكركمين (العنصر الأساسي في الكركم) يتمتع بخصائص مضادة للإلتهاب.

تغلّبي على الضغط النفسي: خففي مؤشرات الالتهاب في مجرى دمك عبر ممارسة نشاطات مثل اليوغا، والقراءة، والتأمل، وسماع الموسيقى، والتجوّل في الخارج.

شغّلي قلبك: تعطي تمارين الأيروبيك المنتظمة منافع مزدوجة عبر تخفيف مستويات الالتهاب والضغط النفسي في آن. الحركة الجسدية بالغة الأهمية، وحتى أبسط الحركات تكون مفيدة.

تجنّبي التدخين والإفراط في الشرب: تحمل هاتان الخطوتان أهمية كبرى لأن المرأة تميل أحياناً إلى مداواة نفسها إذا كانت مصابة باضطراب النوم في فترة انقطاع الطمث. من الشائع أيضاً أن تزيد نزعتها إلى معاقرة الكحول في أواخر الأربعينات من العمر، مع أن هذه العادة قد تعيق النوم وتعكّر المزاج.


MISS 3