س. خوليو فريدمان

الهيدروجين الأخضر... هل ينقذ كوكب الأرض؟

29 أيلول 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

إذا كان التغير المناخي تحدي القرن فعلاً، قد يكمن حل غير متوقع في الهيدروجين. حتى الآن، لم يحصد الهيدروجين انتباهاً كبيراً مقارنةً بالخيارات الأخرى المستعملة لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة، مثل السيارات الكهربائية أو العاملة بالطاقة الشمسية، لكن يشهد هذا الوضع تغيراً سريعاً. بدأت الأموال واليد العاملة تتدفق إلى الشركات والمشاريع والبنى التحتية المرتبطة بالهيدروجين، وتُركّز هذه الجهات كلها على إنتاج إمدادات الهيدروجين التي تبث كمية ضئيلة أو معدومة من الكربون، بفضل التقدم السريع والعميق على مستوى التقنيات والسياسات.

منذ العام 2020، أعلن المصمّمون عن أكثر من 150 مشروعاً جديداً لإنتاج الهيدروجين، وتستفيد هذه المشاريع من السياسات العامة. طوّر 35 بلداً حول العالم على الأقل استراتيجيات رسمية لإنتاج الهيدروجين، بما في ذلك كندا، وتشيلي، وألمانيا، والهند، واليابان، وهولندا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وبريطانيا، إذ تعتبر هذه الدول الهيدروجين النظيف أساسياً لمعالجة مشكلة التغير المناخي وفرصة ضخمة لتحسين القدرة التنافسية التجارية.

حتى الفترة الأخيرة، كان الهيدروجين يُستعمَل بشكلٍ أساسي لتصنيع الأمونيا والوقود المُكرّر. تشتق معظم كميات ذلك الهيدروجين من العمليات التي تستخدم الوقود الأحفوري من دون تدابير مُخففة، ما يعني أنها تضيف 500 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي سنوياً، أي حوالى 1% من مجموع انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. في المقابل، تتجه معظم الجهود والاستثمارات اليوم نحو استعمال الهيدروجين كوقود بحد ذاته أو لإنتاج وقود جديد ونظيف. وبدل الاتكال على العمليات القديمة التي تضخ ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، يصبّ التركيز على تصنيع هيدروجين "أخضر" يستعمل الكهرباء النظيفة المشتقة من الطاقة الشمسية أو المائية أو النووية لتجزئة المياه إلى عنصرَيهما الأساسيَين: الهيدروجين والأكسجين. إنها مقاربة بسيطة، وهي تحصل في حصص الكيمياء حول العالم، ولا تتطلب أي عمليات احتراق، وتقتصر على عدد صغير من القطع المتحركة. تسمح الاستثمارات في هذه التقنيات بالتركيز على الهيدروجين الأخضر لإنتاج الوقود النظيف على نطاق واسع مستقبلاً.

منذ خمس سنوات، كان هذا الحماس تجاه الهيدروجين الأخضر ليفاجئ عدداً كبيراً من خبراء الطاقة والمناخ، فقد كانوا يعتبرون الهيدروجين عنصراً مستبعداً من خليط الطاقة المستقبلي. في الاقتصادات السابقة، لم يستطع الهيدروجين أن ينافس الأنواع الأخرى كوقود بحد ذاته، فقد كان مكلفاً بقدر الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، وكانت البدائل المتاحة كثيرة، منها الفحم، والغاز الطبيعي، والنفط الخام. ركّزت أولى المحاولات لتوسيع دور الهيدروجين في الاقتصاد على استعماله في السيارات، وكانت هذه العملية تتطلب تعديلات شاملة لتأمين الوقود للبنى التحتية والمصانع.

لكن بدأت الحاجة إلى معالجة التغير المناخي تزيد الاهتمام بالهيدروجين وتسمح السياسات الجديدة، التي تتزامن مع تقدّم تكنولوجي لافت، بتحويل إنتاجه إلى واقع ملموس. التزم أكثر من 137 بلداً ببلوغ "انبعاثات صفرية" بحلول العام 2050، ما يعني أن هذه البلدان تنوي تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة إلى مستوى شبه معدوم وتعوّض عن الكمية المتبقية عبر زرع الأشجار أو استخراج الكربون من الغلاف الجوي بوسائل أخرى. كذلك، تطلق شركات كبرى وعوداً مشابهة. التزمت أكثر من 320 شركة ببلوغ "انبعاثات صفرية" بحلول العام 2040. لكن تكمن حسابات مناخية بسيطة وراء هذه الوعود: لتثبيت التغير المناخي بدرجة محددة، يجب أن تصبح الانبعاثات صفرية وتحافظ على هذا المستوى بشكلٍ دائم في جميع القطاعات، بما في ذلك الكهرباء، والنقل، والغذاء، والتصنيع.

هذه الحسابات غير المرنة تبرر إنتاج كميات هائلة من الهيدروجين الأخضر لتحقيق تلك الأهداف. تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى ضرورة أن يزيد إنتاج الهيدروجين الأخضر عالمياً بأربعمئة مرة بحلول العام 2050 كي تصبح الانبعاثات الصفرية ممكنة. بالإضافة إلى الأهداف المناخية الطموحة، يسمح التقدم التكنولوجي أيضاً بالانتقال إلى عصر الهيدروجين الأخضر. منذ عشر سنوات، كان هذا الهيدروجين أعلى كلفة بكثير من أقذر مشتقاته (لا سيما الهيدروجين "الرمادي" المصنوع من غاز طبيعي أو فحم). لكن أصبح تكثيف إنتاج الهيدروجين الأخضر ممكناً من حيث السياسات المعتمدة بعد التراجع الكبير في كلفة توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

بدأ التركيز يصبّ أخيراً على الهيدروجين الأخضر اليوم. لكن قد تترافق زيادة إنتاجه وتنويع استعمالاته مع مجموعة من المخاطر والتحديات. للاستفادة من كامل قدرات هذا الهيدروجين في المعركة المستمرة ضد التغير المناخي، يجب أن تكثّف البلدان استثماراتها في البنية التحتية وتطرح السياسات المناسبة لكبح المخاطر الحتمية حين يتخذ سوق الطاقة الجديد منحىً تجارياً خلال وقت قصير.

قد تكون التداعيات الجيوسياسية للانتقال من الوقود الأحفوري إلى الهيدروجين الأخضر عميقة جداً، فيظهر مزوّدون جدد للوقود وينافسون المزوّدين القدامى. طرح المستهلكون الحاليون للوقود الأحفوري والمواد الكيماوية، مثل الهند، برامج طموحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر محلياً، وتهدف هذه الخطوة أولاً إلى تصنيع الأسمدة ثم المشاركة في نزع الكربون من صناعتها الثقيلة. ستتنافس جهات أساسية في سوق الهيدروجين الأخضر مع مراكز الهيدروجين الأزرق الناشئة لانتزاع حصص من السوق، بما في ذلك كندا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، والاتحاد الأوروبي طبعاً. تتّضح هذه المعركة لكسب العملاء وجذب الأسواق في وفرة الاتفاقيات الثنائية الجديدة، حيث يتفق بلدان على إنتاج كميات من الهيدروجين والأمونيا وشرائها. أبرمت اليابان وتشيلي هذا النوع من الصفقات، وقام الاتحاد الأوروبي وناميبيا بالمثل أيضاً. لكن يدعم أكثر من 80 اتفاقاً ثنائياً في عشرات الدول إنتاج وتجارة الهيدروجين ومشتقاته.

تزامناً مع تداخل قوى الابتكار التكنولوجي، والظروف الجيوسياسية، والرغبة في تحقيق النمو الاقتصادي، وتنوع الموارد الطبيعية، أصبحت سياسات جديدة قيد التطوير، وهي تجمع بين المناخ والابتكار والتجارة. يتّضح هذا النوع من الدمج بين السياسات في اليابان تحديداً. بدأت البنوك المحلية هناك تموّل إنتاج الهيدروجين الأخضر في أستراليا وتشيلي تمهيداً لوصول الوقود النظيف منهما إلى اليابان لاستعماله في الموانئ، ومحطات توليد الطاقة، والمواقع الصناعية. في اليابان، تُشجّع الحوافز الحكومية على إنتاج الطاقة ووسائل النقل النظيفة والتصنيع النظيف، ما يعني تجاوز الكلفة الاستهلاكية المباشرة للهيدروجين النظيف.

دخلت الولايات المتحدة أيضاً في هذه المنافسة. التزم "قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف"، الذي مرّره الكونغرس في تشرين الثاني 2021، بتخصيص 8 مليارات دولار لبناء وتشغيل أربعة مراكز لإنتاج الهيدروجين، وتخزينه، وشحنه واستعماله. كذلك، أضاف الكونغرس مليارات الدولارات لإنتاج جيل جديد من الطاقة المتجددة، وخطوط النقل، وبنية تحتية للموانئ. لكنه أول قانون من سلسلة تدابير أخرى. مرّر الكونغرس "قانون تخفيض التضخم" في آب 2022، وهو يطرح فئة جديدة من الإعفــاءات الضريبية في مجـــال إنتاج الهيدروجين. يتعلق هذا الإعفاء الجديد بكثافة الكربون في مختلف أنواع الإنتاج، حيث تتلقى أنظف منتجات الهيدروجين 3$ للكيلوغرام الواحد، ما يعني تخفيض الكلفة الإجمالية للهيدروجين الأخضر بطريقة جذرية. كذلك، ستستفيد أفضل مشاريع الطاقة الشمسية والمائية والنووية وطاقة الرياح في الولايات المتحدة من حوافز الدفع المباشر، ما يُسهّل الوصول إلى الأسواق.

تشمل "صفقة أوروبا الخضراء" (خليط من المكافآت والعقوبات من جانب المفوضية الأوروبية لتحقيق أهداف مناخية أكثر تشدداً) مجموعة من المِنَح، والإعفاءات الجمركية، والإعانات التي تصبّ في مصلحة إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي تقدّم حوافز بقيمة 500 مليار دولار تقريباً. زاد الاهتمام الأوروبي بالهيدروجين الأخضر بعد غزو أوكرانيا، وتعتبره حكومات كثيرة اليوم بديلاً متوسط الأمد عن الغاز الروسي، فيما تتابع السعي إلى تحقيق أهدافها المناخية الأصلية. على مستويات عدة، يُشجّع سيل الاستثمارات الحكومية في هذا القطاع على تدفق الاستثمارات الخاصة، ويشبه السياسات الثنائية والصفقات الشائعة في بداية عصر إنتاج الغاز الطبيعي المُسال وشحنه منذ عشرين سنة. في تلك الفترة، قامت الحكومات بالتزامات مماثلة على المدى الطويل للتشجيع على استثمار رساميل القطاع الخاص في مشاريع الغاز الطبيعي المسال.



منصة لتحول الطاقة الخضراء إلى هيدروجين في Scheveningen | هولندا، آب 2022




بفضل الدعم الحكومي واستثمارات القطاع الخاص، يسهل أن نتفاءل بمسار تطور الهيدروجين الأخضر. يستطيع المدافعون عن القضايا المناخية أن يُسَرّوا بتراجع تكاليف إنتاجه لأنه قد يُسهّل تحقيق الأهداف المناخية حول العالم بحلول العام 2050 بطريقة لم تكن ممكنة منذ خمس سنوات. كل من يركّز على أمن الطاقة يجد في هذه المقاربة طريقة لتنويع إمدادات الوقود وإضعاف قوة اللاعبين الجيوسياسيين الفرديين. نتيجةً لذلك، من المتوقع أن تزداد فرص العمل المنظّمة، وتحصد البنوك العائدات، ويحصل المهتمون بالمساواة العالمية على فرصة لتقليص الفجوة بين الشمال العالمي والجنوب العالمي. مع ذلك، يجب أن يبقى الحذر سيّد الموقف حين يبدأ سوق الطاقة الجديد بالنمو. قد تكون المسيرة نحو استعمال الهيدروجين الأخضر مليئة بالمطبات، لكنّ التفاؤل ضروري والحماس مبرّر.


MISS 3