إعادة هيكلة الديون..."شرّ" لا مفرّ منه!

02 : 00

أثارت الأزمة السياسية - الاجتماعية والاقتصادية - النقدية تخوّف الاسواق العالمية بشأن تخلّف لبنان عن سداد ديونه السيادية على المدى المتوسط، مع ارتفاع عائدات سندات اليورو الحكومية 2025 إلى حوالى 25% في الأسابيع الأخيرة، الامر الذي دفع بوكالات التصنيف الرئيسية الثلاث (موديز، فيتش وستاندرأند بورز) الى خفض تصنيف لبنان لناحية التشكيك بعدم قدرته على تسديد ديونه بالعملات الأجنبية. في هذا الصدد يتوقع الخبراء أن التخلف عن سداد سندات اليوروبوندز بات أمراً لا مفرّ منه، وهو ما يُحتّم إعادة هيكلة هذه الديون.

منذ عقد من الزمن، يعاني لبنان من العجزين التوأمين واللذين يشكلان لُبّ الأزمة الاقتصادية الحالية. وقد أدّت تدفقات رأس المال المستمرة في ميزان المدفوعات إلى تدهور حاد في وضع سيولة العملات الأجنبية في القطاع النقدي خلال الاعوام القليلة الماضية؛ وهو ما تسبّب بتآكل ثقة المودعين بسبب "الاستنسابية في القرارات التي تعتمدها المصارف واستلزم بالتالي تطبيق قيود على رأس المال، الامر الذي يعتبره الخبراء مضرّاً بالاقتصاد على المديَين القريب والمتوسط. وفي الوقت عينه، أدى العجز المالي المستمر إلى تراكم الديون الكبيرة منذ سنوات ما بعد الحرب الاهلية وما كبّدته كلفة الإعمار من نتائج وخيمة على الاقتصاد. وبلغت الديون ذروتها العام 2006 عند 180% من الناتج المحلي الإجمالي. أما اليوم فتبلغ أكثر من 150% وهي قابلة للإرتفاع أكثر مع ما تكبّده خدمة الدين التي تستهلك وحدها حوالى 10% من الناتج المحلي الإجمالي. يثير هذا الواقع المخاوف بشأن استدامة المالية العامة.

وعدت موازنة العام 2019 بتقليص العجز إلى أقل من 7% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن يبدو أن هذا الرقم غير قابل للتحقيق حيث حذّر وزير المال في الحكومة المخلوعة علي حسن خليل منذ أيام من أن عجز 2019 سيكون "أكبر بكثير" مما كان متوقعاً، من دون إعطاء أي تفاصيل أخرى. من شأن كلّ هذه الاختلالات المتزايدة والآخذة بالتفاقم أن تزيد من مخاوف المودعين والمستثمرين، وهو ما سينعكس حكماً على نسب النمو من جهة، كما وعلى "الثقة" الخارجية في السوق الماليّة المحلية من جهة ثانية، فقد ساهمت المستويات العالية للإنفاق الحكومي بشكل مباشر في عجز الحساب الجاري عن طريق تخفيض المدخرات الوطنية.

وساهم عبء الديون في انخفاض الاستثمارات العامة وضعف نمو الإنتاج، ما أدى إلى عواقب سلبية انعكست على القدرة التنافسية والقطاعات الانتاجية.

تحتّم الروابط المشتركة بين الاختلالات المالية والخارجية في لبنان إصلاحات واسعة النطاق حيث تُنفّذ إعادة هيكلة الديون كجزء من مجموعة أوسع من الإصلاحات الاقتصادية.

تتمثّل هذه الاصلاحات على سبيل المثال بتحسين الايرادات الضريبية التي تمثل 14% من الناتج المحلي الإجمالي والتي تُعتبر منخفضة وفقاً للمعايير الدولية. إنّ تحسين الإدارة الضريبية، ومكافحة التهرب الضريبي وغيرها من الأنشطة غير المشروعة يمكن أن توفر إيرادات كبيرة للموازنة.

أما في ما خصّ الإنفاق، فقد استأثرت ثلاثة بنود رئيسية معاً بنسبة 120% من إيرادات الحكومة العام الماضي: أولاً الخسائر في مؤسسة كهرباء لبنان، ثانياً الأجور في القطاع العام وثالثاً خدمة الدين العام.

وهذا ما يشير إلى أن ترشيد الإنفاق الحكومي يجب أن يركز على ثلاثة مجالات رئيسية:

- إصلاحات الطاقة: لاعتبار أن عجز كهرباء لبنان مسؤول عن حوالى 50% من عبء الديون الحكومية. لذا قد يؤدي تطبيق إصلاحات الطاقة التي وافق عليها مجلس الوزراء في نيسان الماضي إلى كبح الخسائر في قطاع الكهرباء على المدى المتوسط.

- إصلاح الخدمة المدنية: يشكل استهلاك القطاع العام (بما في ذلك الرواتب) 50% من الإيرادات العامة، وهو عائق مالي خطير.

- إعادة هيكلة الديون: يتم استهلاك 50% أخرى من الإيرادات لتسديد خدمة الدين العام. وفي ظل الظروف الحالية، وحتى لو نجح لبنان بتخفيض عجزه بمقدار 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، فإن مجموع الديون سيبقى أكثر من 200% من الناتج المحلي الإجمالي، وستستهلك مدفوعات الفائدة ثلث عائدات الحكومة.

المصدر: "غولدمان ساكس" ـ بتصرّف


MISS 3