إيفون أنور صعيبي

"لبنان يحتاج إلى 50 مليار دولار لتخطّي الأزمة"

سعيدي لـ"نداء الوطن": إعادة الهيكلة والرسملة... بداية "البلسمة"

25 شباط 2020

03 : 35

د. ناصر سعيدي
"لا حلول للأزمة التي يمرّ بها القطاع المصرفي من دون إعادة هيكلة الديون السيادية ومعها ديون مصرف لبنان. ولا بدّ بالتوازي مع ذلك، من إعادة هيكلة القطاع بمعنى إعادة رسملته. من هنا تبدأ الخطوة الفعلية لبلسمة هذا الجرح النازف في عمق مفاصل القطاع والوطن. وفي الواقع، يحتاج القطاع الى إعادة رسملة بحوالى 25 مليار دولار شرط أن يترافق ذلك مع تخفيض قيمة الدين. كما أن إعادة الرسملة كافية شرط أن تقترن بخطة إصلاحيّة شاملة للاقتصاد، وهذا ما سيتطلّب برنامجاً من صندوق النقد الدولي بالاضافة إلى مساعدات خارجية بقيمة لا تقلّ عن 25 مليار دولار أخرى. وذلك يعني أن لبنان بحاجة إلى 50 مليار دولار لتخطّي أزمته"، يقول النائب السابق لحاكم مصرف لبنان ووزير الاقتصاد الأسبق د. ناصر سعيدي في هذه المقابلة مع "نداء الوطن".

- كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن استحقاق اليوروبوندز وعما اذا كان على لبنان الالتزام بالتسديد أم لا، فماذا تقولون؟

لا يمكن التركيز على استحقاق آذار فقط، بل على الدولة تكوين نظرة شاملة لكل استحقاقات اليوروبوندز، بالارتكاز على قدرة الدولة على إيفاء الدين. يتطلّب ذلك خطة ماكرو-اقتصادية، مالية، ضريبيّة، مصرفية ونقدية. من المعروف أن مجمل الدين محمول من مصرف لبنان والبنوك التجارية، من هنا، فإنّ أي إعادة هيكلة، ستؤثّر على ميزانيّة البنك المركزي ومعه المصارف اللبنانية، بما أنّ 70% من موجودات القطاع المصرفي هي ديون على الدولة وعلى مصرف لبنان.

- هل تعتقدون أنّ إعادة هيكلة دين لبنان باتت أمراً واقعاً؟

تتطلّب إعادة الهيكلة، تمديد الاستحقاق لفترة طويلة تمتدّ بين 10 و15 عاماً وبفائدة أقلّ، ذلك يعني تخفيض قيمة الدين حوالى 70%. نتيجة لذلك، لا بدّ من إعادة رسملة المصارف. أودّ أن أشير إلى أنّه لا يمكن الحديث عن إعادة هيكلة ديون لبنان من دون التطرق الى إعادة هيكلة ديون مصرف لبنان المديون للمصارف الخاصة، الأمر الذي دفعه إلى إصدار شهادات إيداع بالدولار.

- قيل الكثير عن الأزمة وآثارها لكن حتى الساعة لم يتم التطرّق إلى حلول جذريّة وجديّة، فأين تكمن الحلول برأيكم؟

هناك 3 ميزانيات مترابطة بشكل وثيق: ميزانية الدولة وميزانيات المصارف وميزانية مصرف لبنان. العلاقة بين هذه الميزانيات الثلاث علاقة عضوية لذا، فإنّ إعادة الهيكلة تتطلب نظرة شاملة للأعوام الـ15 المقبلة وهذا الأمر يتطلب مساعدات من الخارج.

تبدأ الحلول مع إعادة رسملة القطاع المصرفي بالاتفاق مع المصارف، ما سيتطلّب تقديمات نقديّة، بالاضافة الى رسملة الاحتياطات التي اندثرت. الى جانب ذلك، لا بدّ من تحجيم القطاع المصرفي وإقفال فروعه في الاسواق الخارجية وبيع موجوادته التي يمكن الاستفادة من أموالها لإعادة الرسملة في السوق المحلية. كما يمكن لإعادة الرسملة أن تتحقق من خلال إقدام المصارف على بيع العقارات التي تملكها.

في هذا الإطار، سأتقدّم باقتراح للدولة والمصارف، وهو متمثّل بإعادة تقييم الموجودات العقارية أي الفروع المصرفية والتي كانت غالبيتها بأرقام تاريخية، وإعادة تخمينها بأسعارها الحقيقية، ويمكن بعدها، بالاتفاق مع وزارة المال، إعفاؤها من ضريبة التحسين العقاري لفترة معيّنة، شرط أن يتم استثمار أموال نقدية للرسملة مقابل قيمتها الفعلية. يمكن تطبيق الحلّ عينه في القطاع الخاص الذي يعاني من إفلاسات وستزداد، فبإمكان الشركات التي تملك أصولاً عقارية بيعها لتحسين ميزانيتها وبالتالي تحسين قدرتها على الاقتراض وبالتالي الاستمرار.


"صندوق الاستقرار"

- إذاً بإمكان لبنان تخطّي الأزمة؟

يحتاج لبنان الى صندوق الاستقرار الاقتصادي والسيولة. تتحدد شروط هذا الصندوق بإشراف صندوق النقد والدول الراغبة بمساندة لبنان. ذلك يعني أننا بحاجة الى "باريس 5" على أن يصل حجم الصندوق الى 25 مليار دولار، لاعتبار أن "سيدر" لم يعد قادراً على انتشالنا من القعر الذي نحن فيه. تُستخدم هذه الاموال لإعادة الاستقرار وتحسين البنى التحتية بالتوازي مع تحجيم القطاع العام الذي يضم اكثر من 300 ألف موظف، بالاضافة الى اعادة النظر بتعويضات نهاية الخدمة وسلسلة الرتب والرواتب التي ما عاد لبنان قادراً على تحمّل تداعياتها المالية والاقتصادية. الى ذلك، يجب اقرار إصلاح لقواعد تعويض نهاية الخدمة المرتبط بأجور القطاع العام، أي أنه يرتفع كلما ارتفعت أجور القطاع العام في حين أنه في كل دول العالم مرتبط بنسب التضخّم، وقد سبق للبنك الدولي أن قدم اقتراحات للدولة لتباشر باصلاح كل هذا النظام. لا يمكن تخطي الازمة ولا بأي شكل من الأشكال من دون وضع خطة إصلاحية وبرنامج واسع الاطر. عندها يتم الاتفاق على البنود الاساسية في الخطة حيث يتوجّب على الدولة إقرار إصلاحات جذرية، بعدها يتم الاتفاق على البرنامج ويتم التحضير للمؤتمر، وإن سار كل شيء على ما يرام، فيمكن أن نتعافى في غضون 3 أعوام. الى ذلك، لا بدّ من إنشاء صندوق سيادي لكلّ موجودات الدولة على أن يُدار من قبل أشخاص كفوئين ومستقلين، وهكذا يتم تنظيف كل الشركات المملوكة من الدولة كمرفأ بيروت، والمطار، والميدل إيست، وكازينو لبنان وتتحقق الشراكة مع القطاع الخاص وتعود بالارباح على الخزينة العامة.





إعادة الرسملة... والهيكلة


- أي مستقبل ينتظر القطاع المصرفي ومعه لبنان؟

يتطلّب مستقبل هذا القطاع إعادة رسملته بالتزامن مع إعادة هيكلة ديون مصرف لبنان. إعادة الرسملة ضرورية نظراً إلى الخسائر التي سيتكبّدها القطاع جرّاء إعادة هيكلة ديون "المركزي" والدولة. على قيمة الرسملة ألّا تقّل عن 25 مليار دولار وعلى فترة عامين. الى ذلك يحتاج لبنان الى 25 مليار دولار على شكل قروض من صندوق النقد والبنك الدولي، ومساعدات من الدول التي ما زالت على استعداد لمساندة لبنان.

- لماذا لا يمكن اعتماد النموذج المصري، عندما أمّمت الدولة القطاع المصرفي؟

لا يمكن تشبيه لبنان بمصر لأن مصر تملك في الاساس قسماً كبيراً من المصارف التي تعتبر في الاصل مؤسسات تابعة للدولة. ليس الأمر نفسه بالنسبة الى لبنان نظراً إلى كون جزء كبير من هذه الموجودات غير قابل للتأميم، لكن في هذه الحال يمكن لما يعرف بـBad Bank وهو مصرف مستقل أن يقوم بشراء كلّ الديون غير القابلة للتمديد أو تلك الهالكة (Toxic Assets)، وهكذا يتم تنظيف ميزانية القطاع. بمقابل ذلك يتم إصدار سندات تكون في محفظة المصرف على أن يقوم الـ Bad Bank بتحصيل الديون.

أما أحد الخيارات الاخرى التي يمكن اعتمادها فهي أن تأخذ الدولة حصّة من كل مصرف فتنظّم العمل في هذه المؤسسات ومن ثمّ تُعيد بيعها، وهو ما حصل في عدد من الدول منها بريطانيا والولايات المتحدة. يبقى المهمّ في تقليص حجم هذا القطاع من خلال الدمج والاستحواذ وبيع الفروع التابعة لها في الخارج.

"المزاحمة" الاقتصادية

- كيف يمكن للـ Bad Bank أن يحلّ جزءاً من المشكلة؟

إنّ الـ Bad Bank نموذج استعمل في دول عديدة على رأسها الولايات المتحدة وأوروبا.هذا البنك كناية عن صندوق مستقل يملكه مستثمرون من أصحاب الاختصاص، يقومون بشراء الديون الهالكة وغير القابلة للتحصيل (من المصارف) بقيمتها المتدنّية (30%)، على أن يقوم بتحصيلها على فترة تتراوح بين 10 و15 عاماً. يصدر الـ Bad Bank سنداً للمصرف التجاري ومع الوقت يسترد هذ المصرف قيمة السند. تساعد هذه الطريقة القطاع المصرفي على التعافي كما على إعادة رسملة نفسه ليعود ويؤدي دوره الاساسي وهو التوجّه الى القطاع الخاص، الامر الذي لم يحصل على مدى السنوات الاخيرة بسبب سياسات مصرف لبنان والتي رفعت الفوائد وشجعت على توظيف الودائع لديه، ما أدّى الى Crowding out، أي مزاحمة اقتصادية، وهي تعني مزاحمة الدولة للقطاع الخاص لدى البنوك من اجل نيل القروض، في مقابل اصدار أذونات الخزانة التي يُصدرها البنك المركزي بفائدة مرتفعة والتي تفضلها المصارف، هرباً من مخاطر إقراض القطاع الخاص. أما المزاحمة الاقتصادية الثانية فكانت عندما أصبح مصرف لبنان يمول الدولة، مستخدماً ودائع الناس لشراء سندات بأقلّ من سعر السوق. ذلك يعني أن الدولة لو طرحت سنداتها في السوق لكانت تكبّدت نسب فوائد أعلى، أما الخسارة فسجّلتها ميزانية البنك المركزي. ما كان يحصل هو أن الدولة كانت تطرح سندات بفوائد أقلّ فيقوم المركزي بشرائها بودائع الناس. حتى الساعة لا نملك أي فكرة حيال حجم هذه الخسائر.

- لماذا لا يعتمد لبنان النموذج السويسري؟

إنغمس مصرف لبنان وتورّط بحمل الجزء الاكبر لسندات الدولة، وسينتج عن ذلك، كما قلت، خسائر كبيرة جرّاء اعادة هيكلة ديونه. من هنا، يشكل النموذج السويسري اقتراحاً راديكالياً ومتطوراً. تعتمد سويسرا على الرأسمالية كما يؤدي القطاع الخاص الدور الابرز في الاقتصاد. يتولى السياسة النقدية البنك المركزي ولكن، وعلى غرار المصارف التجارية، فإنّ أسهمه مطروحة في السوق. وهكذا، يمكن للمصارف التي أقرضت مصرف لبنان أن تحول دينها الى أسهم، شرط أن تبقى الادارة مستقلة تماماً وتعمل وفق قانون النقد والتسليف، وهكذا يمكن حلّ معضلة دين "المركزي". هذا الاقتراح متقدم ولكن لماذا لا يتم أخذه في الاعتبار؟ لا بدّ من الاشارة الى أن هذا الطرح لا يندرج ضمن إطار تخصيص المركزي ولكنه يحلّ مشكلة قائمة.


MISS 3