نساء تحت الهجوم حول العالم

11 : 19

نساء يقترعن في أفغانستان
في السنوات الأخيرة، توسّع حضور المرأة في مختلف المجالات حول العالم. على الإنترنت وفي الشوارع، رفعت ملايين النساء أصواتهن للمطالبة بالتحرك ضد سوء المعاملة المنهجية والمضايقات ومظاهر التمييز. تُرجِم هذا النشاط في صناديق الاقتراع، فارتفعت أعداد النساء المرشحات للمناصب العليا أكثر من أي وقت مضى.

في العام 2018، نقلت النساء في أفغانستان والعراق الغارقتَين في الحرب معركتهنّ في سبيل المساواة إلى الساحة السياسية، فترشّح عدد غير مسبوق من النساء للانتخابات البرلمانية: 417 في أفغانستان و2011 في العراق. وبين العامين 2005 و2018، ارتفعت أعداد المرشّحات للنيابة في لبنان بأكثر من 27 مرة، بعدما اقتصر عددهنّ على أربع نساء مقابل كل 111 رجلاً. في الولايات المتحدة، ترشّح أكثر من 500 امرأة لعضوية الكونغرس أو لمناصب حكومية في الولايات خلال العام 2018، وهو رقم غير مسبوق. وفي الربيع الماضي، شهدت الانتخابات المحلية في أيرلندا والانتخابات الوطنية في الهند واليابان ترشّح النساء أكثر من أي انتخابات سابقة في هذه البلدان.لكن تتعرض النساء في عالم السياسة لاستهداف غير متكافئ عبر شبكة الإنترنت، فيواجهن حملة من المضايقات على مواقع التواصل الاجتماعي. وفق استطلاع عن النساء في السياسة داخل 39 بلداً حول العالم في العام 2016، تبيّن أن 82% منهنّ اختبرن شكلاً من العنف النفسي، بينما واجه 44% منهنّ تهديدات عنيفة. كذلك، ذكر استطلاع آخر عن البرلمانيات الأوروبيات في العام 2018 أن 58% منهنّ تلقين تهديدات بالعنف عبر الإنترنت، حتى أن نصفهنّ تلقى تهديداً بالموت أو الاغتصاب. في أفغانستان، كشفت "المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية" عن مضايقات واسعة للنساء المرشحات من جانب زعماء الأحزاب أو ضباط الشرطة أو المسؤولين عن الانتخابات. وفي الولايات المتحدة، واجهت هيلاري كلينتون مضايقات مضاعفة على تويتر مقارنةً ببيرني ساندرز، منافسها الأساسي في الانتخابات التمهيدية الرئاسية ضمن الحزب الديموقراطي في العام 2016.


أحياناً، يتخذ سوء معاملة النساء في مجال السياسة منحىً جنسياً أو مبنياً على التمييز بين الجنسَين. فيما ترتبط المضايقات التي يتعرض لها الرجال في معترك السياسة عموماً بواجباتهم المهنية، قد تشمل المضايقات الإلكترونية للنساء تعليقات عن مظهرهنّ الخارجي أو تهديدات بالاعتداء الجنسي. في بعض الحالات، يستعمل المتحرشون صوراً جنسية للنساء، كما حصل في رواندا، حيث نشر المعتدون صوراً عارية مزيفة لديان رويجارا، المرأة الوحيدة المرشحة للرئاسة في العام 2017. حتى أن التهديدات تطاول أحياناً أقرب الناس إلى السياسيات: في العام 2018، إكتشف باحثون من جامعة "برادفورد" أن أصدقاء وعائلات 62% من النساء في البرلمان البريطاني تلقوا تهديدات بالأذى الجسدي، بينما تقتصر هذه النسبة على 6% مع نظرائهنّ الرجال.

في أكثر الحالات تطرفاً، يصبح العنف ضد السياسيات قاتلاً. في السنة الماضية، اغتيلت في البرازيل مارييل فرانكو، امرأة سوداء مثلية وناشطة نسائية وعضو في مجلس بلدية ريو دي جانيرو، على يد ميليشيات تعارض مواقفها السياسية. كذلك، انتشرت سلسلة من الاعتداءات العنيفة ضد قيادات نسائية مُنتخَبة في أنحاء بوليفيا خلال العام 2012، وبلغت ذروتها مع اغتيال جوانا كويزبي، عضو مجلس بلدية "أنكوريمز"، علماً أنها تعرضت لهجوم لاذع بعدما ساعدت زميلاتها على رفع شكاوى بتهمة التحرش. وفي العام 2016، أقدم قاتل على اغتيال جو كوكس، ناشطة سياسية جريئة ونائبة في البرلمان البريطاني، بدافعٍ من الفوقية ورهاب الأجانب وكره النساء.





هذه الأشكال من المضايقات والعنف لا تسيء إلى المرأة شخصياً فحسب، بل تعيق قدرتها على الحكم بفاعلية. وفق استطلاع للاتحاد البرلماني الدولي في العام 2016، اعترفت 40% من البرلمانيات اللواتي تعرضن للعنف بأن تلك الأعمال تُضعِف قدرتهن على التكلم بحرية والتمسك بمهامهنّ. لنفكر مثلاً بالأعباء المالية التي تتكبدها النساء للحفاظ على أمنهنّ عبر توظيف الحراس وحماية مواقعهنّ. في كينيا، قررت المرشحات في العام 2017 عدم عقد اجتماعات ليلية، وهذا ما أضعف فرصهنّ مقارنةً بنظرائهن الرجال. وفي بريطانيا، شددت جميع المُشرِّعات (حوالى 100%) التدابير الأمنية في منازلهنّ، مقارنةً بـ75% من الرجال.

يرتكز معظم هذا العنف على كره النساء، وهو مرض كامن في معظم المجتمعات والثقافات، ومن المستبعد أن تتلاشى هذه النزعة في أي وقت قريب. مع ذلك، لا يمكن أن نجزم بفشل التعديلات التي تطاول السياسات المعمول بها. تستطيع الحكومات والمنظمات الدولية وشركات التكنولوجيا إقرار إصلاحات لكبح هذا العنف المدمّر.في العــــام 2011، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بياناً يدعو إلى عدم التسامح مع مظاهر العنف ضد المرأة في معترك السياسة. ثم أجرت دوبرافكا سيمونوفيتش، المُقرِّرة الخاصة المعنية بمسألة العنف ضد المرأة في الأمم المتحدة، تحقيقاً في العام 2018. استلمت هيئات إقليمية هذا الملف أيضاً: في العام 2015، دعمت الجهات الرسمية، المُشارِكة في "اتفاقية البلدان الأميركية لمنع العنف ضد المرأة والمعاقبة عليه واستئصاله"، بياناً يُلزِم الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمنظمات الاجتماعية بتصميم أدواتها وآلياتها الداخلية الخاصة لمنع مظاهر العنف السياسي والمضايقات ضد النساء والمعاقبة عليها واستئصالها. رداً على هذا الموقف، صمّمت أجهزة حكومية متعددة في المكسيك بروتوكولاً لتنسيق جهودها ومحاربة هذا الشكل من العنف، وكان ذلك التدبير كفيلاً بدعم الناجيات من الاعتداءات للفوز بقضاياهنّ.

كذلك، اتخذت بلدان متزايدة خطوات فاعلة لتجريم العنف ضد النساء في عالم السياسة. ركزت دول أميركا اللاتينية على هذا الموضوع ومررت قوانين مستقلة وعدّلت القوانين الانتخابية. في العام 2012 مثلاً، فرضت بوليفيا قانوناً يُجرّم المضايقات السياسية والعنف ضد المرأة. منذ ذلك الحين، نجح القانون في زيادة منسوب الوعي والمحاسبة في هذا الإطار. يُفترض أن تحذو بلدان أخرى حذوها. يجب أن يحدد تشريع جديد التهديدات التي تواجهها السياسيات والمرشّحات.



... ومظاهرات نسائية


لكن لن تكون الإصلاحات القانونية نافعة بأي شكل ما لم تضمن الحكومات إنفاذ القوانين. يُعتبر التشريع البارز الذي مررته بوليفيا خير مثال على ذلك: رغم تسجيل حوالى 300 ملاحقة قضائية، أُدين المعتدون في حالة واحدة فقط! تستطيع بلدان مثل بوليفيا أن تُحسّن طريقة تطبيق القوانين من خلال تدريب السلطات التي تستلم الدعاوى على الممارسات القضائية وطرق إنفاذ القانون. دعت سيمونوفيتش، المسؤولة في الأمم المتحدة، الحكومات إلى تدريب المراقبين والسلطات على رصد الاعتداءات ضد الناخبات والمرشحات والإبلاغ عنها أمام الهيئات المعنية بمراقبة تنفيذ المعاهدات، على غرار لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. يجب أن تحاسب الدول منظمي الانتخابات إذا فشلوا في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع مضايقة السياسيات. تستطيع البلدان أيضاً أن تنشئ هيئات مستقلة لمراقبة الوضع والإبلاغ عن أي أعمال عنف بحق النساء في الأحزاب السياسية.على صعيد آخر، يتطلب توسّع المضايقات عبر الإنترنت خطوات جذرية من شركات التكنولوجيا. لم تُقدِم مواقع التواصل الاجتماعي على إقرار تدابير مؤثرة لمعالجة سوء المعاملة والمضايقات بحق الشخصيات النسائية العامة. يجب أن ترصد منصات مثل "فيسبوك" أي محتوى مخيف وتحذفه تلقائياً، بما في ذلك التهديدات بالاغتصاب، ويجب أن يتمكن المستخدمون من إبلاغ الشرطة عن أي نشاطات غير قانونية على شبكة الإنترنت. لكن إذا استمرت المؤسسات بتأخير هذه الإصلاحات، يُفترض أن تسنّ الحكومات تشريعات لمحاسبتها. بدأت الحكومة الفرنسية تتخذ الخطوات اللازمة لمطالبة شركات التكنولوجيا بحذف أي محتوى ينمّ عن مشاعر الكره خلال 24 ساعة أو مواجهة عقوبات مالية على شكل رسوم بملايين الدولارات.شجّعت فرنسا الحكومات الأخرى على السير في هذا الاتجــاه خلال ترؤسها مجموعة الدول الصناعية السبع في العام 2019، ويُفترض أن تشدد الولايات المتحدة على هذه الدعوة حين تستلم رئاسة المجموعة في العام 2020. كذلك، تستطيع الحكومات أن تضع أي اعتداء ضد الشخصيات النسائية العامة عبر الإنترنت في خانة خطابات الكره وتتعامل معه على هذا الأساس. لمعالجة المخاوف المرتبطة بتداعيات هذه التدابير على حرية التعبير، طرح علماء القانون تعديلات على قوانين الاتصالات والإجراءات القضائية التي تكبح سوء المعاملة الإلكترونية من دون التعدي على حرية التعبير بلا مبرر. على سبيل المثال، اقترحت أستاذة القانون في جامعة "بوسطن"، دانييل سيترون، أن تكتفي منصات مواقع التواصل الاجتماعي بحظر التهديدات التي تسمّي الناس بأسمائهم، لا تلك التي تستهدف مجموعات غير محددة.

أما واشنطن، فيُفترض أن تستعمل المساعدات الخارجية كورقة ضغط لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. ويجب أن تخصص الولايات المتحدة حزمة من المساعدات لحماية النساء المرشّحات لتولي المناصب الحكومية في مناطق الصراع تحديداً. كذلك، من واجب البرامج الأميركية التي تُدرّب المسؤولين عن العدالة الجنائية والإعلاميين المحترفين في بلدان أخرى أن تُشدد على أهمية هذه المسألة.

يجب ألا يصبح العنف ثمناً تدفعه المرأة حين تقرر دخول معترك السياسة. لا مفر من أن تتعثر أنظمة الحكم حين تتعرض المرأة للمضايقة وتُجبَر على الانسحاب أو يمنعها خوفها من خوض هذا المجال منذ البداية. فيما ترفع المرأة صوتها حول العالم وتخترق الساحة السياسية بكل شجاعة، من واجب البلدان الملتزمة بالديموقراطية التمثيلية أن تبذل جهوداً مضاعفة لتجديد المساواة والأمان في عالم السياسة.