طوني فرنسيس

أيام تشرينية

18 تشرين الأول 2022

02 : 00

ليس احتفالأ بمرور ثلاثة أعوام على الهبّة الشعبية في 17 تشرين الأول 2019، بل تذكيراً بأن الأسباب الأولى لاندلاع تلك الهبّة لا تزال قائمة وتضاعفت مراراً، حتى لتكاد تلك الأسباب الأولية تبدو لا شيء إزاء التراكمات الكارثية اللاحقة.

لم تحصل احتجاجات تشرين لأن أحدهم قرر النزول إلى الشارع. كانت البلاد شهدت على مدى سنوات سابقة تحركات ذات طابع وطني جامع، مطلبية واجتماعية وسياسية، على خلفية انقسامات طائفية ومذهبية حادة سممت الحياة العامة طويلاً. وعندما نزلت جموع تشرين إلى الساحات كان رموز النزاع الطائفي لهم بالمرصاد،  فالشعارات الشعبية الشاملة شكلت تحدياً لهؤلاء ولنظامهم التحاصصي القائم على الهدر والفساد، فعملوا عبر ميليشياتهم وابواقهم على قمع الاحتجاجات وتصويرها رجساً من أعمال الشيطان الأكبر.

لكن ذلك لم يحجب حقيقة أن الاعتراض في الشارع كان حتمياً وأن قوته هي في عدم فئويته الحزبية والطائفية، وفي أنه نتاج طبيعي وحتمي لأزمة متمادية، ثم في انه لم ينطلق بقرار من هذا الطرف أو ذاك بل تحول تياراً شعبياً عارماً قوته من عدم انتمائه إلى جهة محددة.

ليست تلك التجربة فريدة من نوعها، لكنها جاءت في أعقاب فشل تحركات فئوية سرعان ما كانت تنزلق إلى الانقسام العمودي مذهبياً وطائفيا ومناطقياً، وفي الانتفاضة الشعبية الإيرانية الراهنة ما يشبه تجربة "التشرينين" اللبنانية والعراقية. هنا لا قيادة مركزية للاحتجاج وإنما فعل تغييري ثقافي عميق، وفي إيران يبدو أن المنتفضين استفادوا من تجارب سابقة عندما كانت الانتفاضة تسجّل في خانة أطراف من النظام فيسهل قمعها وانهاؤها مع إنزال عقوبات السجن والإقامة الجبرية بقادتها.

أثارت "انتفاضة تشرين" اللبنانية آمالاً، واسهمت في تغييرات على مستوى الوعي العام وفي فرض وجوه سياسية ونيابية جديدة، وهي لم تمت لأن القضايا التي دفعت إليها لا تزال قائمة وبمعايير أشد ايلاماً لجمهور اللبنانيين، أمّا كيف ستكون تعبيرات اللبنانيين عن غضبهم في المرحلة المقبلة، فهذا أمر يصعب توقع مساراته، لكنها مسارات ستستلهم بالتأكيد الروح التي بثتها تلك الأيام التشرينية.


MISS 3