الدكتور حسين يتيم

إلى روح المطران "منجد الهاشم"... سلام!...

22 تشرين الأول 2022

12 : 57

لَعمرُكَ ما الرزيَّةُ فَقْدُ مالٍ ولا فَرَسٌ يَموتُ ولا بَعِيرُ

ولكـــنَّ الرزيَّــــةَ فَقْدُ طَوْدٍ يَضِجُّ لِمَوْته خَلقٌ كثيرُ


... إلى رِحابِ اللهِ عَميدَ "الهاشميْين القرشيِّين"، المطران الجليل الشيخ "منجد الهاشم". طبت ربيباً للحديقة الهاشمية، صِيدٌ أهلها، وأسيادٌ أشبالها، مِنْ "قَحْطانَ" إلى "عدنانَ" إلى كل زمان!... وطوبى لحواضرِ بلادِ جبيل، والقلعةِ "العاقورة"، أنْ يَتطيَّبَ ثَرَاها بجسدِك، ويتدثَّر بعباءَتِك، ويتدفَّأ بإيمانِك، ويَنْهلَ مِنْ ثقافَتِك... العظماءُ لا يموتون!...


... لقد غيَّب الموتُ الجَسَدَ المبارك، فتبارك به تُرابُ الأرض، وصَعَدتِ الرُّوحُ الزكيَّةُ إلى السماء، فمنحتهُ الخلود!... ففي الأرضِ حَفْلُ وَداعٍ، وفي السَّماءِ موكبُ سلام!... المطران "منجد الهاشم" عاش دنياه هادئاً كالنَّسيم العليل، خفيفَ الوَطْإِ كلحْنٍ هديل، ثابتَ الجنان "كصخرة بطرسِ"، مستقيمَ الدَّرْبِ كبولُسِ الرسول، غزيرَ العطاء كنخلة "مريم"، راسخ اليقين كما المصلوب على خشبة!... رِحَابُه لبنانَ، من "قانا" إلى "قنوبين"، ومِذْوَدُهُ "فلسطين" من "بيتِ لحمٍ" إلى "بيتِ المقدس" إلى "إنطاكية" إلى "الإسكندرية القبطية"، ومن "روما" التاريخ إلى سدرة المنتهى "الفاتيكان"!...


... هذا المطران الإنسان، "منجد الهاشم" له من إسمه نصيب، "منجدٌ" للمغلوبين في الدُّنْيَا، وشفيعٌ للتائبين في الآخرة... فكم مِنْ رجلٍ ترسَّم "الدِّينَ" في دنياه، ولكنَّه نَسِيَ فيها آخرتَه، فضلَّ سَواءَ السبيل. وكم من آخرٍ إهتدى فآمنَ، فبلغ الآخرة مؤمناً تَقيًّا صَفِياًّ.. لَأَخَالَهُ الآن ضيفاً على أبيه ومعلِّمه "يسوع المسيح"، مُكَرَّماً في ملكوته، مُقرَّباً من أمِّه "العذراء مريم". ولَأَتصوَّرُه أيضاً نَزيلاً في رحاب جدِّه "القرشي الهاشمي" العربي، "مُحَمَّد بن عبدالله"، حيث "الكعبةُ" المُشَرَّفَة... "البيتُ العتيق"، بيتُ "إبراهيم" و"يعقوب" وإسماعيل"!...


... من قال أن التَّوحيد لا يؤلِّفُ بين قلوبٍ آمنتْ.. بما بعث الله مِنْ أنبياءَ ومُرسلين، وما أنزل من كُتُبٍ على عباده الصالحين... "المَجْدُ لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي النَّاس المَسَرَّة"... كلامٌ قُدْسيُّ للسيد المسيح "عيسى بنِ مريم"، الفلسطيني السوري اللبناني، والمشرقي الآرامي!... ثمَّ، "السلامُ عليكم ورَحْمَةُ الله"، هو كلام قُدْسِيُّ للرسول "مُحَمَّدٍ" الهاشميِّ القرشيِّ المشرقيِّ العربي!... تِلْكُمْ رسالاتٌ إلٰهيَّةٌ متتالية متكاملة، منذ جدِّنا "إبراهيمَ" إلى "موسى" و"عيسى" و"مُحَمَّد".


هكذا هو المطران "منجد الهاشم"، الزاهدُ المُصْلِحُ المُرْشِدُ المُتَوَاضِعُ، والموسوعيُّ ثقافةً وإيماناً وعِلْماً!... تلميذٌ من تلامذة "المسيح" الأبرار!...


... رجلُ دينٍ متطهِّر متبتِّل، في عالمٍ مترجِّسٍ متلوِّث.. جاء هادياً مرشداً مُنْجِداً!... لم تُغْوِهِ الدُّنْيَا وملذاتُها، ولم تُغْرِهِ الألْقابُ و"بهرجاتها"، ولم تَسْتهوِهِ المناصبُ وما تؤتيه من منافع!... كان قبساً من نورٍ يشعُّ في دنياً غَلَبَتْ عليها الشهوات، وحرَفَتْها الغرائز، فنهض يدعو إلى مجتمع الصلاح والمحبَّة والسلام!...


... لقد كان العرب، كلما ظهرَ فيهم شاعرٌ أو فارسٌ، يفخرون به ويُقَدِّمونَه ويعظِّمونه!. فهو الذي بما أتاه القَدَر من موهبةٍ وقُدْرة، رفعَ قَدْرَ عشيرته المغمورة. ومع هذا الإنسان الجليل المطران "منجد الهاشم"، بما حباه الله من عَقْلٍ منير وإيمانٍ كبير، أضافَ مَجْداً إلى تاريخِ "بني هاشم"، الذين منذ آلاف السنين مازالوا يُرَاكِمون الأمجاد ويصنعون التاريخ!...


... كان الشيخ "منجد الهاشم" منارةَ زَمَنه، وكان أكبر كثيراً من مرتبةِ مطران عطاءً وَتَفانيا. لقد كان رسولَ محبَّةٍ وداعيةَ سلام.. وكان صورةً حيَّةً للكنيسةِ المارونيَّةِ السريانيَّة المشرقية... وليتها اليومَ تَقْتَدي بما آتاهُ الأوَّلون...

طيَّب الله ثَراه!...

MISS 3