خالد العزي

التغطية المرئية للقنوات، والحراك اللبناني

6 كانون الثاني 2020

09 : 38

لم تكن محطات التلفزة اللبنانية في حالة انتظار للحدث اللبناني الكبير الذي تمثل بالحراك على مدى هذه الفترة التي باتت تعكس المشهد اللبناني لطبيعة الانتفاضة الشعبية المتواصلة والمنتشرة على مساحة الوطن.

شكلت هذه الحالة نقطة جديدة في نقل المعلومة معها نظراً للتعامل معها بطريقة محايدة ومهنية في نقلها لان المعلومة حق لكل الناس والاعلامي ليس بصانع للمعلومة، فهذا الحراك كان يشكل الكثير من المعلومات التي تضمنت العديد من المطالب والمشاكل والهموم والمأساة التي حاول المتظاهرون في احتجاجاتهم طرحها وعرضها على مستوى واسع من الازمات التي يعيشها البلد، بعبارة بسيطة جداً يمكن القول ان جهود المطالب الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تبلورت في الشارع كانت تهدف بالدرجة الاولى الى استعادة وطن تمت السيطرة عليه من قبل الطبقة الفاسدة القابضة على السلطة.

ففي الاحداث الطارئة في الدول تتحول اعمال التلفزة التي تتحول الى"لايف" (نقل مباشر، او تغطية مباشرة) لنقل الاحداث الميدانية ونقل الاخبار من الشوارع وفتح الهواء للتعبير وتحويل الاستديوات الى منابر لمناقشة الحالة الاستثنائية التي تعيشها الدول وهذا يأتي وفقاً لتغيير سريع في الخطط البرامجية التي يقوم عليه البث.

لقد برز هذا النمط من الاتصال في البث المباشر كتحول حاسم وجديد بالفعل في مجال الاتصال، إذ حقق بحق هدف الصحافة المتمثل في تسريع نقل الخبر، وزاد انتشار هذا النمط سيما مع تكاثر الاقمار الصناعية ومحطات البث المباشر، واهمية البث الحي ترتكز على اتاحته لامكانية "المتابعة المباشرة للاحداث".

وتمتد اهمية البث المباشر الذي اتاحه المرئي والمسموع الى مساهمته في تشكل ايقاع خاص في الحياة السياسية والاجتماعية، اذ صار الخبر المدعم بالصور من اهم تقنيات صناعة الرأي العام تجاه القضايا السياسية المطروحة، واحد العوامل المحسوبة والمؤثرة المحددة في صناعة اتخاد القرار السياسي، والبرامج المباشرة التي تبثها المحطات اللبنانية، ليست ببعيدة عن التوجهات السياسية والمصالح المالية التي تحملها، وهذا ما يفرض الانتباه لعملية النقل المباشر نقل كل قناة من القنوات اللبنانية في تشكيل اتجاهات ومواقف الرأي اللبناني حول القضايا المطروحة ومن الذي يتناولها وكيفية تناولها، مما يفرض ذلك نفسه على الرأي العام حول قضية ما، اذ يفضل النقل المباشر والآني لمجريات الاحداث اللبنانية في صور ومواقف لما يجري.

فهنا نرى طبيعة عمل المراسلين تخدم اهداف المحطة كونهم ينقلون الاحداث بطريقة استقصائية او مخابراتية بعيدة كل البعد من طبيعتها المهنية.

فهذا النمط الاتصالي يجعل اصحاب المحطات شركاء اساسيين في تحرك الرأي العام، نظراً للدور الذي تلعبه مؤسساتهم الاعلامية في نقل طبيعة الصورة عن الحراك الشعبي، ففي حالات "التوك شو" للمحطات تعمل على اظهار المشكلة وفقاً لتوجهات المحطات.

الاساءة للحراك

وبالمناسبة توفر عملية النقل المباشر للمحطات عن طريق استخدام كارت انترنت بمبلغ صغير يكفي لتغطية اليوم الكامل في كافة المناطق باقل من تكلفة برنامج بالاستوديو مع ضيوف لان الدعايات تؤجل الى الايام العادية من اجل الحصول على رفع المشاهدة التي تخول القنوات في عملية النقل المباشر للحصول على اعداد اكبر للمشاهدين مما يساعد في توجه شركات الدعايات للقنوات الاوائل في استدراج عروضها الدعائية التي تتم بشكل فصلي او موسمي في دورة اعداد البرامج.

فان هذه التغطية الممنهجة التي تتبعها بعض المحطات اللبنانية للاحداث لا تدل على الشراكة الاعلامية مع الحراك، وانما تسيئ بشكل مباشر للحراك والثوار بقصد او بغير قصد من خلال بعض الاعلاميين، وخاصة عندما يتم تشخيص المعارضة واعتبارها شوارع او توابع، مما يدل على كونهم يرتهنون لأجندات دولية تحركهم بحسب البورصة المالية مما ينطوي في داخلها اموال واجندات وحلفاء في فبركة وصناعة واخذ الشارع بالاتجاه المعارض.

فمن هنا نرى كيف تعمل المحطات مع الجماهير في نقل الحدث حيث تركز بدورها على شخصيات معينة تفتح لها الهواء من ناحية وابراز هذه الوجوه كونها رائدة في طرح الاحداث التي تحاول ان تقدم اوراقها لأحزاب السلطة بالإضافة.

فاذا كانت المحطات تسير وراء الاحداث المثيرة في عملية النقل وهذا طبيعي لجذب المشاهدين لكن بدورها تخفي التغطية الفاعلة لسير الاحداث الاخرى التي تعتبر بانها انتهت، فمثلاً تعمل القنوات على نقل مشاكل في الشارع البديل للحراك بدل تغطية كاملة لكيفية استمرار حياة الاعتراض في ساحة الشهداء او المناطق.

كذلك تفتح الاستديوات لأشخاص غير معروفين تحاول المحطات محاورتهم بطريقة ذكية حيث يتم التذاكي عليهم ويخرجون من الاستوديو وكأنهم اعداء للثورة، تحاول البرامج مناقشة الاحداث بطريقة سطحية هزلية وكأن الاعلاميين اصبحوا هم المحللين والمراسلين وصانعي الحدث وناقليه كما حال المثل اللبناني اهلية بمحلية، حتى مذيع النشرات الجوية والرياضية بات من يحلل حركة الشارع في حالة تسخيف ليس لها مثيل.

لكي يكون الاعلام شريكاً فعلياً في عملية التغيير التي يعيشها البلد يجب ان يكون مسؤولاً فعلياً عن عملية التغطية وعدم فتح الهواء لأشخاص يعتبرون اركوزيين في المشهد ويسيئون للحراك، وعدم ممارسة العمل الموجه والمعادي للحراك من قبل بعض الاعلامين الذين يفتعلون المشاكل في الساحات من اجل النجومية وتشويه صورة المتظاهرين بسبب اسئلة الاستفزاز والعروض البهلوانية التي تقدم في البرامج. يجب التركيز على المهنية في تقديم المواضيع ومناقشتها بطريقة واعية ومسؤولة نظراً لخطورة الحالة. سحب المراسلين الذين يمارسون العمل "البوليسي والاستقصائي" وارسال المهنيين الذين رأينا منهم الكثيرين في الساحات والذين قد حضوا على ثقة الجماهير المعترضة.

الابتعاد عن تصوير الحالات التي كانت موجودة واظهارها في هذه المرحلة لكي يتحمل الحراك مسؤوليتها من دون تسمية الاشياء بأسمائها لانهم ايضاً يتحملون المسؤولية بالابتعاد عن نشر الحقائق والتستر عليها نتيجة وقوعهم في اثواب السلطة الحاكمة وقد مارسوا المناكفات الاعلامية كما حال احزاب السلطة ومسؤوليها.

وهذه الطريقة في عملية النقل تضع الاعلام في موقع الاتهام كونه يحاول ابراز اشخاص كقادة للحراك من خلال تلميعهم والاضاءة عليهم من خلال الظهور المتكرر لهم على الهواء وتمرير بعض الرسائل بانهم على صلة دائمة معهم طوال فترة الحراك.



* صحافي وكاتب لبناني.


MISS 3