جاد حداد

حافظ على صحة قلبك بالموسيقى!

12 تشرين الثاني 2022

02 : 00

إذا شعرتَ يوماً بقشعريرة أثناء سماع الموسيقى المفضلة لديك، يعني ذلك أنك اختبرتَ بطريقة مباشرة قدرة هذا الفن العالمي على إحداث تغيرات جسدية ملموسة. لكن لا تقتصر تجربة سماع الموسيقى أو ابتكارها على الشعور برعشة ممتعة وعابرة، بل إنها قد تذهب إلى حد تحسين صحة قلبك.

يقول الدكتور بيتر ليبي، طبيب قلب في مستشفى «بريغهام» للنساء وأستاذ طب في جامعة «هارفارد»: «بدأت الأدلة التي تشير إلى منافع الموسيقى لدى المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية تتزايد. بشكل عام، ينجم هذا الأثر الإيجابي على ما يبدو عن قدرة الموسيقى على تجديد توازن فرعَين أساسيَين من الجهاز العصبي اللاإرادي في الجسم. يعمل هذا الجزء البدائي من الجهاز العصبي بطريقة تلقائية، فينظّم وظائف مثل معدل ضربات القلب، والتنفس، وضغط الدم. يتحكم واحد من الفرعَين باستجابة الضغط النفسي (الهرب أو المواجهة)، بينما يسيطر الفرع الآخر على استجابة الاسترخاء (الراحة والتعافي).

على غرار الاسترخاء أو ممارسات مهدّئة أخرى، يبدو أن سماع الموسيقى (أو الغناء أو العزف على آلة موسيقية) يدفع الجهاز العصبي إلى تفضيل استجابة الاسترخاء. يلعب العصب المبهم، الذي يمتد من الدماغ إلى البطن، دور الوسيط في هذه الاستجابة.

يسمح تحفيز هذا العصب بإبطاء إيقاع التنفس والنبض، حتى أنه قد يسهم في تخفيف الالتهاب الذي يُعتبر المسؤول الأساسي عن أمراض القلب.

هل تستهدف الموسيقى "أوتار القلب"؟

كانت كلمة «وتر» تُستعمل في السابق للدلالة على الأربطة أو الأوتار في الجسم، ويدخل استعمال عبارة أوتار المأبض في هذه الخانة.

كذلك، كانت عبارة «أوتار القلب» تُستعمل في الأصل للإشارة إلى عصب أو وتر يُفترض أن يحمي القلب أو يقوّيه. اليوم، يشير هذا المصطلح إلى مشاعر عميقة من التعاطف، وهو يتماشى مع الفكرة القديمة التي تعتبر القلب مصدراً لجميع العواطف.

ألحان تملأ القلب

في العام 2021، نشرت مجلة «نزعات في طب القلب والأوعية الدموية» مقالة بعنوان «أثر الموسيقى على جهاز القلب والأوعية» حيث حلّل الباحثون أحدث المراجع الطبية حول هذا الموضوع. لخّص العلماء نتائج 26 دراسة شارك فيها 1342 شخصاً.

رصد الباحثون نزعة إلى زيادة تقلّب معدل ضربات القلب لدى من سمعوا أنواعاً مختلفة من الموسيقى، دفعةً واحدة أو خلال جلسات متعددة، لمدة تتراوح بين 7 و70 دقيقة. يقيس هذا التقلّب أبسط التغيرات في الفترة الفاصلة بين ضربات القلب، وهو يشير إلى صحة الجهاز العصبي اللاإرادي. يعني ارتفاع هذا المعدّل أن القلب يستطيع التجاوب سريعاً مع التغيرات المتسارعة في أنحاء الجسم، وترتبط هذه المرونة بالحفاظ على صحة القلب. حللت دراستان فقط آثار الغناء، لكنهما أثبتتا أن هذا النشاط يحسّن تقلبات معدل ضربات القلب أيضاً.

توصّلت هذه المراجعة إلى نتائج أخرى عن منافع الموسيقى المحتملة:

تحسين الأداء الرياضي: تكشف دراسات عدة أن الموسيقى قد تُحسّن مسار الحصص الرياضية عبر زيادة قوة التحمّل، أو المسافات المقطوعة، أو مدة التمارين، أو عبر تخفيف التعب أثناء النشاطات الجسدية. في دراسة كانت الرياضة فيها جزءاً من برنامج لإعادة تأهيل القلب، عمد المشاركون إلى تكثيف تمارينهم بفضل تقنية «التحفيز السمعي الإيقاعي» التي ساعدتهم على تنسيق إيقاعهم مع الموسيقى المنتقاة.

تراجع مستويات هرمون الضغط النفسي: وثّقت دراستان تراجعاً في مستوى هرمون الكورتيزول المرتبط بالضغط النفسي في اللعاب، علماً أن دراسة منهما شملت أشخاصاً يخضعون لغسيل الكلى وألمحت إلى تحسّن معدلات النجاة من أمراض القلب والأوعية الدموية لدى من سجلوا أكبر تراجع في مستويات الكورتيزول.

انخفاض ضغط الدم: التزم 30 شاباً مصاباً بارتفاع بسيط في ضغط الدم بحمية «داش» («المقاربات الغذائية لوقف ارتفاع ضغط الدم») طوال شهر. تزامناً مع شهر الحمية، سجّل من طُلِب منه سماع «أكثر موسيقى مريحة على البيانو والناي» طوال 30 دقيقة، على مر خمسة أيام أسبوعياً، تراجعاً إضافياً في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب مقارنةً بمن لم يسمعوا تلك الموسيقى.

علاج بسيط وقليل الكلفة والمخاطر

تستحق آثار الموسيقى الصحية الواعدة استكشافاً إضافياً، وقد بدأت مبادرة Sound Health (تعاون بين المعاهد الوطنية للصحة ومركز جون كينيدي للفنون التمثيلية) تستكشف هذا الموضوع. في مطلق الأحوال، يبقى سماع الموسيقى علاجاً سهلاً وغير مكلف وقليل المخاطر، شرط أن يبقى مستوى الصوت في نطاق آمن طبعاً. لا ضير من استعمال الموسيقى لتنشيط تمارينك الجسدية أو استرجاع الاسترخاء. لا تتردد إذاً في تجربة هذه الطريقة!